صحافة دولية

فورين بوليسي: ما حقيقة تدجين إسرائيل للسلطة الفلسطينية؟

فورين بوليسي: النفوذ الإسرائيلي أدى إلى دق إسفين بين قادة السلطة ومؤيديهم- جيتي

نشرت "فورين بوليسي" مقالا للباحث أنس قطيط، يتحدث فيه عن تأثير النفوذ الإسرائيلي يالتحكم في الموارد المالية الفلسطينية على العلاقة بين قادة السلطة ومؤيديهم.

 

ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه سيعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل من جانب واحد في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، فإن المسؤولين الفلسطينيين وعدوا برد سريع، فرفضوا اللقاء مع المسؤولين الأمريكيين، وهددوا بسحب الاعتراف بإسرائيل من جانب منظمة التحرير الفلسطينية، ووعدوا بوقف التنسيق الأمني مع الحكومة الإسرائيلية، مستدركا بأنه بعد قرار ترامب بأشهر، وبعد نقل السفارة فعلا إلى القدس في شهر أيار/ مايو، فإن السلطة الفلسطينية فشلت في تنفيذ تهديداتها.

 

ويؤكد قطيط أن "السلطة الفلسطينية تراجعت عن كثير من وعودها في الفترة الأخيرة، ففي السنوات منذ إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994 بهدف جلب مستوى من الحكم لقطاع غزة والضفة الغربية، استطاعت السلطة جلب مستوى محدود من الحكم تحت قبضة الاحتلال الإسرائيلي القوية إلى معظم المراكز السكانية الفلسطينية، لكنها حديثا فشلت في أيقاف التعاون الأمني والاقتصادي مع إسرائيل، أو تمنع نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وكلاهما مطلب له شعبية بين الشعب الفلسطيني وأحزابه السياسية".

 

ويستدرك الباحث قائلا: "يبدو أن التباين بين آمال الشعب الفلسطيني وما يفضله زعماؤه السياسيون يزداد مع مرور الوقت، فهناك شيء، على ما يبدو، يغير من أسلوب عمل مسؤولي السلطة الفلسطينية، وقد يكون ذلك الشيء هو السيطرة الإسرائيلية على الضرائب الفلسطينية".

ويشير قطيط إلى أن "هذه ليست هي المرة الأولى التي تتهم فيها السلطة الفلسطينية بالفشل بالدفاع عن المصالح الفلسطينية، ويرى المراقبون، مثل جيريمي وايلدمان وعلاء الترتير، أن القضية قد تتعلق بالاعتماد على المساعدات". 

 

ويلفت الكاتب إلى أن "الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة تسلموا أكثر من 35 مليار دولار كمساعدات منذ عام 1993، ويصنفون دائما من بين أعلى مستقبلي المساعدات في العالم، وفي عام 2008 تمت تغطية حوالي 50% من مصاريف السلطة الفلسطينية من المساعدات الدولية، والحجة هي أن المانحين استخدموا تلك الأموال للدفع للسياسات التي يحبونها، مثل دمج الاقتصاد الفلسطيني بالإسرائيلي، حتى وإن كان الشعب يفضل تحفيف العلاقات الاقتصادية بإسرائيل".

 

ويفيد قطيط بأنه "منذ عام 2008 لم تغط المساعدات سوى جزء قليل من مصاريف السلطة، حيث غطت حوالي 17% فقط عام 2017، ويتوقع أن يستمر تراجعها، وهذا بسبب الإصلاحات الاقتصادية التي طالبت بها الدول المانحة، تلك الإصلاحات، التي قام بتطبيقها عام 2008 رئيس وزراء السلطة والاقتصادي لدى صندق النقد الدولي سلام فياض، أعادت هيكلة مالية السلطة، وقيدت الإنفاق بما يتماشى مع توصيات صندوق النقد الدولي والبنك والدولي، بالإضافة إلى أن ذلك دفع بالسلطة للبدء بالاعتماد على عائدات الضرائب المحلية أكثر من المساعدات".

 

ويؤكد الباحث أن "المشكلة تظل قائمة دون السيطرة على الحدود، حيث تجبي حوالي 70 من دخل الضرائب، وكان هذا معلوما لدى السلطة عندما نشأت، ولذلك أنشأت اتفاقية أوسلو ما سمي بآلية إيرادات التخليص، وجزء من هذا بأن تقوم الحكومة الاسرائيلية بجمع الضرائب المختلفة من التجار الفلسطينيين، أو من يعملون في الاقتصاد الإسرائيلي، ثم تحول تلك الأموال شهريا إلى السلطة الفلسطينية بعد خصم 3% رسما إداريا". 

