قضايا وآراء

الأساطير القانونية والسياسية حول "أوسلو" بذكراه الخامسة والعشرين

1300x600
في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، وقع ياسر عرفات وإسحاق رابين إعلان مبادئ في البيت الأبيض، سمي بإعلان أوسلو، حيث رتبت النرويج للمفاوضات، ولكن التوقيع تم في البيت الأبيض، ووقع عليه شهود كل من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، والرئيس حسني مبارك، وملك الأردن الملك حسين، وتحل هذا العام الذكرى الخامسة والعشرين لهذه المناسبة.

وقد أثار إعلان أوسلو الكثير من الشقاق والجدل بين فتح التي تفخر بأنها توصلت إلى هذا الاتفاق وبين حماس التي لا تعترف بجدوى المفاوضات وتؤمن بالمقاومة، وهذا وضع أدى إلى الشقاق بينهما.

الخط الأساسي لإسرائيل هو أن المشروع الصهيوني يستهدف كل فلسطين، ولكن على مراحل، ولذلك قام الموقف الفلسطيني والعربي عموما، من الصراع أو السلام مع إسرائيل مع تباين المفاهيم في حالتي الصراع والسلام، على أوهام شملت تاريخ القضية بل التاريخ العربي كله.

وفي الذكرى الخامسة والعشرين لإعلان المبادئ، يمكن بيان الأساطير القانونية والسياسية التي أحاطت بهذا الإعلان:

الأسطورة الأولى هي أن الإعلان، وهو أول اتفاق بين منظمة التحرير وإسرائيل، دليل على اعتراف إسرائيل بالفلسطينيين. والصحيح هو أن إسرائيل اعترفت فقط بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني أو وكيل عن الشعب؛ الذي لم تعترف به وتعتبره محتلا لأراضي اليهود التي تقول إسرائيل إنها تستردها. هذا الاعتراف هو تأكيد لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974، وكان يقصد به كف يد الأردن عن القدس والضفة. وهذا الاعتراف جنت إسرائيل منه ثلاث جوائز: الأولى أنها حصلت على اعتراف المنظمة بإسرائيل دون شروط، والثانية أنها تهربت من الاعتراف بحق تقرير المصير للفلسطينيين، والثالثة أنها أبعدت الأردن من المعادلة، ولذلك سعت إسرائيل إلى إضعاف منظمة التحرير، وتوازى ذلك مع ظهور السلطة التي حلت محل المنظمة.

الأسطورة الثانية هي أن إعلان أوسلو خطوة في سبيل التزام إسرائيل بالتسوية السياسية، وأنه إعلان مبادئ وتجري على أساسه المفاوضات، والصحيح أن الإعلان كان أهم محطات المشروع الصهيوني (كما قال رابين وبيريز في مذكراتهما عن الاتفاق). واتساقا مع هذه الأسطورة، اعتبر عرفات أن الإعلان هو مكافأة الانتفاضة الأولى عام 1978 التي كادت تتبخر، وأنه صار للفلسطينيين كيان ووفد مستقل في مفاوضات مدريد 1991 وأوسلو، وليس ضمن الوفد الأردني. ثم إن عرفات جاء إلى الضفة من المنفي فصار في المنطقة وكأنه يقول خذ وطالب، ولكن إسرائيل اتخذت عرفات رهينة حتى قضت عليه.

الأسطورة الثالثة هي أن اتفاق أوسلو هو أساس قيام السلطة، والصحيح أن الاتفاق قد أسس للسلطة وأصبح وجودها ضروريا تجاوز الاتفاق. فالسلطة الفلسطينية هي إدارة منتخبة ضرورية للأراضي الفلسطينية. فإذا كان الاتفاق هو الذي فتح الباب لتشكيل السلطة، إلا أننا نرى أن السلطة انفصلت عن الاتفاق، وأنه تم بين إسرائيل ومنظمة التحرير والمنظمة هي التي تتفاوض مع إسرائيل. ولا يرتبط مصير الاتفاق بمصير السلطة، فالسلطة مستمرة، وهي كيان إداري فلسطيني، وليست موضع مساومة بين إسرائيل والسلطة التي تنفرد منظمة التحرير بتقرير مصيرها.

الأسطورة الرابعة هي أن الاتفاق إداري، بينما المعاهدة مفهوم سياسي، وهذا تخليط لأن الاتفاق وما يشبهه هو معاهدة بين أشخاص القانون الدولي، والمنظمة كانت تتمتع بوضع قانوني متميز، ومن حقها إبرام المعاهدة والاتفاقات وما شابها، ولذلك فإن النعي على أن أوسلو بأنه اتفاق وليس معاهدة غير صحيح، وتكفي مراجعة المادة الأولى من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لتصحيح هذا الفهم.

الأسطورة الخامسة أن أوسلو انقضت بانقضاء مرحلة المفاوضات النهائية، وهي المرحلة الانتقالية من 1994 حتى 1999، أي أن تدور المفاوضات على أساس إعلان أوسلو حول خمسة موضوعات، من بينها القدس، أي أن أوسلو تفترض حل الدولتين، والصحيح أن أوسلو انتهت عمليا بتخلي إسرائيل عن حل الدولتين بقانون الدولة اليهودية عام 2018، وكذلك باعتراف واشنطن راعية أوسلو بأن القدس كلها عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها.

