قضايا وآراء

حتى لا ننسى أننا فقراء أوي!

1300x600
طالما أنه لا صوت يعلو الآن فوق صوت الاحتفالات بالتأهل لكأس العالم (روسيا 2018) بعد الفوز الصعب (بدعاء الوالدين) على الكونغو، فلا بد أن نحيطكم علما بأنه قد تم رفع راتب المدير الفني الأجنبي من 72 ألفا إلى 90 ألف دولار (أكثر من مليون ونصف المليون جنيه) شهريا، فضلا عن 500 ألف دولار (حوالي 9 ملايين جنيه) أخرى كمكافأة للتأهل. وطبعا الشعب هو من دفع ثمن فرحته من قوته ودمه.

يتعمد السيسي استفزاز غالبية المصريين المطحونين في دوامة الحياة، يعانون شظف العيش، في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار جميع الخدمات كل يوم، حتى انحنت ظهورهم في صراع البقاء على قيد الحياة تحت حكم نظام يعايرهم كل يوم بالأمن والأمان على طريقة "مش أحسن من سوريا والعراق"، وأنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، وكأن الفقر قدر مقدورا على الشعب المصري إلى يوم الدين.

في كل مرة يثبت نظام السيسي أنه يكذب كما يتنفس، فكيف نصدق أننا "فقراء أوي"، كما يدعي، في الوقت الذي تتساقط فيه الملايين على رؤوس أذرعه ومحاسيبه من القضاة والإعلاميين وكبار ضباط الجيش والمخابرات والشرطة ولاعبي كرة القدم والفنانين، فضلا عن صفقات السلاح المليارية الدولارية (لاحظ الاتفاق على صفقة سلاح روسي بثلاثة مليارات دولار تزامنا مع احتفال السيسي بالمنتخب الصاعد للمونديال)؟! فالأمر يحتاج فقط لتغليب العقل والمنطق دون مكابرة أو لاعتبارات الانحيازات الأيدلوجية لطرف على حساب آخر؛ حتى نلمس الحقيقة الساطعة في ظل استقطاب حاد قسم المصريين بعد 3 تموز/ يوليو 2013.

يضنون على الشعب بأبسط حقوقه من صحة وتعليم ودعم، بينما تظهر الملايين ومليارات الدولارات على مظاهر البذخ لاحتفالات وهمية تمجد النظام؛ ولا تأتي بأي عائد على خزينة البلاد الخاوية، كان آخرها منذ أيام افتتاح فندق "الماسة" في احتفالات السادس من أكتوبر في العاصمة الإدارية الجديدة، والذي تكلف إنشاؤه حوالي ملياري جنيه. والغريب أن يُقام الاحتفال على استحياء ودون دعاية أو تغطية إعلامية كافية، حيث لم يُدع إليه المصريون وكأنه سر حربي حتى لا ينزعج الأسياد من المصريين الذين لن يجرأوا على الاقتراب من الفندق المحاط بالأسوار والتحصينات ضد الرعاع والأوغاد، وكأن ذلك الفندق في بلد آخر لشعب آخر.

لأول مرة في التاريخ ينقسم المصريون على الفرحة لصالح بلادهم، في مشهد مخز يوحي بأننا صرنا شعبين، ذلك أن النظام لعب على التوظيف السياسي الرخيص للرياضة بغرض إلهاء الشعب عن قضاياه المصيرية الملحة من ناحية، وتبييض وجهه القبيح مع تردي الأوضاع على كافة المستويات من ناحية أخرى، على اعتبار أنه الإنجاز الأوحد الذي تلقفه وسط فشل ذريع وخيبة متناهية في كل شيء؛ لأن نظام السيسي يدرك تماما أنه لا يوجد ما يدعو للاحتفال أو الفرحة سوى كرة القدم التي يستخدمها كمخدر وسبوبة يستمد منها مقومات بقائه، يعبث من خلالها بمشاعر الجماهير اليائسة من كل شيء، لتعيش فرحة مصطنعة مؤقتة سرعان ما تنتهي على وقع المعاناة اليومية، والتي ستزداد في قادم الأيام حسب نبوءة السيسي: "القادم أصعب لكني واثق من تحمل الشعب".

الوصول لنهائيات كأس العالم ليس الإنجاز المنشود، وإن كنا لسنا ضده، لكننا نرفض توظيفه سياسيا ينسب النظام الحاكم فيه الفوز بمباراة لشخصه، بيد أن الأوطان لا تنهض بالرياضة، وإنما بإعلاء قدر الإنسان وحريته، وتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على أن تكون الأولوية للعلم، ما سيخلق في النهاية مواطنا صالحا واعيا قادرا على التكيف مع مستجدات العصر الحديث، مع الحفاظ على هوية هذا البلد وقيمه الأخلاقية، وحتى لا تنسينا فرحة المونديال الدماء التي سالت وتسيل كل يوم، والآلاف القابعين خلف القضبان؛ لأن الإنسان أعز وأكرم من ألف مباراة.