كتاب عربي 21

فنتازيا "انتخابية" (2)

1300x600

عتريس: بتدور فيهم عن مين؟ أده الدهاشنة واده انت واده عتريس. بتدور على مين؟

 

شعلان: كفر ميت، كفر أرانب..

 

عتريس: كفر عاقل وحكيم. شيء من الخوف ميأذيش..

 

هكذا خاطب عتريس/الجد ابن بلدته شعلان وهو يعزيه في وفاة أخيه الذي لم يكن قاتله غير عتريس ورجاله. عتريس لا يختلف هنا في شيء عن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي وهو ينعى ثورة الخامس والعشرين من يناير في ذكراها السابعة، ويضيف متحديا أن ما حدث قبل سبع سنوات لن يتكرر في عهده، والضمانة: الجيش. جيش تغنى ذات زمان أنه من حمى الثورة والثوار وأدى أحد رجالاته التحية العسكرية لأرواح الشهداء. لكن الزمن صار غير الزمن واليوم يوم تعداد "الإنجازات" في انتظار التتويج في "الانتخابات" ولو استدعى الأمر تصدير الخوف للأطفال في إعلانات التوجيه المعنوي على أمل صناعة جيل جديد من المخبرين يدينون بالولاء للشرطة والجيش من المهد إلى اللحد.

 

كان اعتقاد الانقلابي وحوارييه أن أربع سنوات من الترهيب والسجن والقتل والتهجير والنفي وتجريف الحياة الحياة السياسية وتأميم الأبواق الإعلامية كان كفيلا بتعبيد الطريق أمامه لولاية ثانية ستتبعها ثالثة ورابعة إلى ما شاء الله. لكن مفاجأته كانت كبيرة، على ما يبدو، وهو يواجه ترشيحات غير متوقعة من داخل صفوف "معسكره" رغم حملات التطهير والعزل التي باشرها على امتداد سنوات إبعادا لكل من اشتمت فيه رائحة الولاء لغير "الزعيم" الانقلابي. الانتخابات النزيهة المبنية على حرية الترشح والمنافسة هي كابوس كل ديكتاتور مستبد.

 

يصرخ شنن الجيوش مذعورا فيدخل عليه حاجبه إلى غرفة النوم مستفسرا عن سبب ذعر ولي نعمته الانقلابي.

 

حنفي: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الرحمن الرحيم. خير يا ريس؟

 

شنن الجيوش: كابوس، كابوس فظيع يا حنفي. حلمت أنهم ح يعملوا انتخابات رئاسية نزيهة يا حنفي.

 

حنفي: سلاما قولا من رب رحيم.

 

شنن الجيوش: دخل علي واحد اسمه صقر وسحب الكرسي من تحتي.. هو يشد وأنا أشد.. في الآخر راح شادد شده وسحب الكرسي من تحت مني وأنا وقعت.

 

حنفي: يا خبر أبيض.. طب وحضرتك عايزني أتصرف إزاي؟

 

شنن الجيوش: اطلب لي وزير الداخلية.

 

ثم ظهرت البنادق وهي ترمي رجالا مقيدين وترديهم قتلى في مجزرة جماعية، و"نجحت ثورة التطهير البيضاء نجاحا تاريخيا"، كما جاء في التعليق المصاحب لصور الجثث المرمية على كل جانب.

 

خطب شنن الجيوش في الشعب مدعيا أن "مرضا لعينا تفشى بين الصقور فاضطرت قواته إلى تطهير البلاد من كل الصقور حتى من حمل منهم الاسم فقط حرصا على سلامة الوطن"، تحت تصفيقات ومباركة "الشعب".

 

والمشهد من فيلم (الديكتاتور- 2009) للمخرج إيهاب لمعي.

 

في الواقع، لم تنفع الإعدامات ولا حملات "التطهير" من تدجين الفعل السياسي المتمرد بل زادت دائرة "الشر وأهله" لتتسع وتشمل فئات، لم يحددها السيسي، لكنها فئات كانت إلى وقت قريب في مأمن من "القوة الغاشمة" لعصابة الحكم. خوفه منها منبعه علاقاتها المتشعبة في دوائر النفوذ الداخلي وعلاقاتها المفترضة مع الخارج وهو ما يخشاه السيسي فتراه يستنجد كل مرة بكفلائه لعلهم يهرعون لنجدته بعد أن صار فعل الانتخاب العادي مسألة حياة أو موت بالنسبة إليه. الانقلابي يعلم أن ورقة التوت لا محالة ساقطة عنه في غياب منافسين. لكن أبواقه الدعائية استدعت "التاريخ" وألبست الحق بالباطل متحدثة عن شارل ديغول وتشرشل وجورج واشنطن وروزفلت ومانديلا الذين مروا من نفس الحالة "الشاذة". ليس الأمر بغريب فصحافة العهد السيساوي لم تتورع عن تحريف الآيات القرآنية وخطبة الوداع للرسول الكريم لتلبس صفات الأنبياء والمرسلين على مقاس الانقلابي، والخلطة السحرية عند إلهام شرشر، زوجة حبيب العادلي.

