كتاب عربي 21

المواطن مصري.. المواطن برص

1300x600
في مواجهة والدته التي "عابت" عليه عدم نجاحه بـ"مجموع" في امتحان الثانوية العامة، لم يجد مصري عبد الجواد، المتطوع في الجيش بدلا عن ابن العمدة في صفقة خطط لها الآباء ليدفع الأبناء ثمنها استشهادا وضياعا في فيلم (المواطن مصري – 1991) للمخرج صلاح أبو سيف، غير ما يلي من كلمات.

المواطن مصري:  تعرفي يا مّا.. أنا اتضح لي أن عمري كله يشبه المجموع ايلي جبته في الثانوية العامة.. خمسين في المية.. نص نص يعني .. بلدنا كلها نص نص.. عمرنا ما فرحنا للآخر ولا حزننا للآخر.. عمرنا ما رضينا للآخر ولا غضبنا للآخر.. دايما نص نص.. دايما بنرجع قبل آخر المشوار.. علشان كده لا بنروح ولا بنيجي.. حتى في الحرب لا بنحارب ولا بنحاربش.. بيكتبوها كده في الجرانين.. حالة اللاسلم واللاحرب.. البلد ذاتها مش جايبة مجموع يا مّا مش أني لوحدي.

من حالة اللاحرب واللاسلم، انتقلت مصر إلى "تجربة سلام رائعة وعظيمة طيلة أربعين عاما" يدعو رئيس الانقلاب بها إلى تكرارها مع دول أخرى بالمنطقة، وأساس الصفقة " أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي جنا إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي"، بدءا باسترداد قطاع غزة لحضن الوطن وحكومة الوفاق التي لا تملك من قرارها ما يغنيها عن السؤال واسترضاء "الأشقاء" قبل "الأعداء" ولو بمجرد صور مكبرة بقلب القطاع لقائد الانقلاب المحاصر للغزيين. هذا ما انتهى إليه "نصر" أكتوبر الذي حوله السادات إلى مجرد ورقة مساومة وتفاوض على "سلام" سمح للكيان الإسرائيلي ببسط سيطرته على الأرض ونفوذه على المنطقة مقابل انحسار عربي مهين.

بعد أكثر من أربعين سنة على تحليل المواطن المصري لحالة بلده، وبعد أربعين سنة من تجربة السلام العظيمة، يرد المواطن برص على المواطن مصري بالقول في "فيلم" (المواطن برص – 2014) لل"مخرج" رامي غيط وهو يخاطب صديقيه المسطولين:

المواطن برص: الحمدلله.. المرة ده القدر لعب لعبته والمعركة ده انتهت بدون خسائر في الأرواح. بقولوكوا ايه.. أنا عايزكم تركزوا في المعركة ايلي جاية.. معركة الحرب النفسية.

وبين حرب أكتوبر المواطن مصري والحرب النفسية للمواطن برص وما جاورهما من حروب الأجيال الرابعة والخامسة والسادسة التي تفنن اللواءات المتقاعدون المنتحلون لوظيفة الخبراء الإستراتيجيين والعاهات الإعلامية المتصدرة للمشهد في التبشير أو التحذير منها،  معركة تجريف حقيقية لحقوق المواطنة حولت "المصري" في نظر حكامه  وأقرانه إلى مجرد" برص" يواجه بالشبشب فيستكين أو يلقى مصيره المحتوم كما أكد ضابط الشرطة في "فيلم" رامي غيط.

لم يجانب برص الحقيقة فقد كانت الحرب النفسية في طليعة الأسلحة التي استطاعت بها السلطة تطويع المجتمع لمسايرة مخططاته بل الدفاع عنها في كثير من المحطات مهما حملت من قرارات تمس عيشه وحريته وكرامته الإنسانية.

في عهد الانقلاب تجاوزت السلطة كل المحرمات والنتيجة تفريط في أرض، حارب الجنود في سبيل استرجاعها، بالجملة والتقسيط. في سابق الأيام كان التفريط لصالح إعادة الأراضي المصادرة في العهد الناصري إلى "ملاكها" الاقطاعيين، وبعدها تسليم الأرض لرجال الأعمال والمستثمرين.

