كتاب عربي 21

النهضة واليهود والانتخابات

1300x600
هو رجل أعمال يملك محلا بمدينة المنستير. كان بعيدا عن السياسة، مثل أغلب اليهود التونسيين، إلى ان عرض عليه أحد كوادر حركة النهضة الانضمام إلى قائمتها المحلية المرشحة لخوض الانتخابات البلدية المقبلة. اسمه سيمون سلامة، لم يسبق له أن شارك في أي عمل سياسي، مثل الأغلبية الساحقة من التونسيين ذوي الديانة اليهودية. وما أن شاع الخبر حتى تعددت ردود الفعل، سواء في وسائل التواصل الاجتماعي أو في الأوساط السياسية والمثقفين.

اعتبر الكثيرون أن ما يحصل ليس سوى مناورة من قبل حركة النهضة تحاول من خلالها مغازلة الأوساط الغربية لإبراز طابعها المدني. وهناك من استغل ذلك لشن حملة ضد النهضة، واتهامها بكونها توظف الجالية اليهودية في صراعها السياسي والأيديولوجي. ومن بين المثقفين المخاصمين للحركة؛ يوسف الصديق الذي شكك في نوايا الحركة، وتحدى قيادة النهضة بأن ترشح ضمن قوائمها ملحدا أو مثليا حتى تؤكد انسلاخها الفعلي عن الإسلام السياسي.

رغم تأكيد سيمون على أنّ "الدين لا علاقة له بالعمل السياسي، وأن الوطنية يجب أن تكون أساس العمل والفعل"، إلا أن ترشحه قد أثار بعض التحفظ في صفوف الطائفة اليهودية في تونس، والتي اختارت أن تتجنب المشاركة في مختلف أنواع المحطات الانتخابية؛ خشية أن يفهم من ذلك انحياز سياسي لهذا الطرف أو ذاك، مما قد تترتب عنه تأويلات من شأنها أن تحدث ضررا بالنسبة لعموم المواطنين اليهود. لكن سيمون اعتبر، من جهته، أنه "رغم امتعاض البعض من عائلته بسبب ترشحه ضمن قائمة "النهضة"، إلا أن "عدداً كبيراً من التونسيين من معتنقي الديانة اليهودية من داخل البلاد ومن خارجها عبروا عن وقوفهم معي وتأييدي في القرار الذي اتخذته" . وهو ما يؤشر لوجود جدل داخل الوسط اليهودي حول هذه المسألة، وبالأخص حول حدود علاقة اليهود التونسيين بحركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية. ولا يمكن في هذا السياق نسيان حرص النهضة على مشاركة اليهود فيما يسمى عندهم بحج الغريب كل سنة، من خلال الدفع بأهم قادتها في هذه المناسبة الدينية. وعندما قتل شاب تونسي من الديانة اليهودية، حضر الشيخ عبد الفتاح مورو الجنازة وقام بالمشاركة في تأبينه.

إذا كان الكثير ممن انتقدوا النهضة في الخطوة التي أقدمت عليها بحجة أنها غير صادقة، فإن سيمون عبر عن اعتزازه بـ"فصل الحركة بين الدعوي والسياسي خلال مؤتمرها الأخير لتصبح حركة علمانية"، كما ثمن الاستراتيجية الجديدة لـ"النهضة" في العمل السياسي..

رغم أن بعض التونسيين اليهود قد انخرطوا في النضال الوطني ضد الاستعمار، وسبق أن عين الرئيس بورقيبة شخصية يهودية في أول حكومة تتشكل بعد الاستقلال، ومن بين اليهود من كانوا ضمن العناصر القيادية بالحزب الشيوعي التونسي، مثل جورج عدة الذي أسس جماعة دولية تتشكل من يهود يطالبون بعدم الاعتراف بدولة إسرائيل، كما عرف في أوساط اليسار الجديد عدد من المثقفين التقدميين من أصول يهودية، مثل جلبار نقاش، إلا أن أحداثا عديدة توالت فيما بعد جعلت الأغلبية الواسعة من اليهود التونسيين يتجنبون خوض العمل السياسي لاعتبارات عديدة، من بينها تجنب التأويلات المغرضة التي قد يكون لها أثر سيّء على بقية اليهود، خاصة بعد اضطرار الكثير من العائلات اليهودية مغادرة تونس على إثر حرب 67.

لا يعرف إن كان هذا الترشح في قائمة نهضوية سيشكل حافزا جديدا لليهود التونسيين على الانخراط في العمل السياسي، وألا يبقوا سجناء الحواجز الطائفية وهو ما يتوقعه سيمون ويدعمه بقوة ، أم أن ما حصل سيبقى مجرد مبادرة فردية محدودة الأثر.

بالنسبة لحركة النهضة، فإن هذه الخطوة الرمزية تعتبر نقطة تسجل لصالحها من الناحية السياسية. صحيح أن القرار جزئي ورمزي، إلا أنه حسّن من صورتها وأعطى انطباعا بكونها مستعدة للانفتاح حتى على المختلفين معها دينيا وعقائديا. وكان يفترض أن تؤيد القوى العلمانية مثل هذه الخطوة؛ لأنها تنسجم مع مبدأ مدنية الدولة. ولعل ما يحصل من نقاش يرفع الغطاء عن رغبة لدى جزء من اليهود داخل تونس وخارجها؛ الذين يريدون دعم هذا التوجه داخل حركة النهضة، عسى أن يسهم ذلك في إبعاد المجتمع التونسي عن سياقات التطرف والإرهاب.

المهم في هذا السياق أن تكون الخطوة التي تم الإقدام عليها نابعة من اقتناع مبدئي؛ بأنه لا فرق بين مسلم ويهودي في مجال المواطنة. هم أبناء تونس يمكن أن تجمعهم أهداف كثيرة وفي مقدمتها خدمة هذا البلد؛ لأن النزعات التكتيكية حبالها قصيرة، ويمكن أن تنقلب على أصحابها في أول مناسبة يتضح فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود.