كتاب عربي 21

نحن بخير.. إلى حد ما (2)

1300x600
حاولت في آخر مقال لي هنا، بالعنوان أعلاه، إثبات أننا (وبرغم ما نلاقيه من عنت ومشقة في تصريف شؤون حياتنا، بحكم أننا نعيش في دول التجسس حيث الهمس يؤدي إلى الحبس)؛ بخير إذا ما قارنا حالنا بحال من يعيشون في الدول الصناعية القوية، وأوردت أمثلة كثيرة على العنف الوبائي الذي تعاني منه بلاد كثيرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، حيث أدت (ولا تزال تؤدي) حرية امتلاك السلاح الناري، إلى حوادث قتل جماعية بشعة متكررة، ومع هذا ترتفع ملايين الأصوات مدافعة عن حرية التسلح الفردي، ومنبهة إلى أن الترياق المضاد للرصاص هو الرصاص، بدرجة أن رد فعل الرئيس الأمريكي، دونالد أبو جهل ترامب، على حادث مصرع نحو عشرين شخصا في مدرسة في ولاية فلوريدا مؤخرا، على يد طالب مشاغب تم طرده من المدرسة، كان (ترامب) أن دعا لتسليح المعلمين.

وتلقيت بعد نشر مقالي هذا ثلاث رسائل الكترونية، من ثلاثة أشخاص مختلفين، يقولون لي ما معناه: أبو سِن واحدة يضحك على أبو سنتين (بكسر السين في الكلمتين)، وأشار اثنان منهم إلى عمليات القتل الهوجاء في سوريا والعراق واليمن، وغيرها في العالم العربي، ويفوت على هؤلاء أن هذه الدول تشهد مخاضا سيقود حتما إلى مواليد جدد، وأن عمليات القتل فيها تحدث في سياق حروب محلية وأهلية، تورطت فيها لاحقا أطراف خارجية.

حسنا، ما رأيكم دام عزّكم، في أن الحرب الأهلية الأمريكية أسفرت عن سقوط 620 ألف قتيل في ساحات المعارك ومثلهم في الأسر، أي أن ضحايا تلك الحرب "المباشرين" كانوا أكثر من مليون شخص، أي نحو 2 في المئة من إجمالي عدد السكان وقتها، وهي النسبة التي تعادل ستة ملايين شخص، من إجمالي عدد سكان الولايات المتحدة اليوم.

في فيتنام الجنوبية حمل مواطنون السلاح ضد نظام حكم فاسد وعميل، فما كان من الولايات المتحدة بوصفها نصير الديكتاتوريات في العالم، إلا أن حشدت أساطيل الجحيم، وأمطرت فيتنام بشطريها الجنوبي والشمالي بالنيران برا وبحرا وجوا، فكانت المحصلة 444 ألف قتيل من العسكريين من الطرفين و627 ألف قتيل من المدنيين.

(ظلت الولايات المتحدة تتمتع بقدر طيب من الحياء، منعها من ادعاء نصرة الديمقراطية في أي مكان حتى منتصف تسعينات القرن الماضي، وبالتحديد خلال ولاية بيل كلينتون، والذي كان من فرط احترامه للحريات العامة، أن أباح لنفسه حرية خمش وكمش النساء، ولما قفشوا فعائله مع مونيكا لوينسكي، اتضح أنه عشق آلة الساكسفون الموسيقية، وهو يحسب ان اسمها السكس- فون، وخلال الاستجواب خرج على من كانوا يحققون معه؛ بنظريتي الحب الشفهي والآخر التحريري).

يعايرنا الغربيون اليوم بأننا دمويون، مع أن جرائم بشار الأسد ومعمر القذاقي، ومن هم على شاكلتهما من القادة العرب الأحياء والأموات، تعتبر شغل هواة، مقارنة بما اقترفه قادة الغرب في حق أهلهم.. دعك من عمليات الإبادة التي قام بها الأمريكان في آسيا والفرنسيون في الجزائر.. إلخ. فخلال الحرب العالمية الأولى، والتي كانت أوروبا مسرحها، هلك 18 مليون شخص، نصفهم من المدنيين وأصيب 23 مليون بعاهات مستديمة.

أما الحرب العالمية الثانية، فقد تسببت في هلاك نحو 50 مليون شخص على نحو مباشر، (أقل من نصفهم من العسكريين) وهلاك 30 مليونا آخرين بسبب الآثار الجانبية للحرب (الأوبئة والمجاعة).

ثم كانت مجزرتا هيروشيما وناغاساكي في اليابان، حيث قامت الولايات المتحدة بتجربة فعالية سلاح جديد، صار يعرف باسم القنبلة الذرية، مما تسبب في موت نحو نصف مليون شخص خلال بضع دقائق.

ولا داعي للخوض في سجل هتلر ألمانيا، وموسوليني إيطاليا، وفرانكو إسبانيا، وستالين روسيا، فقد تفوق كل واحد منهم على أقسى القادة المغول قلبا، وجلسوا على كراسي حكم مشيدة من جماجم مئات الآلاف من مواطنيهم (دعك ممن أهلكوهم من مواطني الدول الأخرى).

لا أعدد الأفعال البربرية للقادة الغربيين لتبرئة القادة العرب من جرائمهم الدموية، ولكن لأقول للغربيين إن ما يحدث عندنا بعض ما عندكم، وإن الجزارين العرب، وكعادتهم في السعي المتأخر جداً للحاق بكل ما هو غربي، يقصفون المدنيين والمدن والقرى عشوائيا، وعذرهم في ذلك أن الأسلحة الذكية التي يستوردونها من الغرب تتصرف بغباء بسبب حاجز اللغة عند استخدامها في بلدانهم.

أسوأ ما في الصحف الأجنبية هو أخبار الجرائم.. ما زال العالم يذكر حكاية النمساوي جوزيف فيرتزل الذي احتجز ابنته الوحيدة طوال 25 سنة في قبو، وأنجب منها 8 عيال.. وقبل مرور أقل من عام على تلك الجريمة، أدانت محكمة في شيفيلد بإنجلترا؛ رجلا إنجليزيا باغتصاب ابنتيه على مدى 30 سنة، وأنجب منهما تسعة أطفال (هناك عشرة أطفال آخرين ماتوا قبل أو بعد الولادة).. حكمت عليه المحكمة بالسجن المؤبد 25 مرة، (يعني نظريا 25 في 25)، ولكن القاضي العادل قال لهذا الحيوان: ستقضي على الأقل 19 سنة ونصف السنة في السجن.. يحيا العدل.. طيب ما لزوم الفيلم الهندي بالخمسة والعشرين حكما بالمؤبد.. أتعرفون ما هو شعور هذا الخنزير إزاء انفضاح أمره؟ كتب رسالة من السجن يقول فيها: أنا اللي رحت فيها أوانطة.. البنتان على الأقل نالتا مني تسعة أطفال، أما أنا فنصيبي السجن.. أين العدل؟ صحيح أين العدل؟