سياسة عربية

منافسة شرسة بين النهضة ونداء تونس في بلديات 2018

لجنة تسجيل ناخبين في الانتخابات التونسية- أرشيفية (جيتي)

أغلقت اليوم الخميس، في كافة الدوائر الانتخابية للمجالس البلدية بكامل محافظات تونس، عمليات تقديم الترشحات لخوض أول انتخابات بلدية بعد الثورة، والتي من المقرر إجراؤها يوم 6 أيار/مايو 2018.

وتتنافس في انتخابات المجالس البلدية أكثر من ألف قائمة ستتوزع على 350 دائرة بكامل تراب البلاد من أجل انتخاب 7500 مستشار بلدي.

قوائم أحزاب ومستقلين


وتأتي في مقدمتها أحزاب كبرى كحركة النهضة ونداء تونس بعد اختيارهما خوض هذه المنافسة في قوائم حزبية خالصة، فيما اختارت أحزاب أخرى العمل ضمن مجموعات ائتلافية على غرار "الاتحاد المدني" والذي يضم 11 حزبا معارضا يحمل لواء الدفاع عن المشروع المدني الحداثي، ويشمل كلا من حزب "البديل التونسي" بقيادة مهدي جمعة و"مشروع تونس" لمحسن مرزوق و"آفاق تونس" بقيادة ياسين إبراهيم و"الجمهوري" لعصام الشابي وأحزاب أخرى كالمسار الديمقراطي الاجتماعي والعمل الوطني الديمقراطي وحركة تونس أولاً والمبادرة الوطنية الدستورية التونسية واللقاء الديمقراطي والحركة الديمقراطية وحزب المستقبل.

واختار آخرون خوض الانتخابات البلدية بشكل مستقل بعيدا عن أي انتماء حزبي كمرشحين مستقلين وعددهم 566 قائمة مستقلة إلى حدود اليوم الخميس.

مخاوف من العزوف

وبحسب ما أكده عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أنيس الجربوعي في حديثه لـ"عربي21"، فقد بلغ العدد الإجمالي لطلبات الترشح في كامل الدوائر البلدية إلى حدود الساعة العاشرة صباحا لهذا اليوم 1480 مطلب ترشح.

وتوزعت القوائم على النحو التالي: "850 قائمة حزبية و64 قائمة ائتلافية و566 قائمة مستقلة، فيما بلغت نسبة إيداع الترشحات مئة بالمائة في كامل البلديات وهو أمر وصفه الجربوعي بالمؤشر الجيد في ظل مخاوف قبل يومين من وجود بلديات مستحدثة لم يتقدم فيها أي مرشح".

وفيما يتعلق بعدد الترشحات المقدمة من حزبي النهضة ونداء تونس في هذه الانتخابات البلدية اعتبر الجربوعي أنه بحسب المعطيات المتوفرة فإن عدد القوائم بين الحزبين تعد متساوية لتغطي عدد الترشحات كل الدوائر الانتخابية والمقدر عددها بـ 350 دائرة أي بنسبة تغطية تصل إلى المائة بالمائة وهو ما يجعل المنافسة بينهما على أشدها.

في المقابل، لا يخفي عضو هيئة الانتخابات، بعض المخاوف من عزوف الناخبين على الاقتراع، مشددا على أن الهيئة تبذل كافة جهودها لتحفيز المواطنين على المشاركة واستقطابهم بأعداد كبيرة في هذا الاستحقاق الانتخابي بالتنسيق مع المجتمع المدني والإعلام والأحزاب.

قوائم متقاربة

بدوره أكد الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري في تصريح لـ"عربي21" أن حزبه انتهى تقريبا من استكمال تقديم كافة قوائم المرشحين لضمان حضور الحزب بكل ثقله في كافة الدوائر البلدية، مشددا على دخول الحركة بلونها الحزبي السياسي بعيدا عن أي ائتلافات وهو قرار اتخذته الحركة منذ مدة.

وفي سياق متصل اعتبر الخميري أن ترشيح النهضة لتونسي من أصل يهودي في أحد قوائمها البلدية بمحافظة المنستير الساحلية والذي أثار موجة جدل كبيرة قرار اتخذته النهضة ووقعت تزكيته من المكتب التنفيذي برئاسة الشيخ راشد الغنوسي إيمانا منها بحق كل مواطن تونسي مهما كان دينه المشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي.

