مقالات مختارة

الحراك الشعبي لإحباط صفقة القرن

1300x600

ربما يشهد لقاء القمة بين الرئيسين الروسي والأمريكي، الذي سيعقد بعد أسبوعين، توافقا حول الملف السوري، يضمن إقرارا أمريكيا، أو عدم إصرار، كما كانت الحال في السابق، على خروج بشار الأسد من الحكم، ليتم وضع حد للصراع داخل سوريا، لكن واشنطن ستصر على خروج إيران بالكامل من البلد العربي، (إيران فقط وليس كل القوات الأجنبية التي لا توافق على وجودها الدولة السورية المستقلة)، وهذا بالأساس مطلب إسرائيلي، يكشف من زاوية ما، مدى التوافق في مجمل السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب، خاصة في الشرق الأوسط، مع المطالب الإسرائيلية.


أيا يكن الأمر، فإن الحقيقة التي لا جدال فيها، هي أن روسيا منذ أن تدخلت عسكريا في سوريا، وهي تحقق المكاسب السياسية في ذلك الملف على حساب أمريكا، التي كانت قد تبنت جوهر الملف المتمثل بإسقاط نظام الأسد، ودعم فصائل وجماعات المعارضة العسكرية والسياسية، بما يدفع شيئا فشيئا إلى أن تعود روسيا مجددا لاحتلال مكانة الند الكوني للولايات المتحدة، كما كانت حال سلفها الاتحاد السوفياتي، أو على الأقل أحد أهم الأنداد الكونيين، إلى جانب مجموعات أو كتل دولية أو دول أخرى.


المهم أن واشنطن التي يتراجع نفوذها وحضورها وتتراجع قوتها في أكثر من ملف دولي، وحتى شرق أوسطي، تجد في الملف الفلسطيني، حيث تتحفز إسرائيل للهجوم، وحيث العرب قد انفضوا من حوله، أو أنهم لم يعد لهم موقف موحد، كما لم تعد لهم قوة تذكر، خاصة بالمعنى الإقليمي، وكذلك الموقف الفلسطيني المنقسم منذ سنوات، ضالتها في تحقيق المكاسب السياسية التي تعوض إخفاقاتها العديدة في أكثر من مكان.


ورغم أن واشنطن في البداية أوحت بأن ما تسميه بصفقة القرن، ذات إطار إقليمي أمني، لتداعب مخيلة عرب الخليج الذي يبحثون عن حامٍ لهم ولعروشهم مما يعتقدونه من خطر إيراني، ويظنون أنهم سيجدونه في الثنائي، أمريكا/إسرائيل، إلا أنه كلما تقدم الوقت، تبين أن جوهر الصفقة ما هو إلا شطب للقضية الفلسطينية ومحاولة تظهير الاحتلال الإسرائيلي للقدس والضفة الغربية وقطاع غزة، المستمر منذ الخامس من حزيران من العام 1967.


إدارة ترامب التي قطعت علاقتها مع إرث الإدارات السابقة فيما يخص ثوابت السياسية الأمريكية تجاه ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، لا ترى ولا تفكر في إعادة التفاوض أصلا، وفي أن يكون التوصل للحل شأن خاص بطرفي الصراع، بل ترى أنه حق لها تفرضه حين تعرضه على جميع الأطراف، وبالطبع هنا لا يمكن لها أن تقنع أحدا بأن الجانب الإسرائيلي لم يكن على دراية أو إحاطة بإعداد الخطة، فضلا عن أن جوهر الخطة وإطارها وتفاصيلها تستجيب تماما وكليا لما يريده ويحقق له مطالبه، بل أكثر بكثير مما كان يتوقع من قبل، خاصة أن إدارة ترامب قدّمت له "القدس وهي درة تاج فلسطين" على طبق من ذهب، قبل حتى أن تطرح الخطة وتشترط على إسرائيل - مثلا - الموافقة عليها، لتوافق هي بدورها على نقل السفارة للقدس، أو أن تجعل ملف القدس جزءا من الخطة ذاتها.


هذا يحيلنا في حقيقة الأمر إلى سمة أخرى للخطة، وهي أنها ليست مطروحة للنقاش، بل للتنفيذ، أي إنها مفروضة من البيت الأبيض على الأطراف، وبالطبع خاصة الطرف الفلسطيني الذي جاءت الصفقة على حساب حقوقه الوطنية الثابتة.


هنا ومن أجل التنفيذ، فإن واضع الصفقة وصاحبها بحاجة دون شك لوكلاء محليين و/أو إقليميين من أجل تنفيذها، وهنا بالضبط  يكمن موقع أو مربط فرس مقاومة الخطة ميدانيا، فلا تكفي مقاومتها سياسيا، لأنها ليست خطة للتفاوض، بحيث إن الرفض السياسي يكفي لعدم انخراط المفاوض في حواراتها أو لقاءاتها، لذا فقد فكر واضعها بأنه يمكنه حتى أن يتجاوز الجانب الرسمي الفلسطيني، بالبحث عن "شركاء ميدانيين" للمساعدة أو المساهمة في التنفيذ.


التسريبات الإعلامية تشير إلى أن هناك محاولة أمريكية لعقد صفقة مع الروس، من خلال مقايضة الموقف في الملف السوري بالملف الفلسطيني، ومضمونها أن تسحب واشنطن اعتراضها على بقاء الأسد في الحكم، مع خروج كل قواتها من سوريا، مقابل موافقة الروس على صفقة القرن.


وهناك أيضا أخبار تشير إلى أن واشنطن، التي اكتشفت صعوبة أن تجد وكلاء تنفيذيين إقليميين بعد جولة جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات لكل من: الأردن، ومصر، والسعودية، رغم أنها لا تسمع قولا عربيا صريحا يرفض الصفقة، لكن بالمقابل فإن العرب غير قادرين على تعويض غياب الجانب الرسمي الفلسطيني، تشير الأخبار إلى أن واشنطن تفكر بالاستعانة بأوروبا وبالتحديد بريطانيا، ليتم تسويق الصفقة باسمها، لتجاوز الموقف الفلسطيني الرافض للتعاطي مع الصفقة الأمريكية.


لابد من أجل مواجهة الصفقة وإجهاضها، أن تتم الدعوة فورا لاجتماع عربي يضم الدول العربية المعنية وهي: السعودية، والأردن، ومصر ودولة فلسطين، من أجل إعلان موقف رسمي جماعي تجاهها يغلق الباب أمام دخول واشنطن من بين الشقوق والتعامل مع الدول العربية فرادى، كذلك لا بد من إنهاء الانقسام فورا، وحلّ معضلة الملف الأمني، بتشكيل مرجعية وطنية عليا من "حماس" و"فتح" والفصائل، وربما م ت ف وليس الحكومة وداخليتها لتولي مسؤولية الأمن في غزة، كذلك إطلاق ودعم الحراك الشعبي المقاوم للصفقة، استكمالا لمسيرة العودة، وللحراك ضد نقل السفارة، وهكذا يمكن الاطمئنان إلى أن مواجهة الصفقة، لا تتم بتسجيل وإعلان الموقف السياسي، فقط.

 

الأيام الفلسطينية