صحافة دولية

فورين بوليسي: هل يترك ترامب إدارة السياسة الخارجية لحلفائه؟

فورين بوليسي: ترامب يترك السياسة الخارجية للمتعهدين الإقليميين- جيتي

هل يدير الرئيس الأمريكي اللعبة الدبلوماسية من الخلف، أم أنه سلمها لحلفائه، سواء في شبه الجزيرة الكورية أم في الشرق الأوسط؟

سؤال طرحه مدير برنامج الشرق الأوسط في أمريكا والرئيس السابق للبرنامج ذاته في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، والمستشار السابق لرئيس الوزراء السابق إيهود باراك، دانيال ليفي، في مقال له في مجلة "فورين بوليسي". 

ويناقش ليفي في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، أن الولايات المتحدة أجرت سياستها الخارجية للمتعهدين الإقليميين، ويقول إن الدبوماسية الـ"ترامبية" تدار في آسيا بطريقة صارخة، لكن الرئيس ربط بين السياسات عندما أعلن عن قراره الانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران، ومعها قال إن وزير الخارجية مايك بومبيو في طريقه إلى كوريا الشمالية من أجل التحضير للقائه مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ- أون. 

ويعلق الكاتب قائلا إنه "من الممكن القول إن تهديدات ترامب المجنونة قد فتحت الباب أمام الدبلوماسية، لكن شخصيته الزئبقية ليست المحدد الرئيسي في دبلوماسيته، وربما كان الغموض مفيدا في سياسة الدولة، لكنها تحتاج إلى استراتيجية شكلت بهدوء وبحكمة، وفي حالة ترامب فإنه يترك مستشاريه يتكهنون حول خطوته القادمة؛ ليس لأنه لم يقل لهم، لكن لأنه لا يعرف ماذا سيحدث بعد، وفي كل من الشرق الأوسط وكوريا الشمالية، فإن الشخصيات وأولويات القادة الإقليميين هي التي تحدد أسس الصفقات أو تمنعها".

ويشير ليفي إلى أنه "عندما استقبل الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي- إن نظيره الشمالي كيم في قرية بامونجوم على خط الهدنة، كانت هذه أول مرة يلتقي فيها رئيسا البلدين منذ أكثر من عقد، وأدى لقاء مون- كيم إلى سلسلة من خطوات بناء الثقة، منها إعلان مشترك عن إنهاء 60 عاما من العمليات العدائية بين البلدين".

ويلفت الكاتب إلى أنه "على الجانب الآخر من القارة، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قام بعقد مؤتمر صحافي في تل أبيب، قدم فيه أدلة قال إنها تثبت خداع إيران، في محاولة للتأثير على ترامب، ودفعه للخروج من الاتفاقية النووية، وجاء هذا بعد قصف قاعدة تيفور قرب حمص، وغارات جوية على مواقع إيرانية يوم الخميس؛ ردا على صواريخ أطلقت من سوريا باتجاه مرتفعات الجولان، فمنظور سلام بين دول الجزيرة الكورية يقابله خوف من اندلاع حرب في الشرق الأوسط". 

ويقول ليفي إن "كلا من مون ونتنياهو معروفان بقدرتهما على هز الوضع الدبلوماسي، مع أن مون مارس اللعبة والبحث عن السلام من خلف الستار، فيما يقوم نتنياهو بإثارة الوضع والدعوة للحرب على المسرح الدولي ومنذ عقدين، وليس غريبا أن يحاولا جر الولايات المتحدة إليهما، والفرق بين ترامب وغيره هو قابليته للانجرار، مقارنة مع رؤساء الولايات المتحدة السابقين". 

وينوه الكاتب إلى أن "مون جاء من الجناح الليبرالي في السياسة الكورية الجنوبية، أما نتنياهو فجاء من التيار الصقوري المتشدد في إسرائيل، ونظر كلاهما للتعامل مع إدارة ترامب من منظورين مختلفين، فرصة لنتنياهو وتهديد لمون".

ويوضح ليفي أن "سيؤول نظرت إلى تصريحات وتغريدات ترامب حول عملية عسكرية وقائية في شبه الجزيرة الكورية، بما في ذلك قوله: (أنا لدي زر نووي لكنه أكبر وأقوى)، باعتبارها محددا ومدمرا للأمن القومي الكوري، وفي المقابل فإن مبادرات ترامب العدوانية من طهران، وسياسته المحتقرة والعدائية ضد الفلسطينيين، لقيت فرحا في إسرائيل، فهي بمثابة تهديد قد يقود إلى مواجهة بين أمريكا وإسرائيل مع أعدائهما، وهو وضع يسعى إليه نتنياهو منذ زمن طويل".

