صحافة دولية

ساينس مونيتور: هكذا تعيش نساء دوما في أروع صور للصمود

ساينس مونيتور: نساء دوما تواجهن صعوبات جمة في توفير الطعام لأطفالهن- أ ف ب

نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا لكل من لميس الزعبي ودومونيك سوغويل، تنقلان فيه صورة عن حياة مجموعة من النساء يحاولن العيش حياة طبيعية بقدر الإمكان، بالرغم من الحصار والمعاناة.

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "تلك النساء تواجهن صعوبات جمة في توفير الطعام لأطفالهن، وبالرغم من هذا فإنهن يجتمعن كل مرة في بيت إحداهن، ويحاولن التعاون والفرح معا، ومن شقة صباح كانت تصدر الموسيقى الناتجة عن الطبلة (الدربكة)، وكأنك لست في (بؤرة المعاناة الإنسانية) كما وصف مبعوث الأمم المتحدة الغوطة الشرقية".

 

وتنقل الكاتبتان عن صباح، التي تحدثت كغيرها ممن تمت مقابلتهن باسم مستعار؛ خوفا على الأقارب، قولها: "نحن محظوظون، أتألم على الأطفال الذين ولدوا تحت الحصار ولم يعرفوا سوى الحرب، نحن لدينا ذكريات جميلة تمنحنا القوة"، حيث أن صباح تركت حياة راغدة مع زوجها في دبي؛ لأنها أرادت أن تنضم إلى شعبها في الثورة ضد بشار الأسد

 

وتلفت الصحيفة إلى أن دوما مدينة محافظة، سكانها من طبقة العمال والطبقة المتوسطة، ولم تكن يوما مؤيدة لبشار الأسد، ولا لوالده من قبله، وفيصورة

2011 كان سكانها من أوائل المجتمعات المحلية التي تظاهرت ضد نظام الأسد، وقامت القوات الموالية للأسد بضرب حصار عليها منذ عام 2013، وحدت من حركة الناس والطعام والوقود والمساعدات والإمدادات الطبية. 

 

ويفيد التقرير بأن مجموعتين إسلاميتين مسلحتين تقومان اليوم بالتنافس على السيطرة على المنطقة، وتبقيان جبهة مفتوحة مع النظام، مشيرا إلى أن روسيا وإيران وتركيا توسطت للتوصل إلى اتفاق تهدئة في الغوطة الشرقية، حيث تقع دوما، وحيث لا يزال 400 ألف نسمة عالقين، لكن السكان يقولون إن الأيام التي تخلو من القصف والغارات الجوية هي الاستثناء.

وتذكر الكاتبتان أنه بعد أن تم تدمير بيت صباح، فإنها حولت شقة والديها في دوما إلى ملاذ آمن للنساء، ليصبح مكانا يجتمعن به ويتسلين معا حتى ولو لفترة قصيرة، بالإضافة إلى أنها تعمل مع مؤسسة خيرية لدعم الأرامل والمطلقات والأمهات الوحيدات، حيث يجتمعن ويتحدثن في السياسة، وتطور الأوضاع والأسعار، ويتبادلن الوصفات التي تأخذ بعين الاعتبار قلة السلع المتوفرة في مدينة محاصرة، ويقلقن كيف سيطعمن أطفالهن في منطقة تصل فيها نسبة سوء التغذية الحادة بين الأطفال تحت سن الخامسة إلى حوالي 12%، بحسب الأمم المتحدة.

 

وتورد الصحيفة أن شمس، التي كانت تدق على الطبلة، التقت بصباح في 2011، عندما أتت لتأخذ منها مواد طبية، وكانت نساء الغوطة في ذلك العام يلتقين معا لتنظيم المظاهرات، ولنقل الأدوية للمستشفيات الميدانية عادة في شنطهن، ويوزعن المواد الغذائية على العائلات المحتاجة.

 

وينقل التقرير عن شمس، قولها إنه قبل ذلك كانت الحياة "بسيطة وتفتقر إلى الحركة"، حيث كانت تعيش مع والديها، وكانت توزع أيامها بين العمل الاجتماعي وبين حياكة أغطية الطاولات، ولم تهتم بالسياسة حتى شهدت مداهمات الأمن العشوائية في حارتها.

 

وتضيف شمس للصحيفة أنه لحسن الحظ أن ضابط أمن غض الطرف عن ابني عمها، اللذين يعيشان في البناية ذاتها، وعمرهما يعني أنه يمكن أخذهما للخدمة العسكرية، في الوقت الذي تم فيه ضرب شباب آخرين وتحميلهم في السيارات، وتقول: "علمت حينها أنهم (النظام) لا يعاملوننا بصفتنا بشرا.. ونحن رأيناهم على حقيقتهم".

