صحافة دولية

فورين أفيرز: كيف تتطور استراتيجية "داعش" رغم هزيمته؟

فورين أفيرز: خسر تنظيم الدولة مناطقه لكنه يطور استراتيجيته- أ ف ب

نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للمدير السابق في وكالة الاستخبارات القومية الأمريكية مايكل ديمبسي، يقول فيه إن تنظيم الدولة عانى من هزيمة على يد أمريكا وحلفائها، وصلت إلى ذروتها عندما سقطت عاصمة التنظيم، مدينة الرقة في سوريا.

 

ويقول ديمبسي: "اليوم لا يسيطر التنظيم على أي مركز مدني رئيسي في العراق ولا في سوريا، لكن هذا لا يعني أنه لم يعد يشكل تهديدا كبيرا، فمع انتهاء حكم التنظيم تطورت تكتيكاته، فالأكثر احتمالا أن يتجنب التنظيم المواجهات الكبيرة، ويلجأ بدلا من ذلك إلى الهجمات الإرهابية في الشرق الأوسط ومناطق الصراع الأخرى، وعلى سياسة الغرب وأمريكا أن تتغير بسرعة لمواجهة التهديد المتطور على مستوى عملياتها في المنطقة، وعلى مستوى أولويات مكافحة الإرهاب في عقر دارها".

 

ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "التنظيم يفضل بشكل متزايد القيام بعمليات انتحارية معزولة وعمليات الكر والفر؛ من أجل الحفاظ على أهميته عسكريا، وفي بدايات شهر كانون الثاني/ يناير، نشر التنظيم قائمة يحتفل بها بحوالي 800 هجوم من هذا النوع في عام 2017، بما في ذلك هجمات ضد الجيش العراقي (500 هجوم)، والقوات الكردية في سوريا (136) ونظام الأسد وحلفائه (120)، بالإضافة إلى عشرات الهجمات ضد المعارضة السورية المعتدلة". 

 

ويجد ديمبسي أنه "مع أن الكثير من تلك الهجمات حصلت خلال عمليات تحرير الموصل والرقة، فإنه من الواضح أن قيادات تنظيم الدولة تنظر إلى هذا النوع من الضربات على أنها أفضل خيارات التنظيم في الحرب للمستقبل المنظور، وفي الواقع فإن هجوم التنظيم بالطائرات دون طيار على المرافق العسكرية الروسية في سوريا هو مثال صلب آخر على رغبة التنظيم بإلحاق أكبر قدر من الأذى على الأعداء، وفي الوقت ذاته فإنه تجنب الصدام العسكري على مستوى واسع، وحتى التنظيم ذاته يدرك بأن زمن السيطرة على المدن وحكمها قد ولى".

 

ويلفت الكاتب إلى أنه "في الخارج هناك ثمانية فروع تتبنى تكتيكات مشابهة، ففي أفغانستان -خاصة في كابول- قام مقاتلو تنظيم الدولة بعدة عمليات انتحارية، وقام عدد من المتطرفين يرفعون علم تنظيم الدولة في مصر الشهر الماضي، بهجوم (كر وفر) ضد مسجد صوفي في شبه جزيرة سيناء، ويعتقد أنه كان الهجوم الأكثر دموية في تاريخ مصر الحديث، حيث ذهب ضحيته أكثر من 300 شخص، وفي هذا النوع من الهجمات فإن هدف التنظيم الأهم هو إظهار إمكانيات التنظيم التنفيذية، وشجاعته في استهداف المجموعات الدينية، ووضع نفسه في موقع المدافع عن الدين".   

 

ويبين ديمبسي أنه "مع هذه التغيرات في التكتيك فإن هناك انتقالا في استراتيجية الرسائل العامة الصادرة عن التنظيم، فعلى مدى معظم الثلاثة أعوام الماضية، قامت المجموعة بتشكيل خطابها العام حول أهمية وجود خلافة وواجب المسلمين في دعمها، ومنذ سقوط الرقة والموصل في أواخر العام الماضي كان من الواضح أن التنظيم عانى في توليد رسالة جديدة، وتبنى رؤية أكثر سوداوية". 

 

وتورد المجلة نقلا عن تشارلي ونترز ما كتبه في عدد الشهر الماضي من "وايرد يوكي"، بأنه تم في الأشهر الأخيرة إسكات حوالي ثلاثة أرباع المؤسسات الإعلامية التابعة للتنظيم، والبالغ عددها 40، وأن 92% من إعلام التنظيم يدور حول الحرب، أي أن خسارة التنظيم لملاذاته الأمنية شل ذراعه الإعلامي، وأصبح التنظيم أقل تركيزا على جذب الأتباع ليعيشوا في ظل حكمه، وأكثر تركيزا على مهاجمة من ينظر التنظيم إليهم على أنهم أعداء، مشيرة إلى أنه "مع أن تقلص هذا الوجود على الإنترنت تطور إيجابي، إلا أن تشجيع التنظيم على العنف العشوائي في أنحاء العالم أمر مقلق".