 

الفنتازيا الانتخابية صارت مكشوفة فاضطر السيسي لاقتباس ما يفهمه من دراسة امتدت نصف قرن في تعلم معنى الدولة فأزل عن ذاته صفة "السياسي" وانبرى متحدثا عن التفويض مقابلا للشرعية الانتخابية التي لا يفهمها كعسكري تربى على الطاعة والأمر. لكن اللوم يعود في الأصل على من تغنوا بالتفويض قبل سنوات أو سكتوا عن الحديث باسمهم وهم رافضون.

 

فيلم (شيء من الخوف – 1969) للمخرج حسين كمال

 

ترفض فؤاده توكيل والدها لتزويجها من عتريس/الحفيد بحضور الشيخين بسيوني وهنداوي. يجتمع الثلاثة على انفراد فمهمة إبلاغ عتريس بالأمر "انتحارية".

 

الشيخ بسيوني: لو قلتوا له أنها رافضاه حيقول أبوها ايلي مسلطها.

 

الشيخ هنداوي: إيوه.. بس احنا شاهدين أنه عمل ايلي في وسعه.

 

الشيخ بسيوني: وتفتكر يقبل؟

 

الشيخ هنداوي: يقبل بإيه؟

 

الشيخ بسيوني: ان أنا وانت نبقى شهود على رفضها ويسكت.. ان كرامته تتهان قدامنا ويسيبنا نخبر الناس ازاي فؤادة جابت راسه الأرض.

 

الشيخ هنداوي: وايه ايلي يخلينا نقول للناس؟

 

الشيخ بسيوني: وايه ايلي يخليه يصدق ان احنا مش حنقول؟

 

الشيخ هنداوي: نحلف له.

 

الشيخ بسيوني: انت راجل طيب.

 

الشيخ هنداوي: ومال فكرك بس نعمل ايه؟

 

الشيخ بسيوني: نقول له ان فؤادة وكلت أبوها.

 

الأب: بتقول ايه يا شيخ بسيوني؟

 

الشيخ بسيوني: هو انت مش أبوها؟

 

الأب: بس بكده العقد ميبقاش سليم؟

 

الشيخ بسيوني: ده شغلة المشايخ بقا.. انما احنا نعمل ايلي علينا.

 

الشيخ هنداوي: وهي ده عملة نعملها؟

 

الشيخ بسيوني: مش أحسن ما يقتل فؤاده؟

الأب: يعني ايه؟

 

الشيخ بسيوني: يعني وكلتك.

 

الشيخ هنداوي: ايوه.. وكلت أبوها.

 

والمشايخ صاروا يتحركون دون انتظار الإشارة فيعلنون من فوق المنابر أن منافسة ولي الأمر في الانتخابات حرام شرعا، داعين الشعب إلى السمع والطاعة ولو كان الحاكم مغتصبا للسلطة والبلد ومقدراتها. 

 

في ذات الوقت، يصرخ مغتصب السلطة على لسان عتريس/الحفيد: كل حاجة في حياتكم يا دهاشنة، كل ايلي عندكم ملكي.. حياتكم نفسها ملك إشارة من يدي. وتواصل الأبواق الإعلامية مهمتها في إلباس الحق بالباطل تهليلا ب"المحلل الانتخابي"، لزوم اكسسوارات المسرحية، كما في فيلم(ظاظا) حيث يجتمع رئيس التحرير بالمذيعة المعروفة:

 

رئيس التحرير: الرياسة ده محتاجة وعايزة تخطيط تاني وشخصية ثانية.

 

المذيعة: بالعكس، هو ده المطلوب. واحد الناس متعرفوش ومتقتنعش أنه يبقى رئيس. وفي نفس الوقت واحد إذا راح في ستين داهية ميهمناش. 

 

أما الشعب فقد عاد إلى الكنبة من جديد وب"مطالبات" من جبهة مدنية كانت في السابق تسمى جبهة إنقاذ. التغيير يتطلب الفعل السياسي الميداني والنخبة السياسية بمصر تدعو الناس للبقاء في البيوت. 

 

لأجل ذلك، يحكي الشعب سيرته على لسان سعيد ظاظا بالقول: المثل بيقول ابعد عن الشر وغني له.

 

واديك شايف الشعب كله ماشي بيغني، وهو الذي يعلم يقينا وعلى لسان رشدي ابن الشيخ إبراهيم في فيلم (شيء من الخوف): جاي من خراب ورايح خراب.. عتريس قايد في البلد حريقة.. جرارها لخراب.