قضايا وآراء

كيف نواجه الإرهاب حقا؟

1300x600
على الرغم من عدم وجود تعريف موحّد للإرهاب في العالم، واختلاف تعريفه بين دولة وأخرى كلّ حسب مصلحتها، إلاّ أن السنوات التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول دفعت بالجميع إلى الاتّفاق على توصيف الهجمات التي تشنّها جماعات إسلامية متطرّفة بالإرهاب. هذا الاتّفاق لم يكن نابعا من قناعة مطلقة لدى كل الدول؛ بقدر ما فرضته تلك الهجمات على الأجندة السياسية العالمية، كون المستهدف حينها أكبر قوّة في العالم، وبالتّالي من يعارض هنا سيكون مدانا بدعم الإرهاب. هذا لا يعني بطبيعة الحال أن من رفض وصف نشاطات الجماعات الإسلامية المتطرّفة بالإرهاب يعود لدعمه لها، بقدر ما يرجع إلى القلق من استغلال هذه الحالة لتحقيق أهداف أبعد من القضاء على التشدّد في المجتمعات الإسلامية.

في الحالة العربية التي تعتبر الضحّية الأولى للإرهاب، نجد أن حكومات وأنظمة لجأت إلى استغلال هذا المصطلح لضرب كل من يعارضها. في سوريا مثلا كان تعويم ظاهرة الإرهاب بمثابة طوق النجاة للنظام السوري الذي برع في تحويل الأجندة العالمية من التعاطي مع صراع بين نظام ومكوّن عريض من الشعب إلى حرب بين الإرهاب والعالم بأسره. وقد شهدنا كيف أن واشنطن أنشأت تحالفا من أكثر من ستين دولة لشن حرب على تنظيم داعش في سوريا والعراق، وتجاهلت لبّ الصراع. الأمر ينسحب على مصر وإن بطريقة مختلفة، حيث أن السلطات الحالية تُصنف كل شخص يعارضها على أنه إرهابي، حتى الشخصيات العلمانية المعارضة لم تسلم من هذه التّهمة رغم أن أديولوجيّتها وأفكارها معارضة تماما للفكر الديني متشددا كان أم وسطيا.

في العراق كذلك الأمر، تسبّب الغزو الأمريكي عام 2003 في انهيار الدولة ومؤسّساتها وبروز جماعات متشدّدة من السنّة والشيعة على حدّ سواء. السبب الرئيسي في برزو التشدّد يعود بالدرجة الأولى إلى فشل واشنطن في بناء نظام سياسي عصري يقوم على إشراك جميع المكوّنات الطائفية والعرقية في منظومة الحكم بطريقة عادلة ومتساوية في الحقوق والواجبات. وقد أدّى تهميش السنّة على حساب الشيعية إلى انتشار تنظيم القاعدة الذي استمدّ قوّته الفكرية في المناطق السنّية من التهميش. لكنّ الحرب على التنظيم لم تأخذ في الحسبان سبب ظهوره الرئيسي، فقد برز فكر متشدّد على أنقاضه أكثر راديكالية مُمثّلا بداعش. واليوم أسس مواجهة هذا التنظيم تفتقر إلى رؤية سياسية واضحة للمرحلة التي ستليه، ما يعني أننّا سنكون حتما أمام نشوء أفكارا وجماعات أشد راديكالية.

هناك حالات أخرى كثيرة يصعب ذكرها في بضعة أسطر، لكنّها القاسم المشترك بينها يكاد يكون واحد. حرب إلغاء على الآخرين باسم الحرب على الإرهاب. ما ساعد بعض الأنظمة والحكومات العربية في فرض هذه المعادلة الكارثية وهو استسلام العالم الغربي لها. فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقولها صراحة أن قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية لن تكون ضمن أولويّاته في المنطقة العربية، وأن جهوده ستنصبّ كلّيا في التركيز على محاربة الإرهاب. وهذه مشكلة كبيرة لأنها تتجاهل الأسباب الرئيسية التي ساعدت داعش على الانتشار في سوريا والعراق ومصر وليبيا، وكذلك القاعدة في اليمن. أيضا لا بدّ من الإشارة للمليشيات الشيعية التي لا يختلف إرهابها كثيرا عن داعش والقاعدة، ولا نجد بيانا غربيا يتحدّث عنها.

هناك ازدواجية فاقعة في تعاطي الغرب مع قضية الإرهاب، فالولايات المتّحدة مثلا تدعم الجماعات الكردية في شمال سوريا بهدف محاربة داعش، مع العلم أن تلك الجماعات تقوم بنفس الأعمال التي قام بها التنظيم كتهجير السكّان العرب من قراهم في ريف الرقة وغيرها وانتهاج سياسة التغيير الديمغرافي التي يقوم بها نظام الأسد وإيران في سوريا. أيضا، العالم اليوم يطالب المعارضة السورية بالانفصال عن جبهة النصرة، لكنّه في المقابل لا يقدّم الدعم لها ويتجاهل قضيّتها العادلة التي لا زالت تدفع دما لأجلها منذ ستّ سنوات. حتى أن بعض الساسة الغربيين باتوا يتحدّثون عن "منافع" تقديم المساعدة للديكتاتور الأسد من أجل القضاء على النصرة وداعش.

ليس الهدف من طرح هذه الإشكالية الكبيرة التقليل من خطر الإرهاب الذي نواجهه، بل لتسليط الضوء على أمور توازي في مخاطرها الإرهاب الحالي. العالم الغربي مدعو اليوم إلى إعادة النظر بشكل جذري في مقاربته للإرهاب في المنطقة العربية، ومدعو للتركيز على الوضع المزري للحرّيات وحقوق الإنسان في العالم العربي بدلا من إبداء الدعم المطلق لحكومات المنطقة على حساب هذه القضايا. وهو مدعو كذلك إلى العمل على إشراك جميع فئات المجتمع العربي في الحرب على الإرهاب وليس الحكومات وحدها. والإشراك هنا لا يكون فقط بدعوتها إلى نبذ التطرق والتشدد وعدم احتضانه، بل بجعلها تشعر على أنّها جزء من المنظومة الاجتماعية والسياسية. من دون هذه الخطوة، سنبقى ندور في حلقة دموية مفرغة.