 

ويبين قطيط أن "حجم إيرادات التخليص كبير بالنسبة لحجم الاقتصاد الفلسطيني الصغير، حيث وصلت تلك الإيرادات إلى 2.5 مليار دولار عام 2017، وشكلت 60% من ميزانية السلطة الفلسطينية، وفي عام 2008 كان حجم تلك الإيرادات 1.1 مليار دولار، وغطت 31% من مصاريف السلطة الفلسطينية، والزيادة في الإيرادات تتعلق جزئيا بالإصلاحات بعد عام 2008، التي سهلت على السلطة الحصول على تلك الإيرادات، ويتم إنفاق تلك الإيرادات بشكل رئيسي على رواتب الموظفين الرسميين، التي بلغ مجموعها2.1 مليار دولار عام 2017".

 

ويجد الكاتب أنه "مع أن تلك الإيرادات تأتي من الفلسطينيين وتعود للسلطة الفلسطينية، لكن إسرائيل تستخدمها للتحكم في تلك الأموال لأهداف سياسية، فعندما انضمت فلسطين إلى نظام روما الأساسي المتعلق بمحكمة الجنايات الدولية عام 2015 مثلا، أوقفت إسرائيل تحويل الإيرادات للسلطة لمدة أربعة أشهر، وقامت السلطة لتحمل ذلك بدفع 40% من رواتب الموظفين فقط، وأعادت إسرائيل نظام تحويل الإيرادات مرة أخرى بعد ضغط من الدول المانحة، التي خشيت من انهيار السلطة قريبا". 

 

وينوه قطيط إلى أن "إسرائيل قامت بمنع تحويل الإيرادات للسلطة بمدة يصل مجموعها إلى أربع سنوات منذ عام 1997، وكان أوضحها إيقاف التحويل كرد فعل على الانتفاضة الثانية عام 2000، وبعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وانتقاما لتقدم السلطة لعضوية كاملة في الأمم المتحدة، وانتهى معظمها بتقوية تعاون السلطة مع إسرائيل عندما عادت حركة المال".

 

ويورد الباحث مثالا على ذلك عندما احتجزت إسرائيل الإيرادات عام 2014، بعد أن وقع الفلسطينيون اتفاقية وحدة بين الضفة الغربية وغزة، مشيرا إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قام بوصف التنسيق الأمني مع إسرائيل بأنه مقدس، بالإضافة إلى أن صندوق النقد الدولي يمدح السلطة دائما لتعاونها الاقتصادي والأمني مع إسرائيل.

 

ويقول قطيط إن "السلطة الفلسطينية تعلمت أن تقلق أكثر من جهة إسرائيل بدلا من الرأي العام المحلي، وعلى سبيل المثال، فرغم عدم وجود تأييد شعبي للخطوة، فإن رد عباس على نقل إدارة ترامب سفارتها للقدس، تمثل في الدعوة لمفاوضات متعددة الأطراف مع إسرائيل، ودعوة عباس هذه جاءت بالرغم من حث منظمة التحرير الفلسطينية التي يرأسها على أن يتم سحب الاعتراف باسرائيل، وإلغاء اتفاقية أوسلو، ووقف التعاون الأمني مع إسرائيل". 

 

ويشير الكاتب إلى أن مصداقية السلطة بين الفلسطينيين تراجعت، فبحسب بيانات من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فإن 9% فقط من الفلسطينين المستطلعة آراؤهم في 2017-2018 يثقون بحكومتهم، في الوقت الذي اعتبر فيه 94% منهم السلطة الفلسطينية فاسدة ماليا وإداريا على مستويات مختلفة، واختلف 64% منهم مع سياساتها الاقتصادية، لافتا إلى أنه لدى السؤال عن رد فعل السلطة على قرار ترامب بشأن السفارة، فإن 72% اعتبروه أقل من المتوقع، فيما أظهر تقرير "مؤشر الرأي العربي" أن هناك تأييدا كبيرا لتعليق التعاون الأمني مع الجيش الإسرائيلي ردا على قرار ترامب، وهو الأمر الذي لن توافق عليه السلطة.

 

ويختم قطيط مقاله بالقول إن "السلطة في مأزق، فالرضوخ لرغبة الشعب بتعليق التنسيق الأمني مع إسرائيل، أو تبني سياسة خارجية عدوانية، سيؤديان بالتأكيد إلى تعليق إسرائيل تحويل إيرادات التخليص، ما سيقضي على السلطة ماليا، لكن الفشل في الرد على أي من الاستفزازات، بما في ذلك خطط إدارة ترامب لنزع صفة اللاجئ عن ملايين اللاجئين الفلسطينيين، سيزيد من تآكل شرعية السلطة الفلسطينية، وإبعاد قيادتها عن بقية الشعب الفلسطيني". 

 

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا