قضايا وآراء

قضية توفيق بوعشرين.. هل استكمل الزلزال السياسي حلقاته؟

1300x600
ثمة خمسة مؤشرات تثير أكثر من علامة استفهام حول خلفيات اعتقال الصحفي توفيق بوعشرين، مدير جريدة "أخبار اليوم" المغربية..

الأول، هو الطريقة التي تم بها اعتقاله، بمداهمة أربعين من قوات الأمن لمقر الجريدة دون إذن مسبق أو قرار مكتوب من النيابة العامة. والثاني، هو تأخر صك الاتهام واضطرابه ما بين الثالث والعشرين من شباط/ فبراير زمن اعتقاله، والخامس والعشرين منه، موعد البلاغ الثالث والأخير للوكيل العام الذي حدد نص الاتهام بعد أن تحدث البلاغ الأول عن مجرد بحث قضائي، ثم تحدث البلاغ الثاني عن اتهامات عامة (اعتداءات جنسية) غير مدرجة بهذا التكييف في القانون الجنائي. أما المؤشر الثالث، فهو نوع هذه الاتهامات الثقيلة، والتي وصلت حد إدراج جريمة دولية (الاتجار في البشر) تم المصادقة على القانون الخاص بها في البرلمان المغربي بشكل سريع؛ استجابة للتحديات التي فرضتها استراتيجية مكافحة تنظيم داعش، فيما يثير توقيت المحاكمة (الثامن من آذار/ مارس) الذي يصادف اليوم العالمي لحقوق المرأة تساؤلات جدية حول الخلفيات اسلياسية وراء هذه المحاكمة. أما المؤشر الخامس، فهو عدم احترام الإعلام العمومي لقرينة البراءة، من خلال بث بلاغات الوكيل العام في شأ، اعتقال توفيق بوعشرين في القنوات العمومية رغم نشر الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لقرار جديد حول احترام قرينة البراءة، في الجريدة الرسمية، بتزامن مع بث هذه البلاغات.

المعطيات القانونية، تقول طبقا لما تضمنه الملف من حيثيات، بأن الأمر لم يكن يستدعي اقتحام مقر الجريدة واعتقال مديرها بهذا الشكل مادم الأمر يخص بحثا قضائيا فقط. فالأمر يتعلق بثلاث شكايات، الأولى من طرف مجهول، فيما موضوع الشكاية الثانية والثالثة (ادعاء الاغتضاب أو محاولة الاغتصاب)، لا يستدعي أكثر من استدعاء المعني بالأمر، قصد سماع أقواله والتحقق من التهم الموجهة إليه.

وما يثير التساؤل أكثر، مما سيكون موضوع سجال قانوني وسياسي، ما يرتبط بفيديوهات تزعم النيابة العامة أنها توثق هذه الجرائم، إذ لا تتضمن المحاضر أي فيديو يخص المشتكيات، وإنما تربط النيابة العامة بعض الاتهامات بمقاطع فيديو تخص مصرحات، تم استقدامهن بعد اعتقال الصحفي توفيق بوعشرين!

السيد توفيق بوعشرين في أقواله يؤكد أكثر من مرة بأن الكاميرات دست في مكتبه من قبل أجهزة الأمن، وأنه لا يملك أي كاميرا تصوير داخل مكتبه، وهو ما أكده تقني الجريدة، ولذلك رفض التوقيع في المحضر على وجود هذه المحجوزات.

حتى حد الآن، الدفاع تسلم المحاضر، ورفض تسلم الفيديوهات، خوفا من أن يتم استغلال ذلك من أجل ترويجها ونسبة تسريبها إليه، ويتمسك بالطعن في حجيتها باعتبار أن مصدرها مجهول، ولكونها لا تخص المشتكيات، وإنما تخص مصرحات لا يدري أحد ما الطريقة التي تم استعمالها من أجل أن يدلين بهذه التصرصحات، فضلا عن كون واحدة منهن تراجعت عن أقوالها ونشرت تدوينة في حسابها على الفيسبوك تعلن براءتها مما أخذ منها من تصريحات.

ومهما يكن من وقائع قد تثيرها وجود أمور ترتبط بالحياة الخاصة للصحفي توفيق بوعشرين، فإن المعطيات التي توفرها المحاضر، مع استحضار المؤشرات الخمس السابقة، تفيد بأن الملف سياسي، وأن الظرفية السياسية فرضت المرور للدرجة القصوى في استهدافه واستهداف جريدته، بعد أن صار دورها غير متحمل في سياق استكمال مهمتين أساسيتين، ترتبط ألأولى بإنهاء الدور السياسي لعبد الإله بنكيران، فيما تخص الثانية، وضع آخر الحلقات في سيناريو تصدر حزب التجمع الوطني للأحرار، وقيادة أمينه العام عزيز أخنوش للحكومة وإنهاء تجربة العدالة والتنمية.

