كتاب عربي 21

حزب العمال البريطاني "بيتكلم فلسطيني"!!

1300x600

حالة غير مسبوقة من حضور فلسطين وتأييد حقوق شعبها تلك التي شهدها المؤتمر العام لحزب العمال البريطاني خلال الاسبوع الماضي، سواء كان على صعيد الخطابات، أو الاهتمام، أو القرارات.

على صعيد الاهتمام: حضرت فلسطين بشكل واضح في نقاشات المؤتمر، حيث كانت الموضوع الأول في الشؤون الخارجية، ونالت أهمية رابعة على الأجندة بعد ثلاث قضايا رئيسية تهم المواطن البريطاني، بل إنها حظيت بأهمية تفوق موضوع يشغل كل مواطن وساكن في المملكة المتحدة وهو مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي.

أما من حيث الخطابات، فقد حضرت فلسطين في خطاب زعيم الحزب جيرمي كوربن، المناضل الذي طالما دعم فلسطين، والذي تحدث وكأنه لا يزال نائبا متمردا وليس مرشحا لرئاسة الوزراء بلغة واضحة عن دعم حقوق الفلسطينيين، وأدان جرائم دولة الاحتلال ضد المتظاهرين السلميين في غزة، وأعلن استعداده للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة بمجرد وصوله للسلطة.


بل إن كوربن البريطاني، الذي يمكن أن يصبح رئيسا للوزراء المملكة المتحدة في الانتخابات القادمة، انتبه لأمر تفصيلي في خطابه لم ينتبه له زعيم عربي، وهو إدانة قانون القومية اليهودي الذي سنته دولة الاحتلال، وقننت من خلاله ممارسات الأبارتهايد "التمييز العنصري".

 

اقرأ أيضا: دعم تاريخي بمؤتمر حزب العمال البريطاني لفلسطين.. ما دلالاته؟

 

كان جيرمي كوربن يتحدث عن فلسطين بلكنة فلسطينية كنعانية، لم يتراجع عن مواقفه السابقة تحت ضغط اللوبي الصهيوني الذي هاجمه طوال الشهور الماضية بمزاعم معاداة السامية، تلك التهمة التي رفضها وأدان من يمارسونها بنفس القوة التي أيد فيها فلسطين وحقوق شعبها.

وقد قابل أعضاء المؤتمر حماس زعيم الحزب بحماس وتعاطف مماثل، فما أن ذكر كوربن اسم فلسطين حتى ضج المؤتمر بالتصفيق الطويل، وما أن أعلن عن قراراه بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة حتى وقف الآلاف ورفعوا الأعلام الفلسطينية، وهو العلم الوحيد الذي رفع إضافة للعلم البريطاني في المؤتمر.

ولكن المحامي كولين مونيهين من منطقة "إيست إيندر" كان نجم فلسطين المتوج في المؤتمر بلا شك، فقد تحدث بانفعال وشغف عن دعم توجهات المؤتمر تجاه القضية الفلسطينية، وقد انتزع التصفيق والإعجاب عندما رفض الاستجابة لطلب مديرة المؤتمر منه بالنزول عن المنصة لأن وقته انتهى. رد عليها مونيهين بانفعال: "لا.. لم أنته بعد، فأنا أتحدث نيابة عن الفلسطينيين. وإذا أردتم أن تنزلوني عن المنصة فعليكم إحضار رجال الأمن، بل يجدر بكم إحضار جيش بأكمله، فنحن أهل "إيست إيندر" مثل الفلسطينيين لا يمكن الإطاحة بنا بسهولة". 

 

اقرأ أيضا: بحر من أعلام فلسطين في مؤتمر حزب العمال البريطاني (فيديو)

هل كان من الممكن أن تحصل كل هذه المظاهر الجديدة من التأييد لفلسطين قبل سنة من الآن في أي حزب رئيسي في أوروبا؟ الجواب لا. وهو جواب يحمل في طياته معنى ودلالات هذا التأييد غير المسبوق، والتي يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:

