كتاب عربي 21

الظهير الديني للثورة المضادة.. فأين سلطان العلماء؟!

1300x600
حينما يكون العالم عينه على الأمة ومقاله من أجل الأمة فيكون سلطانا للعلماء، وحينما يكون العالم عينه على السلطة وخطابه يتلمس رغباتها، فيكون عالما للسلطة.
                   
قال الشيخ العز بن عبد السلام سلطان العلماء: أنادي عليكم وأبيعكم...! 

- وفيم تصرف ثمننا؟
- في مصالح المسلمين.. 
-ومن يقبضه؟
-أنا.

وكان الشرع هو الذي يقول: "أنا"، فتم للشيخ ما أراد، ونادى على الأمراء واحدًا واحدًا، واشتط في ثمنهم، لا يبيع الواحد منهم حتى يبلغ الثمن آخر ما يبلغ؛ وكان كل أمير قد أعد من شيعته جماعة؛ ليشتروه!!!! ...

ودمغ سلطان العلماء الظلم والنفاق والطغيان والتكبر والاستطالة على الناس بهذه الكلمة التي أعلنها الشرع... 

... أمراء للبيع! أمراء للبيع.

يقول أمير البيان مصطفى صادق الرافعي في مقالته في وحي القلم:

"أتدري يا ولدي ما الفرق بين علماء الحق وعلماء السوء وكلهم آخذ من نور واحد لا يختلف؟ إن أولئك في أخلاقهم كاللوح من البلور: يُظهر النور نفسه فيه ويظهر حقيقته البلورية، وهؤلاء بأخلاقهم كاللوح من الخشب يظهر النور حقيقته الخشبية لا غير!"، وعالم السوء يفكر في كتب الشريعة وحدها، فيسهل عليه أن يتأول ويحتال ويغير ويبدل ويظهر ويخفي، ولكن العالم الحق يفكر مع كتب الشريعة في صاحب الشريعة فهو معه في كل حالة يسأله ماذا تفعل وماذا تقول؟

نحن يا ولدي مع هؤلاء كالمعنى الذي يصحح معنى آخر، فإذا أمرناهم، فالذي يأمرهم فينا هو الشرع لا الإنسان، وهم قوم يرون لأنفسهم الحق في إسكات الكلمة الصحيحة أو طمسها أو تحريفها، فلا بد أن يقابلوا من العلماء والصالحين بمن يرون لأنفسهم الحق في إنطاق هذه الكلمة وبيانها وتوضيحها؛ فإذا كان ذلك فههنا المعنى بإزاء المعنى، فلا خوف ولا مبالاة ولا شأن للحياة والموت.

وإنما الشر كل الشر أن يتقدم إليهم العالم لحظوظ نفسه ومنافعها، فيكون باطلا مزوَّرا في صورة الحق، وههنا تكون الذات مع الذات، فيخشع الضعف أمام القوة، ويذل الفقر بين يدي الغني، وترجو الحياة لنفسها وتخشى على نفسها، فإذا العالم من السلطان كالخشبة البالية النخرة حاولت أن تقارع السيف! 

كلا يا ولدي! إن السلطان والحكام أدوات يجب تعيين عملها قبل إقامتها، فإذا تفككت واحتاجت إلى مسامير دقت فيها المسامير، وإذا انفتق الثوب فمن أين للإبرة أن تسلك بالخيط الذي فيها إذا هي لم تخزه؟

إن العالم الحق كالمسمار؛ إذا أوجد المسمار لذاته دون عمله كفرت به كل خشبة". انتهى الاقتباس.

لم تكن الثورة المضادة والتي تتمثل في ألعوبة 30/ 6 ثم مشهد 3/ 7.. لتقف عند حدود انقلاب العسكر على المدنيين والشعوب التي ثارت على الاستبداد، ولا عند حدود الأقطار التي تفجرت من دواخلها، ولا عند حدود القمع الأمني والتضليل الإعلامي والطغيان القضائي.. حتى يمد ظلاله على أخص خصائص الإنسان العربي والمسلم.. الدين وبالأخص الإسلام، منذ اللحظات الأولى بانقلاب العسكر في مصر وتصدر الظهير الديني للانقلاب المشهد، ضاما إلى صفه ألد الأعداء الدينيين، واتخذ من علماء السلطان أهم أدواته.

شهدت ظاهرة خطيرة جديرة بالتوقف؛ مفادها: التوظيف المباشر للخطاب الديني الإسلامي في تبرير الانقلاب وتمريره والمدافعة عن ممارساته والهجوم على خصومه، وما اشتمل عليه هذا التوظيف من استغلال مصادر وأساليب وأدوات شرعية، وقبل هذا وبعده ما اشتمل عليه من: غايات ومنطلقات هذه المؤسسات والقيادات.

