قضايا وآراء

أصنام يقودون الأسُود في عرين العرب

1300x600
"يُروى أن رجلاً كان له حصان عربي أصيل، كان يسيء معاملته، ويحمِّله أكثر من قدرته، ويُقتِّر عليه في مأكله ومشربه، حتى هزل الحصان ونَحُل جسمه وتلاشت طاقته، ووقع طريح الأرض.. أخذ الرجل يسترجع سيرته مع الجواد، ويعض على أصابعه ندماً، فذهب إليه طالباً المغفرة معترفاً بأنه ظلمه. فقال له الحصان: أنا مستعد لأن أسامحك في جوعي وعطشي وتعبي وإنهاكي، ولكني لن أغفر لك ولن أسامحك في شيء لم تطقه نفسي في لحظة.

استغرب الرجل جداً، وقال: ما هذا الشيء الذي لن تسامحني فيه؟

قال الحصان: لقد كنت في كل مرة تخرجني فيها، خلف الحمار تقودني، وتجعل منه سيداً عليَّ، وضابطاً لطريقي وخطواتي".

أنظر إلى قادتنا في بلاد العُرب، من المحيط إلى الخليج، فأجدهم عساكر قد كلَّت أذرعهم من رفعها للتحية العسكرية لسادتهم من الأمريكان والروس وغيرهم، واهترأت بساطيرهم من ركل المعتقلين في جلسات التعذيب التي لا تنتهي، وللمتظاهرين الذي يطالبون بلقمة عيش كريمة، وتعليم يرفعهم لمستوى أقل من أن يُقال عنه مقبول، أو أجدهم عجائز خرفين، لا يتذكرون ما قالوه قبل ساعة، ويعتقدون واهمين أن الدنيا وكرسي الحكم سيدومان لهم إلى الأبد، فيطغون ويتسلطون لأنهم لم يشبعوا بعد من الأموال والجاه والسلطان.. أو شباناً جبابرة طواغيت.. لا يتورعون عن القتل والتقطيع والتغييب خلف أسوار عالية أو تحت سطح الأرض؛ لكل من يعارضهم في الفكر أو يقول كلمة حق بشأنهم، أو حتى يأخذ جانب الحياد فلا يسبح بحمدهم ويهلل بتوحيدهم ويدور في فلكهم.

في بلادنا أصنام.. يأمروننا أن نسجد لهم ونؤمن بهم.. ويا ليت أصنامنا هؤلاء يشبهون أصنام قريش البريئة الطاهرة التي لا تضر ولا تنفع، لكان في الأمر خير كثير.. فكل ذي لبّ في هذه الأثناء سيقوده لبه إلى الكفر بها، وتوحيد الخالق، وينتهي الأمر إلى هنا، فيكون لله ما لله، وما لقيصر لقيصر. أما أصنامنا الآن، فهم يضرون ولا ينفعون، ويقتلون ويسحلون ويسجنون ويغتصبون ويحرقون بالنار ويذوِّبون بالأسيد. أصنامنا يسحبوننا للحضيض، بل إلى ما دون الحضيض، لا يعترفون بذي لب أو علم أو حكمة أو أدب.. أصنامنا لا يعترفون إلا بالطاعة المطلقة الغبية الحمقاء الخرقاء العمياء، التي لا تحتكم لقلب أو عقل أو منطق أو حتى لحُمق وغباء.

يا إلهي! ما الذي يجري؟ لماذا؟ منْ الذي مكنهم من رقابنا؟ من الذي أمَّنهم على حياتنا؟ من الذي عَهِدَ لهم بحرِّياتنا، بعقولنا، بخيراتنا، بتاريخ أمتنا، بما لدينا من معارف وعلوم وآداب؟ من أين خرج علينا هؤلاء الأصنام؟ أمِن قلب الجحيم؟ أم مِنْ خلف عرش الشيطان؟ ماذا يريدون منا؟

سلبوا خيرات بلادنا، وسلبوا حياة خيرة شبابنا، وهجَّروا وشرَّدوا كل النوابغ من بيننا.. ثم يخرجون علينا في الإعلام ومن وراء الكاميرات؛ يتظاهرون بأنهم حريصون علينا وعلى أوطاننا، يذرفون دموع التماسيح، ويتباكون على مجد زال ولن يعود.

يا هؤلاء.. كرهناكم، ارحلوا عنا.. أخلوا سبيلنا.. نرى الأعداء بأم أعيننا يسلبون كرامتنا، ويدوسوننا بنعالهم، وينتهكون ويدنسون مقدساتنا، ويستبيحون دمائنا وحرماتنا، فتستقبلونهم، وتمجِّدونهم، وتتسابقون في جعلنا لقمة سائغة في أفواههم، وتتبارون لاسترضائهم على حساب عزتنا وحريتنا وعروبتنا.. 

يا هؤلاء، أفرغتمونا من قيمتنا، وقيمنا ومبادئنا، وعملتم معول هدم في كل الثوابت فينا.. لتجعلوا منا طابوراً خامساً يخدم أهدافكم الوضيعة.. ولكن اخسأوا، فهذا بُعدكم.. فالمارد المقموع داخلنا بدأ يتململ، ولن يبقى صامتاً ساكناً هكذا إلى ما لا نهاية.. سينطلق ويدمر عروشكم ويبيد سلطانكم وينقض جبروتكم كما تنقض المرأة غزلها.

والمصيبة الكبرى أن أصنامنا يقودون الأسود في أوطاننا، يركِّعونهم، يذلونهم، يضيقون الدنيا عليهم؛ حتى تبدو أصغر من خرم إبرة في عيونهم ونفوسهم.. أينما ذهبوا يجدوا سياط الجلاد بانتظارهم، ورصاصات الغدر تتربص بهم.. أنيابا ومخالب تتحلق حولهم وتنهشهم وتشرب من دمائهم.. 

فإن لم يجد أصنامنا من يحطمهم، ويشتت القطعان التي تحميهم، فسيبقى أسودنا خرافاً ينحرون على أبواب معابدهم ويعلقون على أعواد مشانقهم.