-إن هذه المظاهر الجديدة على المناخ السياسي البريطاني تؤكد أن ما كان يحدث على هامش السياسة البريطانية والغربية قبل سنوات، أصبح الآن في قلب السياسة البريطانية، وذلك بفضل وصول شخصية قوية مؤيدة للعدالة، وملتزمة بالمبادئ مثل جيرمي كوربن. هذا الأمر يمكن أن يحدث في أي دولة أوروبية أخرى، وقد كان يمكن أن يحدث بالفعل في اليونان قبل سنوات، لولا الفشل العربي بالاستفادة من فوز اليسار اليوناني الصديق لفلسطين في الانتخابات العامة، والذي أضطر بسبب الوضع الاقتصادي المنهار بالتوجه لإسرائيل، ولو وجد دعما عربيا لكان جزءا من التيار العالمي الداعم لفلسطين. يأتي هذا أيضا بالتزامن مع ظاهرة مماثلة في أمريكا، تمثلت بوصول بيرني ساندرز إلى قلب السياسة الأمريكية، حيث نافس هيلاري كلينتون عام 2016 على ترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية. هكذا يصبح دعم فلسطين في عمق السياسة الغربية بعد أن كان مجرد حالة احتجاج من سياسيين على الهامش.


-إن حصول فلسطين وقضيتها على كل هذه المظاهر غير المسبوقة من الدعم في المؤتمر رغم الهجمة العارمة ضد كوربن بسبب مزاعم معاداة السامية، يؤكد أن تيارات سياسية رئيسية في الغرب باتت قادرة على مقاومة اللوبي الصهيوني بقوة، وأنها يمكن أن تثبت على رؤيتها التي تجمع بين إدانة "معاداة السامية" والعنصرية وبين إدانة جرائم وانتهاكات دولة الاحتلال وتأييد الحق الفلسطيني.


-تأتي مظاهر التأييد غير المسبوق لفلسطين في مؤتمر حزب العمال البريطاني كجزء من حالة التحول في الرأي العام العالمي تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي، فقد أظهرت استطلاعات رأي عديدة خلال السنوات الماضية، وخصوصا بعد العدوان الحربي على قطاع غزة عام 2008/2009 أن الرأي العام العالمي بات يستمع أكثر للرواية الفلسطينية بعد عقود من تسيّد وتفرد الرواية الصهيونية للصراع، كما أشارت الاستطلاعات أن تأييد فلسطين يزداد في الأجيال الجديدة الصاعدة بينما لا يزال تأييد الاحتلال أكبر في الأجيال القديمة التي لم تستمع سوى للرؤية الصهيونية سابقا.


-تجب الإشارة هنا إلى أن هذا التأييد لفلسطين في الغرب، لم يكن ليتصاعد لولا تزامن وتضافر حالتين: النضال الفلسطيني في الداخل، وعمل منظمات الضغط الغربية والعربية والفلسطينية في أوروبا والولايات المتحدة. لا يمكن أن تحضر فلسطين في أجندة السياسة العالمية دون نضال أبنائها الصامدين في أرضهم، ولا يمكن أيضا أن تحضر بدون عمل مؤسسات الضغط المؤيدة لها، ولنا أن نتخيل هنا حجم السوء الذي يسببه انشغال القيادات الفلسطينية عن النضال الشعبي ضد الاحتلال بقضايا هامشية، ولنا أيضا أن نتخيل من جهة أخرى كيف كان يمكن أن تتصاعد حالة التأييد لفلسطين لو ساهمت الدول العربية القادرة ماليا ودبلوماسيا في دعم ودفع جهود مؤسسات الضغط المؤيدة لفلسطين!

 

اقرأ أيضا: كاتب بريطاني: هذه الآثار العكسية لهجمات اللوبي ضد كوربين

وختاما، فقد يتساءل البعض: وهل سيحرر حزب العمال أو ساندرز أو غيرهما فلسطين؟ وماذا سيؤثر هذا التأييد فعلا وعلى أرض الواقع على الصراع؟ الإجابة هنا ليست مباشرة ولا سهلة، بل هي قضية مركبة ومعقدة، ولكننا نقول بكلمة: إن الصراع مع الاحتلال هو صراع طويل، وهو صراع سينتهي ويحسم يوما ما "بالنقاط" وليس فقط "بالضربة القاضية"، وإن ما يحدث اليوم بفضل النضال الفلسطيني وجهود المؤسسات الداعمة له في الغرب هو أن فلسطين ومؤيديها يسجلون يوميا نقاطا جديدة في هذا الصراع، ويوما ما لا بد أن يبنى على هذه النقاط لتحقيق انتصارات حقيقية في هذا الصراع الطويل!