ومن ثم لا ينفصل فكر السيسي وخطابه عن خطاب ديني يهلل للانقلاب ويبرره، ويهاجم الإسلاميين والإخوان في رؤيتهم وفكرهم وممارساتهم، ويتهمهم بالشرور كلها؛ وأهمها: تشويه وتحريف الإسلام والمتاجرة به.

السلفية مع الصوفية، او الوهابية مع الأشعرية، وصار الخوارج سابقا دواخل، ومرجئة الأمس فقهاء اليوم وممثلي الإسلام الوسطي الجميل.. في ظلال الاستبداد العسكري. وسبحان مغير الأحوال.. لن أنسى كيف زايد كل من سلفية حزب النور والمدخلية الممتدة من السعودية إلى المنوفية، من جهة، على إسلامية الإخوان، بل وطنيتهم ؟ التي هي في أدبياتهم وثنية صنمية، بخطاب متكامل مع مزايدة بعض الأزاهرة على من يمثل الإسلام المصري الوطني.. في تركيبات لم تكن لتجتمع لولا جامع النفاق.

وفي الواقع، لقد كان الانقلاب الديني سابقا على الانقلاب العسكري حين جعل الفرقاء السلفية وجماعة من الأزاهرة من الثورة فتنة وخروجا محرما بالثلاثة في 25 يناير ثم أصبحت حلالا وحقا للشعب والدولة العميقة، في 30 يونيو . وحين استخدم الدين المضاد للثورة في صناعة الاستقطاب ومن ثم الثورة المضادة. الأمر جد خطير.. أنك يمكن أن ترى الانقلاب العسكري صناعة الانقلاب الديني المبني على حقد دفين شديد السواد.

برر الانقلاب الديني كل مؤامرات الثورة المضادة ليس فقط الإعدامات والمجازر، بل لا يزال يبرر ويبرر حتى وصل لتبرير الانقلاب على الدين نفسه... (ولا ايه يا فضيلة الإمام؟؟)
    
شهدت السنوات الست الماضية دورة واسعة من العلاقة الاثيمة بين الانقلابات، وكأنها سنة لا بدعة فيها، وهداية لا ضلالة فيها. أصدرت فتاوى انقلابية كثيرة، ونفذت مخططات كبرى لاحتكار الإسلام، وتشويهه أمام العالم باعتباره مصدرا للإرهاب ولمحاربة العالم، وأطلقت الأصوات النابحة تسيء إلى السنة النبوية وأئمة الإسلام والعلماء والفقه والتاريخ والتراث الإسلامي بالتوازي مع حالة من التحصين والتمكين للكنيسة والمنطق الصهيوني وممثليهما تحركت العلاقة الآثمة إلى مساحة الطائفية بشكل مشين.

فتم تسميم العلاقة بين الأقباط والمسلمين في مصر، وتم تجذير الصراع السني الشيعي في المنطقة كلها وأضحى هو سيد الموقف، وحين تتباعد المسافة بين الانقلابات في مصر والخليج، يهيج الوهابيون ضد البدعيين الأزاهرة، ويوجه الأزاهرة الأشاعرة لعمل مؤتمر أهل السنة العابر للحدود ليكون تحت رعاية روسيا وفي الشيشان امعانا في التنكر لماسينا.. وحين يأتي أمير الانقلابيين الأمريكي ترامب، يقام مركز (اعتدال) في بلاد لم تزل تتهم بالمنبع الأول للتطرف والإرهاب وليحل أمثال الدكتور يوسف القرضاوي على قائمة الإرهابيين ما بعد التسعين من العمر.

نحن اليوم أمام ثورة مضادة شاملة، في قلبها: ثورة دينية مضادة عبر عنها قائد انقلاب مصر، قوامها؛ انقلاب بالدين وباسم الدين يمزج بانقلاب على الدين، يداري عملية قذرة للانقلاب في الدين لإنتاج إسلام ما بعد حداثي إسلام محدث مبتدع.. يرى الثورة فتنة والحرية بدعة والمقاومة مغرما، ويرى الثورة المضادة جهادا والانقلاب سنة وربما مؤكدة.. بينما الخنوع والتبعية إلى درجة العمالة والخيانة "البجحة".. سياسة شرعية.

تبعية ومتابعة لأهل السلطة وسياساتهم.. وأطيعوا أولي الأمر منكم، والدفاتر دفاترنا... الكلمات المشهورة في التبرير والتزوير، هؤلاء علماء السلطان فلنستحضر كلمات سلطان العلماء التي صدرنا بها هذا المقال.. ليدين هؤلاء إمّعات الحكام الظلمة والذين ارتضوا أن يكونوا ظهيرا دينيا في حلف الثورة المضادة، عيونهم وكلماتهم تتلمس رغبات السلطات وتسهم بخطابها إسنادا للاستبداد والوقوف ضد إرادة الشعوب وأشواقها للتغيير، في كل مرة ينضم علماء السلطان لحلف الظالمين ويتساءل عالم المظلومين أين سلطان العلماء؟!