 

ويفيد الكاتب بأن "مون استطاع تحويل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في شباط/ فبراير إلى عامل غير اللعبة الدبلوماسية، وعقد اجتماعين على مستوى عال مع مسؤولين من الجانب الآخر، على هامش القرية الأولمبية في بيونغتشانغ، وتبعت ذلك مقابلة طويلة بين كيم ومسؤول الأمن القومي والمخابرات الجنوبيين في بيونغيانغ، وعادا بمقترح قمة بين الزعيمين، وكانت الخطوط الساخنة بين سيؤول وبيونغيانغ محفزا للتفاوض بين واشنطن وبيونغيانغ".

ويجد ليفي أنه "لا تزال هناك أسئلة حول طبيعة العملية، خاصة عندما يلتقي ترامب مع (رجل الصواريخ القزم)، إلا أن قدرات مون ومهاراته خلقت مساحة للنجاح، وكذلك لقاؤه مع كيم، الذي بنى واقعا لا يمكن التنازل عنه للدبلوماسية لا المواجهة، وأنهى مقابلته مع الرئيس الكوري الشمالي بـ(إعلان بامونجوم، الازدهار وتوحيد شبه الجزيرة الكورية)، بل قام الكوريون الجنوبيون بالإعلان من خلال مستشار أمنهم القومي عن القمة المرتقبة بين ترامب وكيم، في الوقت الذي أبعدوا فيه واشنطن عن العملية الجارية بينهم، مع بدء الحديث عن جائزة نوبل، وثناء مون على ترامب، حيث تراجع وترك الساحة له، وحقق الرئيس الكوري الجنوبي ما يريده، من خلق طريق للخروج من النزاع، ووضع نفسه وسيطا لا يمكن التخلي عنه، موفيا بوعده الانتخابي بجعل سيؤول في مركز القيادة في شبه الجزيرة الكورية".

ويذكر الكاتب أنه "في المقابل، أصبحت دعوات رئيس الوزراء نتنياهو للخروج من الاتفاقية النووية سياسة أمريكية، وأعلن ترامب في 8 أيار/ مايو عنها، ومعها تحولت التهديدات بالضرب وتغيير النظام الذي يدعو إليه نتنياهو على لسان كل مسؤول أمريكي".

ويذهب ليفي إلى أنه "في النهاية فإن هناك فرقا بين المنطقتين في آسيا، رغم تشابه دوافع مون ونتنياهو، فالشرق الأوسط يشهد حروبا ونزاعات، أما شرق آسيا فهي ساحة نزاعات مجمدة، وفي الشرق الأوسط انضمت دول أخرى، مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى إسرائيل؛ لدفع واشنطن للتحرك ضد إيران وإثارة النزاع معها".

 

ويشير الكاتب إلى أنه "بالمقارنة فإن صقورية اليابان محدودة، أما الصين اللاعب الأهم في المنطقة فهي تحاول إدارة أزمة كوريا الشمالية".

ويلفت ليفي إلى أنه "على خلاف إيران، فإن كوريا الشمالية لديها برنامج نووي مكتمل، ومعه ورقة للتفاوض، أما إيران فليس لديها، وقد تستنتج في حال انهارت الاتفاقية أن الطريق بات واضحا أمامها للحصول على القدرات النووية، وكان هذا رد الرئيس حسن روحاني على إعلان ترامب، بأن بلاده قد تستأنف أجزاء من تخصيب اليورانيوم".

ويقول الكاتب إنه "في كوريا فإن النتيجة السعيدة كانت سلاما هشا، لكنها بحاجة لقيادة مسؤولة محلية من حلفاء الولايات المتحدة وغيرهم، وقدمت كوريا الجنوبية هذا وحظيت بدعم من اليابان والصين".

ويرى ليفي أنه "في الشرق الأوسط انتصر قصيرو النظر من دعاة الحرب، حيث قام حلفاء أمريكا، بقيادة إسرائيل مع السعودية والإمارات، بمراكمة الضغط على الرئيس الأمريكي، الذي يسهل تطويعه باتجاه المواجهة التي يعتقدون أنها مفيدة لمصالحهم الإقليمية، ولو كان هناك مون يدعو للسلام في إسرائيل، بدلا من الداعي للحرب نتنياهو، لكانت النتيجة هدوءا مع الفلسطينيين وإيران".

ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه "رغم نقده اللاذع للرئيس باراك أوباما كله، فقد كان ترامب حالة مهمة لدراسة زعيم يقود من الخلف، وترك المفاتيح المهمة في الأمن القومي لمن يريد أخذها، ويمكن للدول الإقليمية تأكيد طموحاتها، لكنها بحاجة للولايات المتحدة لتوجه الدفة، بدلا من تركها لمن يستطيع التلاعب برئيس يمكن خداعه".