من جانبه، اعتبر القيادي في نداء تونس خالد شوكات ومرشحها عن الدائرة البلدية بمحافظة قابس جنوب تونس، أن "حزبه يسعى بشكل جاهد إلى تحقيق نسبة تمثيلية عالية في كافة الدوائر البلدية بهدف انجاح العملية الديمقراطية".

وعبر في الوقت ذاته عن ثقته في إمكانيات الحزب وقدرته على التعبئة لضمان أكبر عدد من المقاعد البلدية بعدد مرشحين ندائيين يتجاوز الـ 9 آلاف مرشح، مؤكدا أن منافسة النهضة لحزبهم سيكون محفزا لهم للنزول لهذه الانتخابات بكل ثقله.

وفيما اختارت أحزاب خوض هذه المنافسة الانتخابية البلدية بأشكال مختلفة قررت أحزاب أخرى تونسية مقاطعة هذا الاستحقاق الانتخابي على غرار حزب "حركة وفاء" بقيادة عبد الرؤوف العيادي والحزب الوطني الحر لرئيسها سليم الرياحي، وبرر هذان الحزبان المقاطعة بوجود "فراغ تشريعي" بسبب عدم استكمال البرلمان التونسي المصادقة على "مجلة الجماعات المحلية" وهي بمثابة القانون الأساسي الذي ينظم عمل المجالس البلدية ويحدد مهامها.

مجلة الجماعات المحلية

وكان عدد من منظمات المجتمع المدني وجمعيات متخصصة في مراقبة عمل الانتخابات أعربت منذ أشهر عن قلقها من عدم مصادقة البرلمان التونسي حتى اللحظة على مجلة الجماعات المحلية، وفي هذا الإطار اعتبرت ليلى الشرايبي، رئيسة الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد" أن هذه النقطة تعد إحدى العقبات التي من شأنها أن تعرقل سير الانتخابات البلدية باعتبار أن هذه المجلة ستحدد الخطوط العريضة لطريقة عمل المرشحين عن المجالس البلدية مما سيسهل عملية محاسبتهم في وقت لاحق.

وأكدت في سياق متصل أن الجمعية جندت نحو 60 مراقبا في 27 مركزا بلديا لمراقبة سير عملية تقديم الترشحات ورصد أي إخلالات أو تجاوزات من شأنها أن تضر بشفافية ونزاهة العملية الانتخابية برمتها.

هيمنة للنهضة والنداء

وفي تعليقه على المشهد الانتخابي برمته، اعتبر المحلل السياسي المنذر ثابت أن هيمنة حزبي النهضة ونداء تونس على القوائم الحزبية البلدية من خلال عدد المرشحين المفترضين بات أمرا واقعا، سيما بعد أن قرر كل منهم خوض هذه الانتخابات في قوائم حزبية خالصة.

وأضاف ثابت لـ"عربي21": "النهضة استطاعت أن تراوغ الجميع وتضيف في قوائمها مرشحين من الأقليات الدينية وهي نقطة قوة تحسب لفائدتها".

وتابع: "هذا المشهد العام يجعلنا نتكهن بإعادة إنتاج مبدأ التوافق في الحكم المحلي بين النهضة ونداء تونس سيما وأن القانون الانتخابي الخاص بالانتخابات البلدية لا يسمح بالأغلبية المطلقة حيث لا يجب أن تتجاوز القائمة الأغلبية نسبة 40 بالمائة من المقاعد مما سينجر عنه تقاسم للأدوار بين الأحزاب الفائزة بشكل آلي.

في المقابل، اعتبر ثابت أن حظوظ القوائم المستقلة وباقي الأحزاب "الائتلافية" المعارضة سوف لن تتجاوز مستوى الـ 20 بالمائة من المقاعد، لكنه لم يستبعد أيضا حدوث بعض المفاجآت على مستوى حضور بعض الأحزاب المعارضة كالتيار الديمقراطي والحزب الوطني الدستوري وإمكانية تحقيقها فوزا ساحقا في بعض الجهات بالجمهورية.

كما عبر عن مخاوفه من حدوث عزوف للناخبين لتبقى نسبة الإقبال في حدود الـ 25 بالمائة، بسبب ما أسماه بانهيار الطبقة الوسطى الحاملة للمشروع الديمقراطي وعنصر التوازن والتعديل الاجتماعي، وأكد أن جميع نتائج سبر الآراء أكدت تراجع ثقة التونسيين في السلطة والأحزاب السياسية والأداء الحكومي بشكل عام.