قضايا وآراء

العراق والعودة للمربع الأول!

1300x600
في الأول من أيلول/ سبتمبر المقبل، الذي يوافق يوم غد السبت، تنتهي المدة "القانونية" التي حددتها مفوضية الانتخابات العراقية "المُجَمَّدة" للقوى السياسية لتسجيل التحالفات في دائرة الأحزاب، ولحسم قضية "الكتلة الأكبر".

موعد المفوضية ينتهي قبل يومين فقط من جلسة افتتاح الدورة الرابعة للبرلمان في الثالث من أيلول/ سبتمبر المقبل، بحسب بيان لرئاسة الجمهورية في العراق، وبخلاف ذلك ستكون كتلة "سائرون" المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، هي الكتلة الأكثـر عدداً بـ54 مقعداً.

قرار مفوضية الانتخابات "المُجَمَّدة" غير ملزم؛ لأنها ما زالت "معزولة"، بموجب قرار البرلمان السابق، وعليه لا يحق لها العودة لممارسة عملها؛ لأن التحقيقات المتعلقة بالانتخابات لم تُحسم بعد على الرغم من حسم النتائج البرلمانية. وفي المقابل، لا يحق للحكومة أن تعترض على المفوضية التي عادت لممارسة عملها دون إذن قانوني؛ لأنها حكومة تسيير أعمال يومية، وهنا يفترض بالمحكمة الاتحادية أن تحسم الخلاف وتمنع المفوضية من التدخل، وذلك بحسب المادة 93 من الدستور، التي أشارت إلى اختصاص المحكمة الاتحادية العليا "بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة"، لكن المحكمة الاتحادية لم تفعل لأنها غير مستقلة!

وبهذا يتضح أن كلا الطرفين (الحكومة والمفوضية) خالفا الدستور والقوانين النافذة. وحقيقة، ما يجري بين كافة السياسيين يقع في خانة تصفية الحسابات المستمرة لحين إعلان الكتلة الأكبر.

التصفيات بين السياسيين العراقيين استخدمت فيها كافة طرق الضغط "القانونية، والتنفيذية، والشعبية"، ولهذا من المفترض أن تكون هنالك (اليوم الجمعة) مظاهرة "مليونية" لأتباع التيار الصدري دعا لها زعيم التيار مقتدى الصدر لمحاربة الفاسدين، وأظن أنها ليست لضرب الفاسدين، وإنما لممارسة ضغوط سياسية عبر الجماهير التابعة للصدر.

قراءة المشهد السياسي الحالي يمكن أن تُظهر بعض "المؤشرات" الخطيرة، ومنها:

- المنافسات السياسية بين الكتل والشخصيات الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة أعادت العراق لمربع عام 2004 (انطلاقة مجلس الحكم)، مربع التخندقات الطائفية والقومية والمذهبية، وهذا مؤشر مزعج، ويؤكد أن غالبية هؤلاء الساسة مستعدون لنحر العراق من الوريد إلى الوريد من اجل المناصب، ومكاسب أحزابهم الطائفية!

- انكشاف زيف الادعاء الأمريكي بتقليص الدور الإيراني في العراق؛ فما زالت إيران اللاعب الأبرز والقادر على توجيه الأوامر، وليس التلميح (بالعمل) للأطراف الفاعلة في المشهد السياسي العراقي.

- سيادة العراق باتت من أبرز الخُدَع، ولم تعد هنالك أيّ سيادة حقيقية، فهنالك الآن عشرات الدول، التي تمتلك قوات عسكرية في غالبية المدن بحجة أنهم من المستشارين، فضلاً عن التدخل الأمريكي والإيراني العلني. ومع كل هذه التدخلات الصريحة ما زالت حكومة بغداد تؤكد أنها تمتلك القرار السيادي، وهذا الكلام الحكومي يثبت إما عدم نضوج في رؤية الحكومة للواقع، أو أنهم لا يحترمون الجماهير حينما يوجهون الخطاب لهم!

- نمو وتَغَوَّل ظاهرة المليشيات في الساحة السياسية العراقية، فبعد أن كان أثرها مُنحصراً في الجوانب العسكرية نجدها اليوم متقدمة جداً في المشهد السياسي الداخلي والخارجي، وهذا يؤكد أن دولة العراق خلال السنوات الأربع القادمة ستكون دولة الميليشيات؛ لا وجود فيها لدستور، أو تفاهمات سياسية قائمة على مصلحة الوطن!

الماراثون السياسي الآن على أشده لتشكيل الكتلة الأكبر، والسباق المحموم قائم بين فريقين لا ثالث لهما: الأول، فريق نوري المالكي، ومعه هادي العامري، والثاني، هو فريق مقتدى الصدر، ومعه حيدر العبادي ومن تحالف معهما. وأتصور أن فريق المالكي هو الأقرب لتشكيل الكتلة الأكبر (رغم الاعتراض الأمريكي)، وهو الفريق الأقرب لإيران، وهذه المناحرات بدورها ستجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الأمريكية - الإيرانية.

الربكة السياسية في الساحة العراقية ستدفع الولايات المتحدة (بعد أن وجدت نفسها أمام حلفاء أداروا ظهرهم لها) "لإعلان حكومة طوارئ في العراق"، بحسب النائب عن ائتلاف دولة القانون منصور البعيجي، وبذلك ستعود البلاد إلى المربع الأول، مربع الخراب السياسي والأمني والاقتصادي المستمر منذ العام 2003 وحتى الساعة!

وكأنك يا "بو زيد ما غزيت"!