صحافة دولية

لماذا تدعم ألمانيا نظام السيسي بتزويده بالأسلحة؟

ماركوس بيكل: هناك تعاون غير أخلاقي بين ألمانيا ومصر- أ ف ب

نشرت صحيفة "تاغس تسايتونغ" الألمانية مقال رأي للكاتب ماركوس بيكل، سلط فيه الضوء على صادرات ألمانيا من الأسلحة، الموجهة إلى مصر. وهو ما يؤكد أن ألمانيا لم تعد تهتم بحقوق الإنسان التي يجري انتهاكها بصفة يومية من قبل نظام السيسي.
 
وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن مصر اشترت أسلحة من ألمانيا سنة 2017 بقيمة 428 مليون يورو بزيادة سبعة بالمائة عن السنة الماضية، لتكون هذه الصفقة الأضخم من نوعها بين البلدين في التاريخ. وللمرة الثانية، يدخل نظام عبد الفتاح السيسي إلى قائمة أكبر خمسة مستوردين للأسلحة الألمانية، على الرغم من وجود عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين، بالإضافة إلى الاختفاء القصري للعديد من المعارضين، وهي ممارسات اشتهرت بها قوات الأمن المصرية.
 
وأفاد الكاتب بأن السبب وراء "التعاون غير الأخلاقي" بين برلين والقاهرة، هو منع عشرات الآلاف من المصريين من الهجرة نحو أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط. وفي هذا الصدد، وقع كل من وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، ونظيره المصري، سامح شكري، اتفاقية تخص "الحوار الثنائي بشأن الهجرة"، ويعتبر ذلك نوعا من التعاون مع أجهزة الأمن المصرية المسؤولة عن التعذيب والقتل بما يخالف القانون.
 
وأشار الكاتب إلى أن خوف ألمانيا من هجرة المصريين نحو أوروبا يرجع إلى الوضع الاقتصادي المتدهور الذي يعيشه قرابة 90 مليون مصري. فبعد خمس سنوات من الانقلاب العسكري، لم تر مصر إلا مزيدا من التضخم والفقر. وقد تبخرت جميع أحلام المصريين حول مستقبل مصر الذي وعد به السيسي سنة 2013. كما تعد ألمانيا من أكبر المساهمين في نجاح السيسي في الانتخابات الرئاسية القادمة، نتيجة دعمها للقمع الذي قضى به عبد الفتاح السيسي على جميع معارضيه.
 
واعتبر الكاتب أن المكاسب المادية التي تجنيها ألمانيا من صناعة السلاح أصبحت أهم من حقوق الإنسان عند المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، ونائبها زيغمار غابرييل. والجدير بالذكر أن مصر نالت الحصة الأكبر من صادرات ألمانيا من صواريخ طراز "330 جو- جو" المصنعة في شركة "ديهل ديفينس" الألمانية لصناعة الذخيرة، فضلا عن شراء غواصة بحرية من شركة "تيسين كروب" لصناعة الأسلحة البحرية. وقد وافق مجلس الأمن الاتحادي برئاسة ميركل على هذه الصفقات.
 
وأبرزت الصحيفة أن استخدام السلاح الألماني لا يقتصر على الداخل فحسب، بل يمتد إلى خارج حدود مصر. وفي الحقيقة، يشكل نظام السيسي، إلى جانب أشقائه في السعودية والإمارات، محور الثورة المضادة في الشرق الأوسط الذي يسعى إلى عودة الأوضاع إلى نصابها قبل الربيع العربي من اليمن وحتى ليبيا. ففي خليج عدن، تقاتل البحرية المصرية جنبا إلى جنب مع الرياض ضد الحوثيين في اليمن، بينما تستخدم الإمارات قواعد عسكرية مصرية من أجل تنفيذ هجمات على مواقع داخل ليبيا.
 
وأوضح الكاتب أن العديد من الشركات الألمانية لصناعة الأسلحة، على غرار "راينميتال" و"كروس مافي فيغمان" وشركة إيرباص، بالإضافة إلى "ديهل ديفينس" و"تيسين كروب"، تستفيد من بيع الأسلحة للمناطق بؤر التوتر. وتستغل هذه الشركات تساهل السلطات الألمانية في الرقابة على صادرات السلاح، والتي من المفترض أن تمنع تصديره إلى الدول التي تنتهك حقوق الإنسان.
 
وأورد الكاتب أنه منذ بداية حرب اليمن سنة 2015، اشترت مصر من ألمانيا أسلحة بقيمة 850 مليون يورو، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي فرض حظر تصدير السلاح إلى مصر بعد أن قتل نظام السيسي قرابة 800 متظاهر في آب/ أغسطس سنة 2013. وفي الواقع، لم تستفد ميركل وغابرييل كثيرا من مصر منذ الانتفاضة ضد مبارك سنة 2011، حتى جاء السيسي الذي يصدر للعالم الخوف والقتل والركود الاقتصادي على أنه مظهر من مظاهر الاستقرار.
 
وبيّن الكاتب أن المبرر الألماني المعلن خلف تصدير الأسلحة لمصر، هو محاربة تنظيم الدولة حتى لا تغرق البلاد في فوضى غير محمودة العواقب. وبدلا من أن يدعم غابرييل منظمات المجتمع المدني في مصر، صرح في لقائه الأخير في القاهرة بأن "السيسي رئيس مثير للإعجاب".

 

ولكن السياسة الحقيقية، التي يجب أن تتبناها ألمانيا، هي أن محاربة الإرهاب لا يمكن أن تغفل عن حقوق الإنسان. كما اتضح أن التعامل بالعنف وحده لا يجدي نفعا مع المسلحين في سيناء. وقد بدا ذلك جليا في الهجوم الأخير على مسجد الروضة، حيث أصدر الرئيس المصري تعليمات بالتعامل الوحشي مع الإرهابيين.
 
وأشار الكاتب إلى أن العنف هو الأسلوب الوحيد الذي ينتهجه السيسي في سيناء منذ الانقلاب على الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، سنة 2013. وبدلا من التفكير في طريقة أخرى بعد أن ثبت فشل سياسة العنف، اتجه السيسي إلى توسيع دائرة العنف داخل سيناء.
 
وقال الكاتب إن الحكومة الألمانية تستطيع بعد سبع سنوات من اندلاع الثورة في مصر أن تعلن عن تضامنها مع الثوار المصريين، الذين أصبحوا بين مهاجر ومعتقل. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الوقف الفوري لتعاملها مع نظام السيسي.