اليوم، لم تعد المسألة محصورة على الداخل المصري بل تجاوزت الموضوع لبيع جزر كاملة مقابل "رز" ودعم سياسي يتماشى وترتيبات تخص المنطقة يعلم الله أسرارها. لكن السماسرة لا يخلفون الموعد، مع ذلك، مع عمليات بيع لخواص "الحلفاء" الجدد جزرا أخرى على النيل أو أراضي وفيلات يتم تملكها بقرارات جمهورية تساوي بين الغريب وأصحاب الأرض الشرعيين.

يرحب العمدة عبد الرازق الشرشابي في فيلم (المواطن مصري) بمحاميه الذي جاء اليه باستعجال ليزف إليه الخبر السار.

العمدة: يا مرحب يا مرحب.. ايه الخطوة العزيزة ده.

المحامي: مبروك يا عمدة.. كسبنا لك القضية.

العمدة: الله يبارك فيك يا متر.. انهو قضية فيهم؟

المحامي: الكبيرة طبعا.

العمدة: قضية الإصلاح الزراعي؟

مساعد المحامي: مفيش كلام.. الأستاذ لما سمع النطق بالحكم أصر يجي لك بنفسه يبشرك قبل ما تقرا الحكم بكره في الجرايد.

العمدة: حكموا لنا بالأرض.

المحامي: والحكم مشمول بالنفاذ.. يعني بمجرد ما نستلم صورة الحكم تقدر تنفذه بالقوة الجبرية، بالبوليس يعني.

العمدة: كل الأرض ايلي خدوا منا الإصلاح الزراعي.. بعد عشرين سنة.

ولأن تحالف الفئات الآمنة شكل على الدوام أساس حكم مصر فقد سارع المأمور لجمع الفلاحين المعنيين بالقرار  محفوفا بالعمدة ورجاله.

المأمور: يكون معلوم للجميع إن البلد في حالة طوارئ وأي إخلال بالأمن حيقابل بمنتهى الشدة. صدر حكم للعمدة باسترداد أرضه ايلي خادها منو الإصلاح الزراعي وبناء عليه مطلوب من كل منتفع بأرض الإصلاح يسلم الأرض للعمدة بالتراضي وبدون مشاكل.

فلاح: حنسلموا الأرض ونروح فين يا حضرة المأمور؟

المأمور: المطلوب تنفيذ الحكم. نفذ الحكم الأول وبعدين اتظلم بالطرق القانونية ولما يصدر لكم حكم  الشرطة مسؤولة تنفذه.

الغفير: واحنا والحمدلله في بلد سيادة القانون.

حالة الطوارئ وسيادة القانون سيف دمقليس المسلط على الرقاب منذ حكم العسكر البلاد ولا يزالون.

 الفارق أن بعضا من "الحياء" ربما أملاه الخوف من شرفاء قضاء شامخ صدحوا ذات زمان بالحق وواجهوا السلطان قبل أن يدخل  كثير منهم بيت الطاعة صاغرين، جعلت الحاكم المستبد لما قبل الثالث من يوليو منتظرا قرارات القضاء وربما منفذا ومحترما لها إلى حين.

في العهد الجديد، لم يعد للقضاء من حرمة ولا لأحكامه من سلطة أمام طموحات سمسار الأراضي المعجب بسيده بائع العقارات الأمريكي، ولا عاد للتاريخ ولا لتضحيات الجنود من قدسية حتى صارت حروب الدفاع عن الأرض مجرد حروب بالوكالة تستدعي إرجاع الأراضي لأصحابها وفق حقائق التاريخ والجغرافيا والجيولوجيا وتأشيرات الحج المجانية لل"برلمانيين" و"الإعلاميين".

وبين فيلم يخرجه صلاح أبو سيف و"شيء" يخرجه رامي غيط يتبين بالواضح أين كانت البلد وأين صارت، وأين كانت العسكرتارية المصرية وإلى أي مستوى نزلت.

البلد ذاتها مش جايبة مجموع يا مّا مش أني لوحدي، قالها مصري عبد الجواد.