كتاب عربي 21

حاجة الرياض إلى ترميم جسور الثقة مع اليمنيين

1300x600
حتى الآن، لم يتضح يقيناً ما إذا كانت المملكة العربية السعودية تمتلك الإصرار ذاته الذي لدى الإمارات العربية المتحدة، ممثلة بإمارة أبو ظبي، على استهداف الكتلة الصلبة المناهضة للانقلاب والمؤيدة للتدخل العسكري للتحالف.

هذا على الأقل ما يؤكده بقاء قيادات سياسية يمنية في الرياض حتى الآن دون أن يمسها أذى، رغم أنها محسوبة على تيارات مصنفة بأنها إرهابية لدى كل من الرياض وأبو ظبي على السواء، وإن كانت هذه القيادات لا تسلم من التعرض المستمر لحملات التشويه من جانب الإعلام، مع بقاء شروط وجودها في السعودية غير مريحة، إلى حد تبدو معها رهينة للحرب الدائرة في اليمن وليست حليفاً وشريكاً ميدانياً فيها.

تدرك الرياض أن الخصومة مع الأطياف السياسية المساندة للشرعية اليمنية التي تقاتل إلى جانبها في اليمن؛ حماقة شديدة الكلفة على أمنها الاستراتيجي، ومع ذلك هناك  مخاوف حقيقية من أن الرياض ربما تستلم أكثر فأكثر إلى غرور القوة الذي تعاظم مع وصول ولي العهد الجديد واسع الصلاحيات، الأمير محمد بن سلمان، إلى موقع السلطة والقرار.

ثمة مؤشرات عديدة على أن الرياض تتشارك مع أبو ظبي مهمة إحلال قوى سياسية وعسكرية تنتمي إلى حلف الانقلاب، محل السلطة الشرعية الحالية، وهو استنتاج يكفي إلى تصور الكارثة التي تنتظر التحالف ومهمته العسكرية في اليمن في المدى المنظور.

فالسلطة الشرعية لا يمكن اختزالها فقط، في الرئيس هادي ونائبه ورئيس الوزراء وهم في الأساس قيادات تتنمي إلى حزب المؤتمر الشعبي العام، وتشكل امتدادا سياسياً لعهد الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، ولا ينتمون إلى حركة "الإخوان المسلمين" كما يدعي الإعلام الممول من التحالف.

الشرعية هي إطار يجمع القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة ميدانياً التي رهنت مواقفها المساندة للتحالف باحترام الشرعية وخياراتها الوطنية، وقد تفقد الرياض هذا الإجماع الوطني لليمنيين حولها مهمتها العسكرية في بلادهم، وهو إجماع يبدو أنها تستهين به.

وإن حدث ذلك، فإن موقفها سيزداد ضعفاً في المعركة المفتوحة مع الخارج والتي تزداد وطأتها على الرياض، حيث تساهم موجة الرفض المتصاعدة في الغرب للحرب الدائرة في اليمن في خفض السقف المرفوع الذي وضعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية والتحالف.

الرئيس الأمريكي لا يكترث بالحرب الدائرة في اليمن ولا بضحاياها، بل إنه منح الجيش والمخابرات سلطة مفتوحة للقتل في هذا البلد المنكوب، بذريعة مكافحة الإرهاب، لكنه لا يمكن أن يصمد أمام تعالي الأصوات في الدوائر الأمريكية المؤثرة، وفي مقدمتها الكونجرس الأمريكي.

يواجه الأمير محمد بن سلمان عوائق عديدة في مسار رحلة خارجية ستقوده إلى كل من لندن وواشنطن، خلال النصف الأول من شهر آذار/ مارس الجاري، مع تنامي المعارضة السياسية والحقوقية النوعية في هاتين العاصمتين لسياسة ولي العهد، وخصوصاً المرتبطة بالحرب في اليمن.

اضطر وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلى أن يعود إلى مهنته كصحفي؛ ليكتب مقالاً يدافع فيه عن الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي إلى المملكة المتحدة، في استجداء عززه بالأرقام والمؤشرات بشأن الجدوى الاقتصادية لعلاقة بلاده بالسعودية، وبإمكانية أن تتيح زيارة كهذه لبريطانيا فرصة الإسهام في إنهاء الحرب باليمن.

وفي واشنطن، انبرى ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، وهم الجمهوري مايك لي والمستقل بيرني ساندرز والديمقراطي كريس ميرفي، لتبني خطة تهدف إلى العمل بقانون قوى الحرب لعام 1973، والذي يسمح لأي عضو في المجلس بطرح قرار حول سحب القوات المسلحة الأمريكية من صراع لم تحصل المشاركة فيه على تفويض من الكونجرس.

يكتسب تحرك كهذا أهميته من كونه يجمع مشرعين من الحزبين الرئيسيين، ويتحين موعد الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي، لكن أخطر ما فيه أن يشير إلى مدى الاستجابة التي بات يظهرها مشرعون من ذوي الوزن الثقيل مع الأخبار السيئة عن الحرب الدائرة في اليمن.

خلاصة القول، إن السعودية وليس الإمارات هي من يقف اليوم أمام مرحلة جديدة من التحولات السيئة في مسار الحرب التي تزداد غموضاً في الأهداف؛ بقدر ما تزداد تعقيداً في ترتيباتها التي ترتهن لإرادة أبو ظبي وولي عهدها محمد بن زايد، المسكون بحقد ليس له حدود ضد ثورات الربيع العربي وحواملها السياسية.

وليس أمام الرياض من خيار سوى ترميم جسور الثقة المنهارة بينها وبين طيف واسع من اليمنيين وقواه السياسية، هذا الطيف الذي بات يدرك أن السعودية تستهدفه أكثر مما تستهدف الحوثيين، وتستهدف المغتربين اليمنيين في أراضيها أكثر من استهدافها للمليشيا المرتبطة بخصمها الطائفي الإقليمي اللدود إيران.