قضايا وآراء

المشهد الانتخابي الرئاسي في تركيا

1300x600
اتضحت صورة المشهد الانتخابي الرئاسي في تركيا مع إعلان اللجنة العليا للانتخابات في 13 أيار/ مايو عن القائمة النهائية للمرشحين، وعزوف الرئيس السابق عبد الله غول عن الترشح مع تسمية الرئيس رجب طيب أردوغان كمرشح عن حزبي العدالة والحركة القومية، بينما لم تتفق المعارضة على مرشح واحد بعد فشل التوافق على غول، فبادرت أحزابها الرئيسية إلى تقديم مرشحين عنها، وبتنا أمام ثلاثة مرشحين للمعارضة، وحتى أربعة، مع ترشيح حزب الشعوب لرئيسه السابق صلاح ديمرطاش، المعتقل على ذمة قضايا تتعلق بالعلاقة بتنظيمات إرهابية وتهديد وحدة البلاد وأمنها القومي.

رئيس الوزراء بن علي يلدريم وزعيم حزب الحركة القومية دولت بهشتلي؛ قدما رسمياً (4 أيار/ مايو) أوراق ترشيح الرئيس أردوغان كمرشح عن تحالف الشعب الجامع بينهما، إضافة إلى حزب الاتحاد الكبير.

قاعدة التحالف بين الحزبين الرئيسين هي قومية يمينية، أو بالأحرى بين الوسط واليمين، وثمة توافق كبير بينهما في السنوات الأخيرة منذ ما بعد الانقلاب، تحديداً على الخطوط العامة للسياسة الداخلية الخارجية. في الداخل ثمة تأييد كبير من قبل حزب الحركة القومية للسياسات الحكومية لمواجهة الانقلابيين، وهو أيّد حالة إعلان الطوارئ وتمديدها كلما كان ذلك ضرورياً، مع الحفاظ على الحريات السياسية الاقتصادية الاجتماعية لكافة فئات وشرائح المجتمع. أما في الخارج، ومنذ سنوات طويلة، دعم الحزب القومي في البرلمان اقتراح الحكومة تنفيذ عمليات عابرة للحدود دفاعاً عن الأمن والمصالح القومية، كما أيّد العمليات العسكرية في سوريا ضد الإرهابيين على اختلاف مسمياتهم. ورغم تحفظه على بعض السياسات والتوجهات، إلا أنه يدعم بشكل عام السياسة الخارجية المتوازنة بين الشرق والغرب؛ المستندة أساساً إلى المصالح القومية، كما ضرورات الجغرافيا السياسية للبلاد.

مع كتلة تصويتية للعدالة والتنمية تتراوح حول الـ45 في المئة، وكتلة تصويتية للحركة القومية بحدود 7 إلى 8 في المئة، و2 إلى 3 في المئة لحزب الاتحاد، وتوقع الحصول كما العادة على نسبة لا بأس بها من الأصوات الكردية في إسطنبول. كما بمناطق الجنوب الشرقي تتحدث الاستطلاعات عن احتمالات جدية لحسم الرئيس أردوغان للاقتراع من الجولة الأولى بنسبة تقارب الـ55 في المئة مع صعود أو هبوط طفيف.

المفاجأة ستحدث في حال وصول الرئيس إلى حاجز الستين في المئة، أو نزوله إلى حاجز الخمسين في المئة ما يعني في الحالة الأولى حصوله على أصوات من الكتلة التصويتية للمعارضة. أما في الحالة الثانية، فتعني تسرّب أصوات إسلامية أو قومية وسطية إلى مرشحي المعارضة، وتحديداً الإسلامي والقومي منهم.

أما المعارضة ومع عجزها عن التوافق على مرشح واحد، ومع الفشل في إقناع الرئيس السابق عبد الله غول بالمنافسة، كمرشح توافقي لها، فقد بادرت أحزابها الرئيسية إلى إنزال عدة مرشحين عنها، حيث رشح حزب السعادة الإسلامي زعيمة تمل كاراموللا أوغلو، بينما رشّح حزب الخير زعيمته ميرال أكشينر، ورشّح حزب الشعب نائبه عن يالاوا محرم إنجه، كما رشّح حزب الشعوب زعيمه المعتقل صلاح الدين ديمرطاش، ولكنه لن يكون مرشحا جدّيا، وبدا الترشيح نفسه إعلاميا معنويا، ليس إلا علماً أنه قد يؤثر سلباً على المعركة الانتخابية، وربما يشتت حتى أصوات المعارضة.

