قضايا وآراء

إلى رابعة المجد تحن القلوب

1300x600
مهما طال الزمان، فستظل رابعة في القلوب بكل ما فيها، وما فيها ليس ملكا لمن عاشها فقط، بل هو ملك للإنسانية، التي اختفت أو توارت وراء قسوة الفض وقسوة الصمت أيضا.

ستظل رابعة الحدث الأبرز إنسانيا لعقود قادمة، وكما أرخت ثورة يناير للحرية والثورة ضد المستبد وضد بقايا المحتل الأجنبي، فسوف تؤرخ رابعة لأكبر تجمع بشري سلمي في مكان واحد تحت شعار واحد، ولقضية واحدة، عي حق الشعوب في الاختيار، وحقها في رفض الانقلاب، وحقها في الصمود في وجه التدخل في شؤون الشعوب حين تقرر ماذا تريد ومتى تريد.

سيظل فض رابعة الحدث الأقبح إنسانيا، ليس لأنه أسوأ من الحروب العالمية التي ربما لم يشهدها سوى من حضروها أو شاهدوا ما تبقى منها من تسجيلات مؤرشفة، ولكن لأن فض رابعة شاهده العالم صوتا وصورة ومواد إخبارية وقصص وروايات لشهود العيان الذين نجوا من المحرقة الأقبح في التاريخ.

مأساة رابعة لا تكمن في قيام الجنرالات الخونة بقتل الأبرياء وحرق جثثهم أمام أعين الناس، لكن المأساة أن نفر من حكام العرب لا يمتون للعروبة ولا للدين ولا للإنسانية بصلة، هؤلاء قرروا دعم الجنرالات من أجل قتل الإنسان والإنسانية والانقلاب على إرادة الشعب، والغريب أن بعض هؤلاء لا يبدأون أحاديثهم إلا بآيات من القرآن الكريم بعضهم لا يحسن تلاوتها.

هؤلاء المجرمون العرب كشفت صحيفة البرافدا الروسية عن دعمهم للانقلاب قبل وقوعه، أي أنهم تآمروا على رئيس عربي منتخب، في واقعة ليست بجديدة على بعضهم، فقد تآمروا يوما ما على صدام حسين، وساندوا غزو العراق في 2003، ورغم أنهم شاهدوا كيف صار العراق ممزقا ومشوها، وعاد قرونا للخلف، لكنهم لا يهتمون طالما أن النار لم تصل بيوتهم، وحتما ستصل إذا استمروا على نهج كراهيتهم للشعوب وللدين.

 السعودية دعمت الانقلاب، وأيدت فض رابعة، وهي مسؤولة أخلاقيا وإنسانيا وسياسيا، ولن تفلت من العقاب، هذا ليس وعدا أو وعيدا أو تهديدا أجوف، بل هي الحقيقة التي نبأنا بها التاريخ، وأخبرنا أن دولة الظلم ساعة، وقد دقت ساعة الشعوب، ولن يفلت منها أمير أو خفير.

والإمارات دعمت الانقلاب، ومولت مجزرة الفض، وسوف تنال جزاءها، فليس هناك من مفر من حساب الشعوب، وهو قاس، ولو نجوا من حساب الشعوب فلن يفلتهم التاريخ أيضا. وقد علّمنا التاريخ أن الدول الوظيفية من عينة الإمارات سيتم ابتلاعها من أقرب قوة على حدودها؛ لأنها ستسبب لها صداعا، ويكفي أن تقرأ تغريدة لشخص إماراتي اسمه حمد المزروعي يقرر فيها أن الشاب محمد بن سلمان هو ملك السعودية القادم، هذه تغريدة تختصر الموقف السياسي بجملة واحدة ( الإمارات هي من يعين ويختار حكام السعودية )

والبحرين ساندت الانقلاب، وهي تابع لا يستحق حكامها أن نأتي على ذكرهم؛ لأنهم كانوا على مدار التاريخ مجرد ذيل سياسي، أو كما نقول ( كمالة عدد )، وأعتقد أنها مسألة وقت قبل أن تصبح مجرد ذكرى قديمة.

أضف إلى ذلك صمت العالم المسمى زورا "الحر" تجاه مجزرة تم نقلها على الهواء مباشرة، هذا العالم الذي ماتت حواس حكامه هو من سمح للمجرمين بأن يفلتوا ولو مؤقتا من العقوبة، رغم تقارير الإدانة التي أصدرتها مؤسسات حقوقية متخصصة في مجال حقوق الإنسان ومحترمة مثل هيومن رايتس ووتش.
 
رابعة ليست حفلة لطم، ولا جلسة لاستدعاء الأحزان، بل هي فرصة للتذكير بالفرق بين الإنسان الذي كان معتصما مطالبا بحقه وباحترام صوته، وبين القاتل الذي استكثر على الناس أن يكون لهم صوت ورأي وكرامة.

رابعة المجد كانت الحياة بكل ما فيها، والثورة بكل مضامينها، ومصر بكل أطيافها. كل من مر على رابعة، حتى وإن لم يبت فيها ليلة، يدرك حقيقة سحر هذا المكان على النفوس، مهما اختلفت سياسيا، لكنها اتفقت إنسانيا على أن هذا المكان كان نقطة ضوء قدر لها أن تختفي ليحل بعدها الظلام الدامس، فلم يعد لمصر مكان ولا مكانة، ولم يعد لممولي الانقلاب قيمة في نفوس العرب ولا حتى غيرهم حين علموا أن حكام النفط هم من مولوا قتل الإنسان واغتيال الإنسانية.
 
فض رابعة هو نقطة فاصلة بين الإنسانية واللا إنسانية، بين الآدمية والبوهيمية، بين الخير والشر، بين النور والظلام، بين النهار والليل، بين الحب والكراهية، بين التحضر والهمجية، بين الكرامة والمهانة، بين العزة والمذلة، بين الجمال والقبح، بين الإحسان والامتهان، بين التقدم والتأخر، بين العدل والظلم، بين الحياة والموت.

الثأر الذي يعتمل نارا في صدور الأحرار ليس ناجما فقط عن كراهية لهؤلاء القتلة، بل رغبة في إحقاق الحق وإقامة دولة العدل، وانتظار اللحظة المناسبة التي نرسل فيها رسالة لأرواح الشهداء في عليائهم: أن اطمئنوا، فقد تم القصاص من القتلة.