كتاب عربي 21

قاموس المصطلحات المضحكة: الشفافيّة

1300x600
غنى صباح فخري للحبيب "القراصية منين منين"، المسقية بدمع العين.

لم تكفّ السلطات العربية الظالمة المظلمة الكتيمة عن أغنية الشفافية، للحبيب في القصر الملكي والجمهوري، حتى لتحسبن الملك العربي - والرؤساء ملوك - سمكة بلورية في حوض الزينة ونحن عنها عمون. سمّي البدو باسمهم لأنهم بادون، ظاهرون، ليس لديهم أسرار، شفافون بالمصطلح المعاصر. وقد شاعت صفة الشفافية السورية المحدثة، كعلامة ديمقراطية وآية سياسية في الإعلام السعودي الشقيق أيضاً، وهي ليست من أدبيات خطابها الإعلامي الذي يميل إلى البلاغة الدينية. وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ. الحالة: طغيان ظالم مظلم، يريد شعباً عارياً وأعمى، مكشوفاً حتى من ورقة التوت.

عُرف الأعراب والبداة بقصص الفراسة والتحقيق الجنائي، ولهم مصنفات كثيرة، منها قصة للمعتضد، الذي كان معروفاً بالفراسة. رأى مرة غلاماً منكر الخلقة يصعد السلالم درجتين درجتين، فارتاب فيه، وحقق معه، فالشبهة لا تصلح دليلاً، فعرف بعد التحقيق أنه قاتل قتل سيده، وحرقه في التنور. ولم يكن في تلك الأزمان أسيد التذويب، وإلا كان في الإسلام صلاة اسمها صلاة الذائب، مثل صلاة الغائب. والذائب غائب غيبة كبرى.

من يتابع الأخبار يظن أن التحقيق القضائي والجنائي في السعودية سبعة نجوم، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، على عكس حال العلماء والدعاة والمفكرين المعتقلين الذين أدينوا بلمح البصر. يتخيل المتابع للقضية أن المتهمين ينتجعون على البحر الأحمر، وليسوا في دولة عربية تشبه أخواتها في البطش، والتي تستحلب اعترافات المعارضين عادة بآلات تشبه آلات استخراج النفط من باطن الأرض.. فالمتهمون يضللون العدالة العمياء، بحسب أقوال النائب العام، وقد ضللوها سبع مرات، وما زالوا أحياء في قضية وطنية شغلت العالم، وأسقطت هيبة السعودية، وعرّضت ولي العهد للاتهام والشبهة. ونذكر أن السعودية استضافت قبل فترة الكولومبو المصري حبيب العادلي حتى يعلّمهم فن استخراج النفط من بطون المعارضين. ما أحلم السعودية بالقتلة والطغاة!

يبدو أن العدالة ليستوحدها عمياء، فالإفتاءالسعودي كان أعمى غالباً؛ كأن الغرض من توظيف أعمى في الفتوى هو السخرية من الإسلام، بل إنه شبه أبكم حالياً، عندما تصعب أسئلة السائلين في حصص الفتوى التلفزيونية. ويشترط الإسلام في الإمامة والإفتاءالسلامة من العيوب، فلم أجد أحداً يغرد حول نزاهة التحقيق أو يسخر منها، وإن كانت السخرية من "كاداجيت" الإماراتي خلفي ضحيان على أشدها.

التحقيق لغة: هو التثبت وبلوغ الحق.. والحق من أسماء الله، ولكل من الحق والباطل أهل ومذهب.

كانت الحقيقة توأد لأنها أنثى، والباطل ذكر، وكانت بثينة شعبان، لله درها ما أكبر شأنها في سوريا مع أنها مستشارة، وهي ليست رتبة مثل رتبة مستشارة ألمانيا في بلادها، وإن كانت أكبر في سوريا.. فهي مترجمة سابقة، وكانت تبشرنا بأن الرئيس شفاف جداً، مع أن جدار قصره سمكه ستة أمتار. وفي البلدان المتقدمة، حرصاً على حياد القضاء ونزاهته، يرسم رسامون مختصون المتهمين في قفص العدالة، فإما أن السعودية ليس فيها منصة قضاء، وإما أنه ليس لديها رسامون. الواضح أن غرض التحقيق السعودي هو التضليل والتبطيل. وكان محامي الدفاع السعودي، ترامب، قد بادر من فوره في الأيام الأولى إلى تصديق رواية السعودية "التافهة"، والدفاع عنها، وهو يجري بأمرين؛ الأول بتحريف الكلام عن مواضعه، وتبديل المسميات، كأن تقول شجارا بدلاً من جريمة مع سبق الإصرار والترصد، وتجزئة بدلاً من تقطيع. والثاني بالصرفة، وهو دفع الإعلام الناس للانشغال بقصص مختلقة عن خطيبة خاشقجي، وانتسابها للمخابرات، وقصة زواج الضحية من ثلاث، ويحق له رابعة حسب الشرع الذي تدعي السعودية العمل به.

نعود إلى الشفافية، فنتذكر الحديث النبوي القائل: "الجزاء من جنس العمل"، وثلاث من كنّ فيه كنّ عليه: "المكر والبغي والخديعة".

دارت الأيام، ومرت الأيام، ورأينا شفافية سورية لم يسبق لها مثيل: البراميل تسقط على المدن المنتفضة أمام عيون العالم سبع سنوات، لكن العالم المفتي أعمى، وجريمة في القنصلية السعودية مصورة صوتاً وصورة، وملك العالم الأشقر يتذكر أسعار النفط ومحاربة الإرهاب ويعفو عن القاتل، وكأن الكنيسة قد عفت عن قتلة المسيح نفسه. وكانت تركيا قد رصدت الشوارع كلها بعيون الكاميرات الكواحل بعد عمليات الإرهاب، فسبحان الذي شفَّ نفس عنترة وأبرأ سقمها.

الشفافية منين منين، ياللي سقوها بدمع العين، والقلب ما يهوى الاثنين: إما الشفافية وإما العمى.

وقد سقينا هذه الشفافية بالدم حتى أينعت، وسيحين موعد قطافها.