حزب الشعب رشّح نائبه والقيادي البارز فيه وأحد صقور الحزب، محرم إنجه. ورغم فشله في انتخابات رئاسة الحزب أكثر من مرة، إلا أنه تم اختياره كمرشح في الانتخابات الرئاسية، وهو قادر حتماً على رصّ قواعد الحزب حوله ومنع تسرب أصوات منه للمنافسين. ولكن سيكون من الصعوبة بمكان نيل أصوات من البيئة القومية، أو الإسلامية للتحالف الداعم للرئيس أردوغان وفي أحسن الأحوال قد يحصل إنجه على نسبة الـ25 المئة، وهي النسبة التي يتمتع بها الحزب منذ فترة في الشارع التركي، واتضحت، بل تأكدت تماماً في الانتخابات النيابية الأخيرة التي أجريت مرتين (في حزيران/ يونيو وتشرين الثاني/ نوفمبر في العام 2015 )، كما في الاستفتاء الدستوري الأخير العام الماضي.

حزب الخير المنشق عن حزب الحركة القومية رشّح زعيمته ميرال أكشينر، وهي وزيرة سابقة للداخلية، كما كانت واحدة من مؤسسي حزب العدالة والتنمية قبل انضمامها للحزب القومي، ثم انشقاقها عنه العام الماضي وتشكيلها للحزب الجديد. وبمجرد الإعلان عن الانتخابات المبكرة، أعارها حزب الشعب اليساري 15 نائباً لتكوين كتلة من 20 نائباً لتتمكن من الترشح حسب القانون. ولكنها كسياسية مخضرمة، وكي لا تبقى تحت رحمة الحزب اليسار، حصلت كذلك على 100 ألف توقيع اللازمة قانونياً للترشح في حالة الافتقاد للكتلة النيابية. والاستطلاعات تعطيها في حدود 15 في المئة، صعوداً أو هبوطاً، والأمر منوط طبعاً بقدرتها على جرف أصوات من حزبها الأمّ (الحركة القومية)، كما من المصوّتين اليمينيين أو الوسطيين الذين يصوّتون في العادة لحزب العدالة والرئيس أردوغان.

حزب السعادة الإسلامي رشّح زعيمه تمل كاراموللا أوغلو، رغم أنه سعى جاهداً لترشيح الرئيس السابق عبد الله غول كمرشح توافقي للمعارضة كلها، وشعبيته تراوح حول الـ3 في المئة، ولكنه سيسعى جاهداً لنيل جزء من الشريحة الإسلامية المحافظة التي تصوّت عادة للرئيس أردوغان وحزب العدالة، مع أن هذا قد يكون مستبعداً في ظل تحالفه مع حزب الشعب العلماني اليساري، إلا أنه سيمثل الهدف الأهم للحزب في الانتخابات الرئاسية.


المرشح الرئاسي السابق والرئيس السابق لحزب الشعوب صلاح الدين ديمرطاش؛ قدم ترشيحه من الناحية المعنوية الإعلامية، وبالتاكيد السياسية. وشعبيته تراجعت، كما شعبية الحزب نفسه، لعدم تمايزه عن حزب العمال الكردستاني بجناحيه التركي والسوري، ومن الصعب تصور حدوثه حتى على العشرة في المئة (الكتلة التصويتية للحزب)، وربما حتى أقل من ذلك.

الجمهور أو الكتلة التصويتية الكردية تبدو مشتتة، ومنقسمة هي الأخرى، ولا شك أن شريحة معتبرة منها ستصوّت لصالح حزب الشعوب رئاسياً وبرلمانباً، غير أن ثمة شريحة معتبرة أيضاً ناقمة على الحزب وسياساته وتفريطه بالثقة التي تم منحه إياها في الانتخابات التشريعية الماضية. وسيصوّت جزء مهم منها للرئيس أردوغان، وجزء آخر للسعادة، وربما حتى لأكشينر نفسها بعدما ارتدت ثياب الوسطية، ولكن من الصعب أن تنحاز بشكل كبير لحزب الشعب الأتاتوركي ومرشحه اليساري، في ظل مسؤوليته التاريخية عن الظلم والإجحاف بحق الأكراد، والاقتناع بعجزه عن تحقيق تطلعاتها وخطابه المضطرب المتردد والضبابي تجاه المسألة الكردية، كما عجزه عن القيام بدوره كحزب المعارضة الرئيسي في البلاد.