 

وتنوه الكاتبتان إلى أن الإهانات تزايدت في الكم والشراسة، ففي إحدى المرات أمر جندي ينصب مدفعا رشاشا على حاجز، والدة شمس بأن تجري، محذرا إياها بأن المدفع قد يبدأ بإطلاق النار من ذاته، وتقول شمس من خلال برنامج اتصال، وهي الطريقة التي استخدمت لمقابلتها ومقابلة النساء الأخريات: "لك أن تتخيلي عندما يتم إخبار شخص بأنه هدف.. لا يمكنك أن تحمل هذا، كما لا يمكنك تحمل أن هؤلاء هم من يتحكم بحياتك".

 

وتستدرك الصحيفة بأنه مع أن النساء يتشاركن لحظات فرح ومرح، إلا أنهن أيضا يتشاركن أسوأ مخاوفهن، مثل أن تخرج إحداهن لقضاء حاجة ولا تعود، أو أن تعود لبيت قد هدم على أهلك.

 

ويشير التقرير إلى أن سارة، البالغة من العمر 27 عاما، تعمل في مدرسة ابتدائية، التي تبدأ مبكرا كباقي المدينة؛ للقيام بأكبر قدر من العمل قبل أن تبدأ الطائرات تحوم في أجواء المدينة، حيث تبدأ بإعطاء الدروس في السادسة صباحا، وهي تعلم الصف الأول الابتدائي، ويضم 30 طالبا، كثير منهم يعاني من صعوبة في التعلم؛ بسبب الصدمات التي أصيب بها جراء الحرب، لافتا إلى أن المدرسة طورت نظام إنذار، بحيث يقوم الأطفال والمدرسون بالاختباء في ملجأ تحت الأرض، إن كان هناك قصف أو غارات.

 

وتقول سارة للصحيفة: "أذهب للعمل ولا أدري إن كنت سأعود أم لا، وأسوأ من ذلك، إن كنت سأجد بيتي سليما وأخوتي أحياء إن استطعت الرجوع.. عندما يقع القصف في المدرسة فإن قلقنا يكون مضاعفا، إنه أمر مخيف لأننا نخشى على سلامة الأطفال ونقلق كيف سيصلون إلى بيوتهم".

وتقول الكاتبتان إن "الظروف تسببت بصدمات لا تحصى لسكان الغوطة، بحيث يمكن لتلك النساء أن يتحدثن لأيام عن تلك الصدمات: أول مرة تمت مداهمة بيونهن، أول مرة قطعن حاجزا، أول مرة رأين شخصا قتله قناص، أو كيف استخدمن الأنفاق للخروج من دوما وشراء بعض الحاجيات، أو زيارة الأقارب قبل أن يقوم النظام بتدمير تلك الأنفاق".

وتلفت الصحيفة إلى أن "تلك النسوة تعلمن كيف يتعاملن مع الحياة تحت الحصار، حيث تقول صباح بشيء من المزاح، إن قوة النساء في دوما تأتي من التعامل مع رجال عنيدين محليا، كما تأتي من كون المرأة تؤدي دورا مهما في الاقتصاد المحلي، ففي الماضي عندما كانت دوما في غالبها أراضي زراعية كانت المرأة تشارك في حرث الأرض وزرعها مع الرجال، وكانت تقوم بالنسج عندما لا يكون موسم الحصاد، واليوم وبالرغم من الحصار فإن المرأة نشيطة".

 

وبحسب التقرير، فإن صباح تشعر بأنها محظوظة؛ لأن لديها مولدات كهرباء تكفي للإنارة وشحن الأجهزة، وإن كانت لا تكفي لتشغيل ثلاجة، مستدركا بأنه مع أن أسعار الوقود مرتفعة، إلا أن صباح لا تتردد في استخدام القليل الذي لديها لتشغيل السماعات والهاتف لسماع بعض الأغاني، فـ"الذكريات الجميلة وحدها لا تكفي للاستمرار في الحياة بل هناك حاجة لذكريات جميلة جديدة". 

 

وتقول سارة إنها مستعدة للذهاب إلى بيت صباح في أي وقت للتسلية، حتى لو كان هناك قصف، مشيرة إلى أن أجمل ذكرياتها تحت الحصار كان عرس لمى ابنة صباح، الذي تم العام الماضي في يوم كان حافلا بالقصف.

 

وتنقل الكاتبتان عن سارة، قولها إنه خلال تسريح شعر العروسة قام رجال الإطفاء بإطفاء حريق في البناية المجاورة، وكانت الطائرة تحوم في الجو، في الوقت الذي كانت فيه لمى في السيارة متجهة إلى قاعة الأعراس، مستدركة بأن ما حصل أن أحد عجلات السيارة خرق وكان يجب تغييره، وخشيت لمى أنها لن تصل إلى القاعة في الوقت المحدد، ولكنها وصلت لتجد القاعة مليئة بالمحتفلين.

 

وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أن لجنة الحسبة التابعة لفصائل الثوار الإسلامية لم تسمح للعريس بدخول القاعة، وسمح له بأن يبقى على الباب هو وأصدقاؤه، ومع هذا استمر العرس وغنى النساء والرجال، وفرحوا بالعروسين.