كتاب عربي 21

العشب الأخضر والنصر الإلهي المقدس

1300x600

لا غبار يعلو فوق غبار المعركة ولا صوت يعلو فوق قعقعة السيوف وصهيل الخيول في أمّ المعارك التي تخوضها الأمة على المعشّب الأخضر وأنظار الملايين مشدودة إلى قطعة الجلد المدور.


المعركة حاسمة فإما أن نكون أو لا نكون. كيف لا وقلوب الجماهير العربية التي ترفل في النعيم تحترق شوقا لنصر "إلهي" يتوّج ما حققته أنظمتها الوطنية جدا من فتوحات عظيمة في مجالات العلم والتكنولوجيا والصحة والتعليم والتربية وتحقيق الأمن الغذائي والمائي واستكملت في ظرف وجيز كل شروط السيادة على الأرض وهي تستعدّ لتحقيق المرحلة الأخيرة من برنامج غزو المجرّة ومشروع الفتوحات الكونية. الأمة اليوم في أوج انتصاراتها ولا ينقصها طبعا غير أن يندهش "العالم الغربي الكافر" بالمهارات الفردية لفرق كرة القدم بعد أن استكملت كل مهاراتها الجماعية دفعة واحدة. 


ها هي القدس قد عادت إلينا بعد أن حررها تحالف الجيوش العربية من رجس صهيون وخرج حكامها صاغرين يطلبون البقاء تحت الحكم العربي. وها هي جيوشنا تصدّ قوارب المهاجرين الأوروبيين الحالمين بالشمس والبحر والخيرات بعد أن حوّلت أنظمتهم المتخلفة أوطانهم إلى جحيم البطالة والقمع والاستبداد وهم يموتون غرقا بالمئات في عرض البحر. ها هي العدالة العربية تشرق من جديد على الأرض بعد أن أعاد الفراعنة بناء الهرم الخامس وتحول النيل مصدر حياة لكل القارة الإفريقية وهو يطعم اليوم ويسقي كل بيت عربي وإفريقي.  ففي الوقت الذي يرفل فيه المواطن المصري في حلل النعيم والرخاء يفتك الاستبداد في دول الغرب بالمواطن المسحوق حيث أصدر القضاء السويسري حكما بإعدام أكثر من ثلاثين متهما من "تنظيم الإخوان السويسري" في نفس زمن مباراة فريقهم. 


لقد حققت المنظومة الديمقراطية العربية أعظم إنجازاتها الحضارية وصارت مضربا للمثل في مشارق الأرض ومغاربها بعد أن حوّلت الصحراء العربية الفقيرة إلى مدن تكنولوجية حديثة وقضت على البطالة في ظرف وجيز في حين عجزت الدول الغربية الأخرى عن تحقيق ذلك رغم كل ثرواتها النفطية والغازية والبشرية الهائلة. لا ينكر إلا جاحد أو حاقد خائن لوطنه أو مرتزق عميل لا يملك ذرة من الوطنية والانتماء ما أنجزته الدول العربية لشعوبها على مدار العقود الفارطة بعد أن اختفى الجوع والمرض والفقر والجهل وتم القضاء على كل الأمراض والأوبئة وصار لزاما علينا أن نفتخر اليوم بمنتخباتنا "القومية" أو الوطنية التي ستشرفنا في المحافل الدولية. لقد اختفت الجريمة واختفت كل مظاهر القمع كما يحدث في كل الدول العربية حتى تحولت السجون وزنازين التعذيب إلى متاحف ومسارح ومسابح وطنية.


لِم لا نحتفل وقد نجحنا في أن نتحول إلى قوة علمية وعسكرية وتقنية ضاربة واحتفلتْ باختراعاتنا الحديثة كل أمم الأرض بعد أن كان أجدادنا يسبحون في التخلف والتناحر والتقاتل والجهل وآخرها الحرب العالمية الثانية التي كادت أن تأتي على الأخضر واليابس. اليوم أتممنا لكم نهضتكم ولم يبق لكم والله إلا كرة القدم حيث تتنافس الأمم على القدرة البدنية وعلى حرب المواقع التكتيكية والتحكم في المسافات والتوزيع. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.


لا ينكر فتوحاتنا العلمية والحضارية اليوم إلا جاحد أو حاسد أو خائن.

 

ما أجمل الحلم وما أبشع الحقيقة. 

 

الكارثة ليست في بشاعة الحقيقة ومرارة الواقع بل كل البشاعة في من ينكر بشاعة الواقع ومرارة الحقيقة فيزيف وعي الفرد والمجموعة ويمنع خروجها من حالة الإدمان القاتل. أن ينكرها فرد عادي محدود الوعي أو شاب لا يزال في مقتبل العمر فالأمر منتظر بل عادي جدا لكن أن ينكرها مثقف أو زعيم سياسي موكّل بمصير البلد فتلك لعمري أم المصائب وأخطر الجرائم وأبشعها.

 

لمْ نطالب نخب العار العربية بالتقدم إلى الخطوط الأمامية أو الخوض في القضايا الحارقة التي تستنزف الطاقة الأعز على الأمة الجريحة في كل الثغور بل طالبناهم على الأقل بالصمت والترفع عن تزييف الواقع والمشاركة في الجريمة النكراء جريمة التزييف والإيهام التي حبكت حبائلها الأولى أنظمة القمع والاستبداد والتخلف والتجهيل. 

 

لقد تحول الترفيه بكل أنواعه من فن وثقافة ورياضة إلى يد ضاربة توجهها الأنظمة العربية لمآربها السياسية وعلى رأسها تأبيد الاستبداد وصنع الانتصارات الوهمية التي تصرف عليها مليارات الدولارات من عرق الفقراء ومن مستقبل أبنائهم. فلا رياضة ولا فن ولا ثقافة إلا ما صبّ في صالح السلطان والحاكم بأمره لا بأمر شعبه. كيف تعمى النخب عما آل إليه توظيف الرياضة في تخدير الشعوب وفي امتصاص غضبهم وفي إيهامها بالنصر المزيف وبالفوز الكاذب؟ 

 

الرياضة استكمال لشروط نهضة الأمم وفن نبيل لا يستقيم ولا ينمو ولا يحقق نصرا في مزارع الموت والاستبداد. الرياضة انضباط وصرامة وحزم وبأس شديد مع النفس قبل أن يكون مع الآخر وهو شرط يستحيل تحقيقه في مناخ الفساد وهدر المال العام والمحسوبية. الرياضة نبلٌ وتحدّ وعزم وإصرار وجهاد مع البدن لا يمكن أن يُنجز في المياه الآسنة والمستنقعات المتعفنة التي تسبح فوقها بلادنا وأمتنا. 

 

الاستبداد والنصر خطان لا يلتقيان أبدا لأن الأول صُنع لمنع الثاني ولأن الثاني لا يتحقق إلا بإلغاء الأول وهزيمته.