سياسة عربية

ما أهمية الغوطة لكل من النظام والمعارضة؟

الغوطة هي خاصرة النظام الرخوة التي تستطيع المعارضة من خلالها قلب المعادلة على النظام كليا - أرشيفية

لم ينتظر نظام الأسد كثيرا ما بعد إقرار مجلس الأمن الدولي الهدنة، حتى بدأت قواته باقتحام الغوطة بريا من أكثر من محور بغطاء جوي روسي، ضاربا عرض الحائط بالإرادة الدولية.

وبالمقابل، أعلنت المعارضة رغم حملات القصف الشديدة والحصار عن تمكنها من صد محاولات الاقتحام، مؤكدة أنها كبدت القوات المهاجمة خسائر فادحة بالأرواح إلى جانب أسر عدد من عناصر النظام.

وفتح إصرار النظام السوري على إنهاء ملف الغوطة بالرغم من الخسائر، وكذلك المقاومة الحديدية التي تبديها المعارضة دفاعا عن الغوطة والتمسك فيها حتى آخر رمق رغم اختلال ميزان القوى بشكل كبير لصالح النظام، الباب أمام جملة من التساؤلات حول أهمية هذه المنطقة المتاخمة للعاصمة دمشق لكلا الجانبين.

 

وفي هذا السياق قال الباحث في "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية" ساشا العلو، إن "سلوك النظام من بداية عملية التفاوض مع المعارضة يعتمد على الحل العسكري، وكان يذهب إلى المفاوضات بضغط روسي".

فائض قوة

وحول دوافع هجوم النظام رغم الفاتورة البشرية السابقة والمحتملة، رأى العلو أن "النظام يشن هذه الحملة مستغلا فائض القوة العسكرية التي أتاحته اتفاقات خفض التصعيد، ونشوته بما تحقق من تقدم في دير الزور وإدلب، مستفيدا من المناخ الإقليمي والدولي المتوتر حول الأزمة السورية، وما أنتجته تلك التوترات من تفاهمات إقليمية ودولية صبت في صالح النظام وأبعدت الفاعلين الإقليمين الداعمين للثورة عن التأثير المباشر في الملف السوري".

وأضاف الباحث لـ"عربي21"، ضمن هذا المناخ، اعتقد النظام أن الظروف مواتية لعملية عسكرية تؤمن له محيط العاصمة، وتبعد عنه الخطر العسكري المباشر والأخير الذي يمكن أن يهدده عسكريا، وهذا تصوره المشترك مع موسكو للحل السياسي في سوريا.

وتابع العلو، بأن استعادة النظام لمساحات واسعة ومدمرة سيجعله مستفيدا في إطار سعيه وموسكو للاستحواذ على أكبر حصة من ملف إعادة الإعمار، مضيفا: "لذلك، النظام يدفع بقواته العسكرية في مغامرة عسكرية بغض النظر عن احتمالات الخسائر الفادحة التي ستمنى بها قواته، كونه ليس معنيا بالخسائر لناحية اعتماده على المليشيات الإيرانية والمرتزقة الروس على الأرض".

هذا عن دوافع النظام، فماذا عن أهمية الغوطة للمعارضة، يرد العلو مطولا بقوله: "الغوطة هي أكبر ثقل عسكري باقي للثورة السورية، دون أي وجود أجنبي أو لمجموعات تصنف بـ"الإرهابية"، باستثناء 200 عنصر من تحرير الشام".

وأردف كذلك أن موقع الغوطة الداخلي جعلها بعيدة عن الخضوع المباشر لغرف الدعم الإقليمي والدولي كما هو الحال في الشمال والجنوب، لذلك فإن فاعليتها العسكرية ضد النظام هي الأكبر والأكثر تأثيرا في رسم خطوط الحل السياسي بصورة تحسن تموضع المعارضة السورية في شكل هذا الحل.

واستطرد العلو، ناهيك عن وجود كتلة سكانية ضخمة تقترب من 400 ألف نسمة، قد يساهم تهجيرهم بخلق كارثة إنسانية بالدرجة الأولى، خاصة وأن الشمال السوري لم يعد قادرا على استيعاب كتلة بشرية بهذا الحجم، وكتلة عسكرية بحجم المقاتلين في الغوطة. 

