قضايا وآراء

اللاهثون وراء السراب

1300x600
يهل علينا مطلع العام الثامن من ثورة 25 يناير؛ وشعبنا مشغول بمسرحية هزلية تدفع الجميع للتخلي عن الثورة والتحرك في الاتجاه المعاكس. ويبدو أن مقالي السابق، "عبادة العجل"، كان مقدمة غير مقصودة لهذا الأمر، فقد قارن المقال بين الواهمين بأن تغيير الصور والدمى الممسوخة سيغير من الأمر للأحسن. وورد في المقال: "... ويتشدق البعض بحملة عزل ترامب، متناسين أن ترامب ما هو إلا سلسلة من السلاسل وذيل للحية وأحد أدوات الإله العجل، وإن عُزل سيحل محله نائبه الأشد عنصرية وتبعية للصهيونيه العالمية، إن من يتصور أن تغيير ترامب سيغير من الأمر ليس إلا ذات الشخص الواهم بأن استبدال السيسي سينعش مصر ويحقق العدل...".

ولم تمضِ على هذا المقال إلا أيام معدودة، وإذا بذات الواهمون يعلنون سعادتهم وابتهاجهم، بل وتأييدهم للفريق سامي عنان، رأس الحربة للثورة المضادة، بل وأحد القيادات المعينة بمعرفة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ولا يخفى أنه رجل المملكة في مصر، وما أكثر رجالها.

وليس الغريب في الأمر تأييدهم لعنان وحسب، بل أنهم توهموا أن هناك انتخابات في مصر تحت ذلك الحكم الفاشي الذي أغلق كل أبواب الديمقراطية يوم انقلب على الديمقراطية الوليدة، وأطاح بالرئيس المنتخب، وسيطر على الإعلام، وكمّم الأفواه، وجعل من القضاء دمية، وقتل من قتل، فأصبح - وبلا شك - مثالا حيا للفاشية.

ليس من شأننا البحث في لماذا ترشح عنان، فلا يعلم إجابة ذلك السؤال إلا هو، ولن أشارك في حوار التكهنات حول مصير اللعبة الهزلية المسماة بالانتخابات الرئاسية، وهل سيفرج عنه أم يتم التخلص منه. ولكن ما يعنيني في الأمر هي الثورة المصرية، بل والثورة العربية الشاملة، والتي ولا شك هي طريق الخلاص. بل وأعتقد أنها الطريق الوحيد لتحقيق الحرية من تلك العصابة المدمرة لحاضرنا ومستقبلنا.

حتى وإن سلمنا جدلا بوجود معركة انتخابية، فهي معركة داخل المنظومة بين أقطاب الفساد، فساد الدولة العميقة وفساد الانقلاب وفساد جيش كامب ديفيد، سواء كان ذلك عنان أو غيره. فالوقوف بجانب أحد أطراف هذه المنظومة هو طعن للثورة وطعن لمصر وشعبها، وحقن النظام بإكسير الحياة، وإنقاذه من الموت غرقا في قاع الفساد الذي تفننوا في تأصيله عبر عقود ما قبل الثورة وما بعدها، وحتى يومنا هذا.

سيقول البعض: عنان خير من السيسي، ويقول آخر إن أي شخص خير من السيسي.. ويتناسون أن المنظومة واحدة، وأن تأييد أحد أطراف هذه المسرحية الهزلية هو بمثابة إقرار بحق قوى الفساد المحلية والعربية والدولية، بل والكيان الصهيوني، في اختيار من يكون رئيسا لمصر، رئيسا يتميز بالطاعة العمياء لأعداء الأمة، ومصدر تخلفها وسقوطها من سلم الحضارة.

بالإضافة لذلك، فقد خرج علينا البعض بادعاء غريب، ألا وهو أن عنان شعاره ثورة يناير، وتعهد بإعادة محاكمة أعداء الثورة! من سيحاكم من؟ واضح أن ثورة يناير أصبحت شعارا للمزايدة؛ يتحدث بها الجميع ويطوعونها وفق هواهم، متناسين أنهم بذلك يحققون هدف الانقلاب الأكبر، وهو ألا يُسمح للشعوب بأن تختار من يحكمها، ويكبلوا طموح الشعوب ليبقى محصورا في تطلعه لتحسين ظروف العبودية بمرشح محتمل لكونه مدعوما خليجيا، وهذا عكس ما يطمح له الشعب الساعي للتحرر الحقيقي.

إن تمييع المواقف والمشاركة في معارك داخلية أطرافها أعداء الثورة وأعداء الشعب، معترك انقلاب 30 حزيران/ يونيو 2013، بل ودعوة الشعب للمشاركة في معركة تخيلية هي دعوة انتحار جماعي، معركة ستسفر عن منح القاتل جائزة لجريمتة، وحرمان الضحية من حق القصاص. حقا لقد بات عدونا داخلنا يبيع أهله وأرضه وعرضه لقاء فضلات الموائد.

ويظن البعض أن تجارب دول مثل شيلي والارجنتين وإسبانيا في التدرج من الديكتاتورية إلى الديمقراطية؛ هو المسار الوحيد، ولكنهم يتناسون أن هذه الشعوب عاشت مراحل نضال طويلة؛ حتى أجبرت الانقلابيين (العسكر) على الاستسلام بغية الخروج الآمن للبعض ومحاكمة البعض، ولم يكن الأمر مجرد تغيير فرد من داخل المنظومة.

عنان، أو أي دمية عسكرية أو حتى مدنية لا يمثلون الحل، وكيف ذلك وهم أصل المشكلة؟ فلن تتحرر شعوبنا إلا بإهمالهم وإهمال لعبتهم، والسير في طريق الخلاص الوحيد ألا وهو الثورة العربية الشاملة.