والحق أن أوسلو انتهت منذ خطاب الضمانات الأمريكي الذي سلمه بوش إلى شارون يوم 14 نيسان/ أبريل 2004 في آخر زيارة لشارون إلى واشنطن، وهذا الخطاب هو تكريس لموقف الكونجرس (1995 و2002) من القدس، وأسس للتعامل مع القضية، حيث اعترف بأن ما تقرره إسرائيل هو التسوية، فقلب الموقف الأمريكي رأسا على عقب. ولذلك، فإن قرار الجانب الفلسطيني بالترويج لإلغاء أوسلو لا يقوم على أساس قانوني، خاصة بعد أن اعتبرت إسرائيل أن مجرد إجراء المفاوضات مع عباس يجب أن يقابله تنازلات فلسطينية.

الأسطورة السادسة أن إسرائيل ملتزمة بأوسلو، والصحيح أن إسرائيل لم تذكر اتفاق أوسلو منذ إبرامه في أي سياق، وسلوكها يناقض أوسلو في الواقع، وأنها أبرمتها لكي تخفي مشروعها الحقيقي، وتكون محطة مدروسة لمشروعها بعد أن ضيقت الخناق على عرفات. ثم إن الجانب الفلسطيني ترجم اتفاق أوسلو إلى العربية بشكل لا يطابق النصين العبري والإنجليزي لكي يسوقه داخليا وعربيا (كتابنا الإطار القانوني لإعلان المبادئ في أوسلو - الأهرام الاقتصادي - مطلع كانون الأول/ ديسمبر 1993).

الأسطورة السابعة أن اتفاق أوسلو يجب إلغاؤه من جانب السلطة حتى تتم المصالحة مع حماس. والصحيح أن التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل ضد المقاومة الحالي ليس أساسه أوسلو، وإنما شعور السلطة بأن عدوها الحقيقي هو حماس وليس إسرائيل، وإلا لماذا يفرض عباس عقوبات على غزة ولم يطالب يوما برفع الحظر عن غزة مع مصر وإسرائيل؟ كان يقصد بالتنسيق الأمني في أوسلو بين إسرائيل والسلطة هو التركيز على إبعاد المقاومة من المسار السلمي، وصارت السلطة تحل محل إسرائيل في قمع المقاومة، وبذلك تحقق هدفين: الأول القرب من إسرائيل تحت ستار الالتزام بأوسلو، والثاني إضعاف حماس والمقاومة مما يقلل من شعبيتها في الانتخابات.

الأسطورة الثامنة أن أوسلو تمنع إحياء منظمة التحرير. الصحيح أن المفاوضات مع إسرائيل خاصة الوضع النهائي يجب أن تقوم بها المنظمة وليس السلطة، ولكن إحياء المنظمة يُدخل فيها الفصائل، مما ينزع سلطة اتخاذ القرار من رئيس السلطة، رغم أنه هو في نفس الوقت رئيس للمنظمة.

الأسطورة التاسعة هي أن اعتراف المنظمة بإسرائيل لا يمكن الرجوع فيه، والصحيح أن هذا الاعتراف كان هدفه إظهار حسن النية في التسوية من الجانب الفلسطيني، وعربونا لتشجيع إسرائيل على المضي في طريق التسوية، ولذلك يسقط هذا الاعتراف بمجرد تخلى إسرائيل عن التسوية. فهل سقوط الاعتراف يكفي أم لا بد من سحبه؟

لا فرق بين السقوط والسحب سوى أن سحب الاعتراف عمل سياسي ونفسي وإعلامي، بل إن إسرائيل تسعى لإرغام عباس على الاعتراف بالدولة اليهودية، وهذا مستوى مختلف عن الاعتراف السابق بإسرائيل.

الأسطورة العاشرة هي أوسلو والدولة الفلسطينية. كان الاندفاع الفلسطيني نحو الأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العناصر ردا على تقاعس إسرائيل عن المضي في مسار أوسلو؛ الذي كان يفترض أن يؤدي إلى إعلان الدولة بالاتفاق الناجم عن المفاوضات. ولكن الجمعية العامة اعترفت مرتين بفلسطين كدولة دون أن تحدد حدودها، مثل إسرائيل. هل تصلح حدود قرار التقسيم أم الحدود المتفق عليها بالمفاوضات؟ لا تعترف إسرائيل بأي منهما لأنها تطمع في كل فلسطين.

الأسطورة الحادية عشرة هي أن الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل تحصيل حاصل. والصحيح أن الاعتراف استغلته إسرائيل، وكان أكبر أخطاء الجانب الفلسطيني، وهي خطوة ترتبت على كامب ديفيد التي أطلقت فيها يد إسرائيل والاعتراف المرتبط بأوسلو كان وظيفيا محفزا ولا يجوز فصله عن سياقه. ومعلوم أن مسألة الاعتراف بالغة الحساسية لإسرائيل، وكان يفترض أن يبرم اتفاقا يحدد الوضع النهائي بالمفاوضات ويتبعه الاعتراف النهائي بإسرائيل، ولكن إسرائيل كانت تضمر عكس ذلك تماما.