نعم، كانت للرجل افتتاحيات قوية، بلغت فيها درجة النصح للجهات العليا مستويات حادة، وربما حصلت موافقات غير سارة مع بعض الافتتاحيات التي زادت من الاحتقان. لكن، لا يبدو أن هذه الحيثيات الدالة المرتبطة بانزعاج من هذه الافتتاحية تلك، هي التي سرعت هذا السيناريو، وإنما التقدير أن الأمر يرتبط بتكرار شيء من سيناريو 2007، عندما عزمت الدولة أو بعض الجهات المؤثرة فيها على وضع كل بيضها في سلة حزب الأصالة والمعاصرة؛ الذي كان يجري تهييئه للفوز في الانتخابات التي تلت انتخابات 2007 التشريعية. إذ كان خيار نشر الخوف والرعب تكيتيكا أساسيا لإرهاب النخب، ودفعها للقبول بالأمر الواقع، خاصة وأن الوزير المنتدب لدى الداخلية، السيد فؤاد عالي الهمة، هو الذي تولى قيادة هذا المشروع على الأرض، بعد أن ترك موقعه الرسمي ونزل لساحة التنافس السياسي مع بقية الفاعلين، قبل أن تأتي رياح الربيع العربي، وتربك هذا السيناريو بشكل كامل، ويقدم السيد فؤاد عالي الهمة استقالته من هذا المشروع، ويعود إلى كنف الدولة، بمهمة مستشار ملكي.

تكتيك الخوف والرعب، الذي انطلق بعد انتخابات 2007، لم يكن همه استئصال النخب المعارضة بشكل كامل، وإنما فقط بعث إشارات لكل من يريد أن يربك سيناريو حزب الدولة. وكان الثمن، أن اعتقل أحد قادة حزب العدالة والتنمية، وهو جامع المعتصم الذي شغل فيما بعد مدير ديوان رئيسي الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، والحالي سعد الدين العثماني.

السيناريو نفسه يتكرر، لكن هذه المرة، الرسالة موجهة لطرفين اثنين، بعد أن تم ترويض حزبين رئيسيين من الأحزاب الوطنية الديمقراطية، وبعد أن دخل العدالة والتنمية في أزمته الداخلية. الأولى، موجهة للصحافة حتى يتم تحيييد دورها المعارض بشكل كامل، والثانية، موجهة لحزب العدالة والتنمية، من خلال ملف القيادي عبد العالي حامي الدين الذي استدعاه قاضي التحقيق في قضية مقتل الطالب أيت الجيد يوم الخامس من آذار/ مارس 2018. القضية التي مر عليها 25 سنة، وحكم وقتها على حامي الدين بسنتين سجنا نافذا سنة 1994 بتهمة "المساهمة في مشاجرة ارتكبت خلالها أحداث عنف أدت إلى وفاة". وتوجه حامي الدين سنة 2005 إلى هيئة الإنصاف والمصالحة طلبا لتبرئته وإنصافه، فقضت الهيئة في مقرر تحكيمي بتاريخ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 بأن اعتقال حامي الدين كان تعسفيا وشكل انتهاكا لحقوقه كمواطن وكإنسان.

ما يعزز تكرار سيناريو الخوف والرعب، الدينامية التي يعرفها حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقوم بحملة انتخابية سابقة لأوانها في الداخل والخارج، من غير مراعاة لمقتضيات ميثاق الأغلبية الحكومية الذي تم توقيعه مؤخرا، ويقدم عرضه السياسي في كتاب "مسار الثقة" الذي يستعرض فيه مشروعه ورؤيته للنموذج التنموي، ويتماهى فيه بشكل كامل مع الدولة، تماما كما كانت انطلاقة حزب الأصالة والمعاصرة من قبل، ناهيك عن الضغط الممارس اليوم على أحزاب من الأغلبية والمعارضة داخل لجنة الاستطلاع حول أسعار المحروقات، الذي توصل تقريرها إلى استغلال شركات المحروقات (وفي مقدمتها شركات عزيز أخنوش) لإصلاح صندوق المقاصة وتحرير الأسعار سنة 2015، لتحقيق أرباح خيالية أثقلت جيوب المواطنين؛ بلغت درهمين في اللتر الواحد، مما قد يشكل تقويضا لشعبيته قبل انطلاق العد العكسي لإنهاء تجربة العدالة والتنمية. إذ تعمل هذه الضغوط لحذف أي إشارة تتعلق بهذه الشركات، دون أن نغفل الطرق الإعلامي الكثيف الذي نزل لاحتواء قرار محكمة العدل الدولية بخصوص اتفاق الصيد البحري، مخافة أن يصيب شرره السيد عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري، ويتهم بالتسبب في عدم إدارة هذا الملف بالشكل المطلوب، ودون أن ننسى أيضا التلميع الذي تحظى به هذه الشخصية من قبل وسائل الإعلام، إذ أصبحت تظهر في الإعلام العمومي أكثر من رئيس الحكومة، وربما بنسبة تقترب من حضور الملك في نشرات الأخبار الرئيسية.