المعارضة كانت قد فشلت في التوافق على عبد الله غول كمرشح موحد توافقي لها قصة ترشيحه اعتمدت أساسا على نوع من تقسيم الأدوار، حيث استعد حزب السعادة الإسلامي لإقناع غول بالترشّح كمرشح توافقي عن المعارضة كلها، مقابل استعداد حزب الشعب لإقناع نوابه وجمهوره بدعم غول، كما إقناع ميرال أكشينر بسحب ترشحها لصالح غول.. هذا الأمر لم يحدث على الجبهتين، فقد عجز كمال كليتشدار أوغلو عن إقناع قيادات حزبه بدعم مرشح إسلامي ذي خلفية محافظة أو حتى يمينية وسطية، عن حزب يساري، كما فشل كليتشدار أوغلو في إقناع أكشينر بسحب ترشحها لصالح غول، كونها أصرت على وجود عدة مرشحين للمعارضة، بمن فيهم غول نفسه عن السعادة، على أن تلتف المعارضة كلها حول من ينجح في الوصول للدورة الثانية، علماً أن أكشينر تبدو مقتعنة أنها وحدها القادرة على جرف أصوات من الكتل التصويتية الثلاث: اليمينية والوسطية وحتى اليسارية.

غول من جهته؛ كان منفتحاً على جهود حزبي السعادة والشعب من حيث المبدأ، كما على فكرة الترشح نفسها، لكنه أصر على نيل تأييد المعارضة باعتباره مرشحا وطنيا جامعا لها، الأهم أنه سعى لنيل دعم رفاقه السابقين من مؤسسي وقيادات حزب العدالة التنمية، والتقى في هذا الخصوص أحد مؤسسي الحزب، رئيس مجلس النواب السابق بولنت أرينتش الذي يتمتع باحترام كبير حزبياً ووطنياً، كما التقى رئيس الوزراء السابق وأحد مفكري منظري الحزب، أحمد داود أوغلو، وسمع منهم نفس الموقف والرسالة: رفض دعم ترشيحه والالتزام بتوجهات وسياسات الحزب ومرشحه للانتخابات، أي الرئيس أردوغان.

وبينما يبدو تحالف الشعب الداعم لأرودغان قائماً على أسس فكرية سياسية صلبة، يبدو تحالف الأمة المعارض انتخابيا فقط، وثمة تباينات سياسية وفكرية واسعة بين أطرافه. فتحالف اليمين الوسط واليسار يجمعه فعلياً الرغبة في إسقاط الرئيس أردوغان ومنعه من الفوز والمضي قدماً في تقوية سلطاته، أو تكريس وتقوية النظام الرئاسي على حساب النظام البرلماني، علماً أن معارضة النظام الرئاسي تبدو أيضاً معارضة لشخص أردوغان أكثر منها للنظام نفسه.

تحالف الشعب سيسعى طبعاً إلى حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، وهو يبدو مطمئناً إلى الاستطلاعات، كما لعدم امتلاك أي من المرشحين الكاريزما القدرات اللازمة لمنافسة الرئيس أرودغان، مع التركيز بنفس الدرجة من الاهتمام على الانتخابات البرلمانية، المهمة أيضاً حتى في النظام الرئاسي، لتمرير القوانين والمراسيم اللازمة، كما لمنع نقض قوانين ومراسيم الرئيس من قبل المعارضة.

أما المعارضة، فستسعى من جهتها، وبكل قوتها، إلى منع الرئيس أردوغان من الفوز في الانتخابات من الدورة الأولى، عبر منعه من الحصول على أكثر من 50 في المئة، للانتقال بالتالي إلى دورة ثانية تتكتل فيها حول مرشح المعارضة الذي سيحوز على أعلى نسبة من الأصوات بعد الرئيس. وهذا احتمال مطروح، ولكنه نظري فقط؛ لأن الاستطلاعات تتحدث عن احتمال قوي جداً لفوز الرئيس الحالي من الدورة الأولى وبأكثر من خمسين في المئة، وحتى لو تم الذهاب إلى دورة ثانية، فسيكون من الصعوبة بمكان حشد فئات سياسية واجتماعية مختلفة خلف مرشح واحد للمعارضة، بمعنى أن الإسلاميين واليمينيين لن يصوتوا لمرشح اليسار والعكس صحيح، ولذلك ستعوّل المعارضة أكثر على تحقيق الفوز في الانتخابات النيابية، أو على الأقل منع تحالف الشعب من الحصول على أغلبية برلمانية مريحة؛ تكفل له السيطرة والتحكم بالسلطة التشريعية أيضاً.