بغداد ثانية

الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد أديب عليوي، أشار إلى وجود جملة من الأهداف بالنسبة للنظام وإيران من وراء الهجوم البري على الغوطة، من أهمها وأسرعها فك الحصار عن إدارة المركبات التي تحاصرها المعارضة، وهو هدف مشترك للنظام وإيران على اعتبار أن الجنود المحاصرين بداخلها من النظام ومن المليشيات الإيرانية.

وأصاف لـ"عربي21"، أما عن الهدف الاستراتيجي من وراء التصعيد في الغوطة، فإيران تسعى إلى تطويق العاصمة السورية بسياج ديمغرافي شيعي، من خلال وصل الغوطة بالمناطق التي باتت مصنفة على أنها مناطق شيعية مثل "الست زينب"، وذلك لخلق حزام شيعي حول دمشق، وجعلها بغدادا ثانية.

وأكد عليوي أن غالبية القوات التي تتولى الهجمات على الغوطة هم من عناصر المليشيات الإيرانية، وعلق بقوله: "كما أسلفت هو هدف مشترك لإيران والنظام".

وأوضح، أن السيطرة على الغوطة تعني للنظام مزيدا من الحماية للعاصمة، وتجنيبها أي معارك عسكرية محتملة.

أما عن أهمية الغوطة للمعارضة، ذهب عليوي إلى وصفها بـ"قلب الثورة السورية"، وقال: "في حال سقوط الغوطة، لن يتبقى للثورة إلا إدلب ودرعا، والأخيرة محكومة بتقاطع مصالح دولية، بينما تعقد هيئة تحرير الشام المشهد في إدلب".

وأضاف أن الغوطة هي خاصرة النظام الرخوة التي تستطيع المعارضة من خلالها قلب المعادلة على النظام كليا من العاصمة، بعكس إدلب ودرعا.

وأشار عليوي إلى تأثر دمشق برمتها بالتصعيد العسكري في الغوطة، مؤكدا على قدرة المعارضة على استهداف كل المواقع الاستراتيجية والقيادية للنظام فيها.

بالغة الخطورة

رئيس "هيئة الإنقاذ السورية" الدكتور أسامة الملوحي، نوه بالأهمية الاستراتيجية للغوطة، مشيرا إلى أن موقعها يجعلها قادرة على تهديد دمشق وكذلك قطعها بريا عن حمص والمنطقة الوسطى السورية، إلى جانب تعطيل عمل مطار دمشق الدولي.

وقال لـ"عربي21" إن كل ذلك يجعل منها منطقة بالغة الخطورة على النظام الذي يحاول منذ بداية الثورة السورية السيطرة عليها، سواء عسكريا أو عن طريق المصالحات في الغوطة وفي المناطق المجاورة لها جنوب وشرق دمشق، مبينا أن الغوطة لا تبعد سوى كيلومترات معدودة عن قلب العاصمة دمشق.

والاعتبار الآخر الذي يجعل الغوطة محط أنظار النظام من وجهة نظر الملوحي، هو التركيبة السكانية المدنية في الغوطة، مبينا أن الحاضنة الشعبية في الغوطة رفضت الاستسلام، في الوقت الذي تصر فيه على القصاص من النظام الذي ارتكب الجرائم بحقهم.

وقال، شاهدنا هذا الصمود من خلال الشرائط المصورة، وهذا بعكس التركيبة السكانية في بقية المناطق السورية، التي يوجد فيها من لا يريد دفع ثمن الحرية، بعكس سكان الغوطة.

وأضاف الملوحي، أن نوعية هذه التركيبة البشرية نوعية تبشر بأن بقاء النظام مستحيل من وجهة نظر السكان، وعلق قائلا: "لا أتحدث عن أمنيات، إنما عن حقائق، وهذا ما يجعل النظام في ورطة كبيرة".

ورأى الملوحي أن "النظام يدرك هذه الحقيقة، لذلك هو يسعى اليوم إلى تهجير كامل لأهالي الغوطة".