كتاب عربي 21

مرتزقة هنا ومواطنون هناك؟

1300x600
المرتزقة.. أسهل تهمة وشتيمة يمكن أن تطلقها الجيوش الإلكترونية الخليجية المنظّمة من هنا وهناك في الوقت الراهن على إعلاميي القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية، المعاكسة لتوجهات حكوماتها المموِلة لتكاليف "أصابع السخرة" الإلكترونية.

فإعلاميو "الجزيرة" هم في الرياض مرتزقة وإعلاميو "العربية" مرتزقة في عيون القطريين، والعاملون في "سكاي نيوز" الإماراتية هم مرتزقة عند الفلسطينيين والمغاربة وهكذا دواليك.

لكن ما تغفل عنه السياسات التحريرية "المايستروية" للجيوش الإلكترونية التي غالبا ما تتحلى بالغباء، هو أن وصف "المرتزقة" لدى إطلاقه على صحفيي القناة "الخصم" سينسحب بالتوازي على صحفيي القناة الصديقة من الوافدين إلى هذا البلد الخليجي أو ذاك، ليعملوا بناء على كفاءاتهم وشهاداتهم وخبراتهم، ليس إلا.

فكما أن "سلمى الجمل" ليست قطرية، فكذلك "نيكول تنوري" ليست من أهل القصيم ولا "مهند الخطيب" من مضارب رأس الخيمة. فكل هذه القنوات الإخبارية العربية تأسست لمعالجة الحدث العربي والأجنبي والدولي، وليس لتغطية الأخبار المحلية حتى تكتسي الطابع الوطني بنجومها وعناوينها.  

في معجم المعاني الجامع، فإن المُرتَزِقة هم "من يحاربون في الجيش طمعا في المكافأة المادية، وغالبا ما يكونون من الغرباء فرقة مرتزقة". وعليه فإن المصطلح تأسس لإطلاقه على القطعات البشرية الوافدة من جنسيات مختلفة للقتال إلى جانب الجيوش المحلية، وليس في وسائل إعلامية عابرة للحدود وتغطي الأحداث في مناطق ودول ينتسب إليها هؤلاء الإعلاميون متعددو الجنسيات.

ولا ندري بإطلاقها وصف المرتزقة أتسيء الجيوش الإلكترونية الجرّارة إلى هؤلاء الإعلاميين العرب والأجانب، أم إلى حكوماتها التي لا تتعاقد مع هذه النخب المستوردة لسود عيونها، بل لتغطية العجز والنقص في الأسواق المحلية، هذا فضلا عن أنه لا يمكن إطلاق إخبارية عربية ودولية بوجوه من جنسية واحدة.

إذا كان وصف "المرتزقة" موضوعيا في الخليج العربي، فإن الإنسان الخليجي يصبح في هذا المفهوم مخدوما من قبل المرتزقة من المهد إلى اللحد، فقد ولدته أمه غالبا في مستشفى على يد طبيبة وافدة وتولاه طبيب أطفال أجنبي، وعلمه مدرّس عربي وبنى بيته مهندس أوروبي وقامت بتحلية مياه بحره شركة عالمية، واستخرج نفطه الإنكليز وسافر بطائرة أمريكية ليتعلم في جامعة فرنسية، وأحيت عرسه مطربة لبنانية، وغسّله وكفّنه ودفنه بعد مماته جمعٌ من الأحباب الباكستانيين والهنود والبنغال.

دعوكم من فحص الجنسيات والأصول العرقية، فأمريكا التي تحكمنا وتحكمكم عبارة عن أكبر تجمع عالمي في التاريخ للغرباء، على أرض تعاقد أهلها على المواطَنة بما يضمن مصالح السكان. وفكروا في تنمية الموارد البشرية عبر إقرار قوانين تمنح الجنسية لمن يسهم في البناء والتطوير، فيصبح مواطنا وينخفض راتبه إلى النصف أقله، لأنه سيعمل في حينه ضمن بلاده الجديدة ولها، ولن يبقى وافدا أو من جيش "المرتزقة".