 

ويرى الكاتب أن "هناك عدة سياسات خلاقة يمكن لأمريكا وحلفائها اتباعها لمواجهة التهديد المتطور، أولا، يمكن لواشنطن أن تضاعف جهودها لتحسين الإمكانيات العسكرية والاستخباراتية للبلدان الحليفة، خاصة البلدان التي يسعى التنظيم للتوسع فيها، مثل مصر وليبيا، وقد يتضمن الدعم الأمريكي، اعتمادا على استعداد البلد تقديم ضمانات لاحترام حقوق الإنسان، تدريبا محسنا على مكافحة الإرهاب، وأجهزة اتصال، وجمع معلومات، وربما توفير صور جوية لمواقع تنظيم الدولة، وتوسعة مشاركة المعلومات، بما في ذلك معلومات تجمع من المخابرات الأمريكية أو مخابرات حلفائها".

 

ويفيد ديمبسي بأنه "مع خسارة التنظيم لمعقله في الرقة، حيث كان يخطط ويوجه مركزيا للهجمات الخارجية والمنسقة (مثل هجمات بروكسل 2016 وباريس 2015)، فإنه سيشجع بدلا من ذلك على سلسلة من الهجمات (المستوحاة) ويتبناها، وتكون شبيهة بتلك التي وقعت في مدينة نيويورك في أواخر العام الماضي، ومع هذا التحول يجب على أمريكا أن تغير من جهودها لمكافحة التطرف، وتنظر إلى أهمية التطرف على الإنترنت، وتزيد من التعاون في هذا المجال بين المجتمعات المحلية والسلطات الفيدرالية، وقد تركز على التدريب على الإنترنت على كيفية اكتشاف المؤشرات الأولية للتطرف". 

 

ويذكر الكاتب أن "بعض المنظمات الخاصة تقوم بجهد جيد في هذا الحقل، فمثلا وحدة الجقسو (الأحاجي) في (غوغل)، تحاول التعرف على الأشخاص، بناء على ملفاتهم الشخصية على الإنترنت، ومن يبدو أنهم داعمون وإن لم يكونوا أصبحوا متطرفين رسميين، وتحويلهم إلى محتوى معاد للجهادية، ويمكن لأمريكا أن تساعد هذه الجهود بعد التأكد من أن المحتوى البديل يبرز أعمال علماء مسلمين يفندون سردية تنظيم الدولة العنيفة والمظالم التي يدعيها".   

 

وينوه ديمبسي إلى أن هناك "خيارا سياسيا آخر، هو زيادة الدعم الإنساني لدعم التعليم، حيث تؤدي قلة تعليم الشباب في مخيمات اللاجئين في الشرق الأوسط إلى جعلهم عرضة للتطرف، وتظهر الإحصائيات الأخيرة أن معدل اللجوء الآن أصبح 10 سنوات، وأن التعليم في هذه الأماكن محدود جدا، وأي تقدم يمكن لواشنطن أن تحرزه في هذا المجال سيمنع من خلق جيل ضائع في الشرق الأوسط، وكثير منهم عندما يواجه صعوبة التوظيف بسبب قلة التعليم قد يكون قابلا للتجنيد من التنظيمات الإرهابية، وبدلا من محاولة معالجة المشكلة من جانب واحد، فإنه يجب على أمريكا توسيع دعمها لجهود الأمم المتحدة في هذه المنطقة، وفي الواقع فإن الأمم المتحدة تعمل بقوة للشراكة مع الحكومات؛ لتوفير مستوى جيد من التعليم لملايين الأطفال اللاجئين بين سن الخامسة والسابعة عشر".

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول: "أخيرا فإنه قد يكون من الحكمة أن تتحسس واشنطن بحذر عند تبنيها رسائل، وكأنها مصممة خصيصا ليستخدمها المتطرفون في دعايتهم، ففي الأسابيع الأخيرة انتقد المتحدثون باسم تنظيم الدولة بشدة المسلمين الآخرين؛ لعدم دفاعهم بقوة عن الحقوق الفلسطينية، ويدعي التنظيم أن الغرب يهاجم هذه الحقوق، مستخدما مشاعر المسلمين تجاه هذه القضية وسيلة للتجنيد".