كتاب عربي 21

هل الإسلاميون صدر كل بلاء؟!

1300x600

ألفة يوسف، باحثة تونسية تتميز بالجرأة والجدية في الكثير من أبحاثها، مثل كتابيها "حيرة مسلمة" و"ناقصات عقل ودين". ورغم أنها بقيت بعيدة عن الشأن السياسي والحزبي، إلا أنها أقدمت بعد الثورة على خوض تجربة حزبية لم تكن موفقة. قامت بما فعله عديد المثقفين والجامعيين، عندما التحقت بحزب نداء تونس وانحازت إلى الرئيس الباجي قايد السبسي.

فعلت ذلك اعتقادا منها بأن هذا الحزب سيشكل القوة الحزبية الرادعة للتخلص من حركة النهضة؛ التي صعدت بقوة بعد 14 كانون الثاني/ يناير 2011. لكن هذه الأستاذة الجامعية لم تستوعب، مثل العشرات من زملائها، التحول الكبير الذي حصل في الخط السياسي للحزب وقيادته، وتمثل ذلك في الانتقال من موقع الخصم العنيد لحركة النهضة والمبشر بإنهائها سياسيا، أو على الأقل إبعادها عن الحكم إلى موقع المتحالف معها، بل والمعتمد عليها لإدارة الأوضاع في البلاد، بعد أن احتلت الحركة المرتبة الثانية في البرلمان المنتخب في سنة 2014. لم تتحمل هذه السيدة أن ترى نفسها في حزب يتعاون مع خصمها الأيديولوجي والسياسي، فقررت في خطوة شجاعة أن تستقيل من حزب نداء تونس، وأن تعتذر من مؤسسه، وفضلت العودة إلى الاستقلالية الحزبية في انتظار لحظة التخلص من هذا الكابوس الذي تمثله - حسب وجهة نظرها - قوى "الإسلام السياسي"، بدءا من السلفيين، وصولا بالخصوص إلى حركة النهضة.

في الوقت الذي اشتعلت النيران بأكثر من مدينة وقرية احتجاجا على الميزانية التي أقرها البرلمان/ وشرعت حكومة الشاهد في تنفيذها، وخلال اللحظة التي اتسعت فيها رقعة الاحتجاجات لتشمل مختلف مناطق البلاد، ظنت ألفة يوسف أن ما يجري يدل على قرب نهاية حركة النهضة وحلفائها. وعلى هذا الأساس، سارعت في القول: "قلناها من زمان: هم راحلون.. الإخوان ومن كان وراءهم من الطبقة السياسية لما بعد 14 (كانون الثاني) جانفي..الثمن لا بد أن يدفع للأسف.. الآتي نظام قوي محترف ووطني.. أيام أو أسابيع بعدها الفرج بإذن الله.. ليس هناك حل آخر.. تونس كطائر الفينيق تنبعث من رمادها".

 

هناك تسرع في التقدير واعتقاد خاطئ بأن العقدة الحالية للوضع الراهن في تونس تكمن في وجود النهضة داخل أجهزة الدولة


هذه الفقرة القصيرة والواضحة تحتاج إلى وقفة هادئة؛ لأنها في العمق لا تعبر فقط عن وجهة نظر صاحبتها، وإنما تعكس أيضا قناعة جزء لا بأس به من مكونات النخبة التونسية.

أختلف مع الذين يتبنون هذا التحليل وهذا الرهان، وذلك انطلاقا مما يلي:

- هناك تسرع في التقدير واعتقاد خاطئ بأن العقدة الحالية للوضع الراهن في تونس تكمن في وجود النهضة داخل أجهزة الدولة، وأن البلاد ستصبح بخير إذا تم إخراجها من السلطة وفك ارتباطها ببقية مكونات الائتلاف الحاكم. هذا منهج قاصر في التحليل؛ لأنه يختزل الوضع في بعد واحد. المشكلة القائمة حاليا أكبر وأعقد من ذلك بكثير.

 

يقع الخلط بين الدولة القوية التي تستمد قوتها من تنفيذ القانون؛ وبين استناد النظام على القمع لتأديب الخصوم وتحجيم المعارضة

- هناك من يعتقد بأن التخلص من الإسلاميين لن يكون إلا عبر العنف، وليس عبر الوسائل الديمقراطية. هذا منهج خطير؛ لأنه يستند على فرضية خاطئة، كما أنه يقدم ضمنيا وصفة ثبتت مخاطرها، سواء في تونس أو في غيرها من دول المنطقة. فاعتماد منهج عنف الدولة لا يعالج الحالة، وإنما يزيد في تعقيدها وتشويهها، كما من شأنه أن يدمر أشياء كثيرة في غياب أي ضمانات لبناء مستقبل أفضل للتونسيين.

- الاعتقاد بأن البديل بعد رحيل الإسلاميين - كما ورد في النص - يكمن في "نظام قوي محترف ووطني". وهناك تكمن المعضلة ويسكن الشيطان؛ لأن النظام القوي يفهم في هذا السياق سلطة قادرة على اللجوء إلى الوسائل الاستثنائية. وفي هذا السياق يقع الخلط بين الدولة القوية التي تستمد قوتها من تنفيذ القانون؛ وبين استناد النظام على القمع لتأديب الخصوم وتحجيم المعارضة. وهنا لا يصح تبشير التونسيين بأن الدكتاتورية هو البديل للدفاع عن مصالحهم.

لا خلاف حول صعوبة الوضع، خاصة في بعده الاقتصادي، لكن على المثقفين، وخاصة المجتهدين منهم أن يحذروا التورط الوهم. أزمة تونس أوسع بكثير من الاستمرار في انتظار معركة الحسم ضد الإسلاميين.