كتاب عربي 21

نالوا من أحمد جرار فسقط رمزا وشهيدا

1300x600

منذ أن عرف الكيان الصهيوني منفذ العملية ضد رجل الدين الصهيوني المستوطن في الضفة الغربية وأجهزته الأمنية والعسكرية لا تهدأ ولا تستكين بحثا عنه. إنه أحمد نصر جرار ابن الشهيد نصر جرار الذي سبق للصهاينة أن أعاقوه برجليه ويده قبل استشهاده، وهدموا بيته. بنت العائلة بيتا جديدا، وهو البيت التي أقدمت طائرات الكيان الأمريكية على تفجيره بعد العملية التي نفذها أحمد والذي أعلن الصهاينة عن قتله قبل أن يتبينوا. لقد قتلوا ابن عمه الذي خرج على جنود الصهاينة بسلاحه وقتل أحد جنودهم وجرح آخرين. وقام الصهاينة بتفجير بيته أيضا، وتفجير بيت عمهما. رحم الله الشهيد وحمى الله شبابنا الذين يصرون على مواجهة العدوان.

 

منذ ذلك الحين، وأجهزة الأمن الصهيونية مستمرة في البحث والتدقيق والتحقيق، لقد لاحقت آلات التصوير المتوفرة في بيوت منطقة الحدث وفي المناطق البعيدة عنها لكي تلتقط رقم سيارة مسرعة، أو تسجل أرقام كل السيارات المارة على الطريق ساعة وقوع الحدث فتستدعي أصحابها للتحقيق. ونشرت قواتها على عجل على مختلف تقاطعات الطرق المؤدية إلى قرية صرة ومحيطها في منطقة نابلس، وشغّلت الحواجز الثابتة وقامت بشبه إغلاق للطرقات بين المدن الرئيسية في شمال الضفة الغربية وبعض جنوبها. وما زالت حتى الآن تشغل هذه الحواجز على الرغم من تخفيف الضغط على المواطنين المسافرين، وهي تقيم الحواجز الطيارة فجأة وتدقق في بطاقات هويات المسافرين رجالا ونساء وتتفحص السيارات عساها تجد شخصا في خزانة السيارة الخلفية، الخ.

 

وقد كان التشديد الأعظم يتم على منطقة وادي برقين وقرية برقين المجاورة. هناك مداهمات مستمرة للبيوت وتفتيشها بهمجية ورعونة واستخفاف بالناس من شتائم وسباب وألفاظ قذرة. ولم يوفروا أقارب أحمد فاعتقلوا بعضهم للتحقيق، وجل اهتمامهم أن يعرفوا عن أصدقاء أحمد والأماكن التي يرتادها عادة.

 

لقد لحقت بالناس إهانات كثيرة وإذلالا مرعبا على مدى سنوات طويلة، كان قرار ترامب بالنيل من القدس أضخم الإهانات، والأكثر استهتارا بالشعب الفلسطيني. وكان الشعب يبلع الإهانة تلو الأخرى دون أن يحصل رد يشفي الصدور قليلا، إلى  أن أنقذهم أحمد من تيه وضياع وبث فيهم مشاعر الأمل والقدرة على الانتقام والردع. لقد تعلق جمهور الفلسطينيين بأحمد لأنه بعث في نفوسهم الأمل والرجاء، وأشعل فيهم مشاعر البحث عن الذات في مواجهة عدو صلف متغطرس. كره الناس أحاديث المفاوضات العبثية، وملوا الاستماع إلى حل الدولتين، وأصبحوا على يقين بأن قضية فلسطين لا تحلها المؤتمرات والحوارات، ولا مفر من اعتماد المقاومة المسلحة لانتزاع الحقوق. تعرض الناس على مدى سنوات المفاوضات إلى كل أنواع الإذلال والإهانة، ولحقت بهم وبقضيتهم الوطنية الأضرار المريرة، وباتوا يدركون أن المفاوضات تقدم للصهاينة كل ما عجزوا عن تحقيقه من خلال فوهة البندقية. وبما أن الفصائل الفلسطينية لم تعمل على تغطية الفراغ الناجم عن غياب المقاومة، وجد الناس في أحمد من يملأ الفراغ.

 

كنا ندرك صامتين أن قدرات أحمد محدودة جدا أمام قدرات دولة مدججة بالسلاح وتستنفر كل طاقاتها في مطاردته. ومن تجاربنا كنا على وعي أن الصهاينة سينالون منه كما نالوا سابقا من العديد من المناضلين والمجاهدين. الصهاينة يملكون الكثير من وسائل جمع المعلومات المتطورة، ولديهم دائما آخر ما تنتجه التقنية الغربية من أدوات التنصت والتسمع والرؤية تحت أحلك الظروف. وفوق ذلك يجند الصهاينة العديد من العملاء والجواسيس على الأرض ليقدموا لهم أدق التفاصيل عن أحوال الناس ونشاطاتهم وحتى عن طرق تفكيرهم. وربما يكون هؤلاء العملاء أكثر أهمية من الأدوات التقنية لأنهم موجودون على الأرض وعند الحدث وبين الناس الذين يصنعون الحدث. والمؤسف، وكما اعتدنا، أن الإعلام الصهيوني ركز على دور السلطة الفلسطينية في تقديم المعلومات عن حركة أحمد، إلى أن قال أحد مسؤولي الصهاينة إن الجيش الصهيوني لم يكن ليقضي على أحمد بسرعة لولا تعاون أجهزة السلطة الفلسطينية.

ولهذا، وكما كررنا الكلام على مدى أكثر من أربعين عاما، المهمة الأولى أمام الفلسطينيين تتلخص في إقامة منظومة أمنية فلسطينية تستند إلى معايير أمنية صارمة هدفها تحقيق التحصين الأمني للشعب الفلسطيني والمقاومة. الصهاينة يحرصون بقوة على أمنهم ولديهم معايير أمنية صارمة، ويركزون دائما على جمع البيانات والمعلومات وتصنيفها والاستفادة الفورية منها. أما الجانب الفلسطيني فيستهتر بالقضايا الأمنية، ولم يحرص أبدا على تنظيف الساحة الفلسطينية من العملاء والجواسيس.

 

لقد قصمت الاختراقات الأمنية الصهيونية للفصائل الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني ظهورنا، وأفشلت جهودنا عبر الزمن وأوقعت بشبابنا ومجاهدينا. وبالرغم من كل الصرخات والصيحات، لم تلتف القيادات الفلسطينية إلى المسألة وكأنها كانت معنية باختراق الصهاينة لصفوفنا. القضية الأمنية يجب أن تكون على رأس سلم أولوياتنا، ومن المفروض أن نعد العدة لبنية أمنية تحتية، وتحويل الحرص الأمني إلى ثقافة وطنية شاملة يرعى الجميع معاييرها.