قضايا وآراء

ماذا بعد تفجيرات الكنائس وطوارئ السيسي

نيفين ملك
1300x600
1300x600
يوم أسود آخر حلّ على المصريين في عيد أحد الشعانين حين خلفت تلك التفجيرات الانتحارية في كنيسة طنطا والمنشية ما يقارب الـ 45 قتيلا وعشرات الجرحى والمصابين.

وتواترت تلك التفجيرات المروعة بتسارع وتزامن خلال يوم عيد أحد الزعف كما يسميه أقباط مصر وبالطريقة ذاتها، وهذا التزامن وتلك الوتيرة وتشابه التكنيك، ومسرح الجريمة والأهداف من كنائس في كل مرة (مازال تفجير الكاتدرائية المرقسية في خلفية المشهد وقبلها كنيسة القديسين)، وتلك الصور للدماء وسقوط كل هؤلاء الضحايا  يفتح الباب على مصراعيه للتساؤلات الحائرة حول طبيعة هذه الجرائم ومن خلفها ومن المستفيد منها؟

أجيال كاملة ونحن منها عشنا تحت كنف دولة مبارك وقانون الطوارئ الذي أعلنه منذ بداية عهده في 1981 وطوال فترة حكمه وحتى إسقاطه في 2011 وحرص نظامه طوال تلك السنوات على اتخاذ شعار الحرب على الإرهاب ذريعة ورخصة في كل مرة يتم مناقشة قضايا حقوق الإنسان والحريات أمام المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة.

ولأن العقلية التي تسيّر الأمور هي واحدة ولم تستوعب دروس الأمس القريب فهي لا تشغل عقلها باستخدام أساليب مغايرة وشعارها "اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفهوش" والبضاعة المجربة أفضل وأسهل من البضاعة غير المجربة.

ولذلك أعلنت السلطات المصرية على الفور حالة الطوارئ وبدون محاسبة عن فشلها الذريع في وضع إستراتيجية أمنية حقيقية تجنب البلاد والعباد كل تلك الكوارث وتنقذ أو تقلل من إزهاق كل تلك الأرواح البريئة وكل هؤلاء الضحايا والمصابين، اللهم إلا ما تم من إجراء ضعيف بإقالة مدير أمن الغربية لذر الرماد في الأعين ولتمرير الأمر للرأي العام المصري على أن تلك الأحداث المروعة و المتواترة عبارة عن مجرد تقصير أمنىي؟

ومع كل تلك الإخفاقات تأتي حالة الطوارئ لتكافئ المقصرين بدلا من محاسبتهم جنائيا وسياسيا، بل تمنحهم صلاحيات مطلقة وبلا رقيب مؤسسي أو سلطة نيابية حقيقية وهي حالة خطيرة تعكس مدى اهتراء مؤسسات الدولة وعجزها عن أداء مهامها الوظيفية والخلل البنيوي في إدارتها لمجريات الشأن العام المصري وتكمن خطورة الأمر في إجراءات ماذا بعد الطوارئ، وفي ظل غياب مؤسسات الدولة وإطلاق يد السلطة التنفيذية بلا رقيب أو فرامل أمان وتلك الأخبار عن تعيين رجال مبارك والموالين للنظام على رأس نقابة الصحفيين لإحكام القبضة على الصحافة المصرية وحسم معركة النفس الأخير بعد واقعة اقتحام نقابة الصحفيين وأحكام حبس النقيب وأعضاء الأمانة وبذلك لن تجد من الصحافة والإعلام إلا أدوات تلميع الأحذية وماكينات غسل الأدمغة ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة ولا مكان لصوت مخالف ولو من باب التجميل ولا حتى قبول لصحافة شبه حرة قادرة على فتح نقاش للفضفضة كما أيام مبارك وهامش الفضفضة في برامج  التوك شو في آخر عشرة سنوات من حكم.  

ولأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ستزيد كل أنواع الانتهاكات لكافة الحقوق والحريات وستغيب المساءلة (الغائبة من الأساس منذ مشهد انقلاب 3 /7) وعلينا أن نتوقع أن تداس يوميا بلا رحمة كل أنواع الحقوق والحريات تحت الأقدام وبقبول شعبي من قطاعات كبيرة من المجتمع ولا عجب أن تسمع عن حكم بسجن محامى عشرة أعوام لاستخدامه وسائل التواصل الاجتماعي ودعوة الإعلام الموالى للمواطنين للتبليغ عن أي إنسان يتم الاشتباه فيه وعليك أن تتصور حال المجتمع وفيلم مخبر لكل مواطن والمواطن المخبر، مجتمع يستقبل قطاع كبير منه معلوماته من مصدر واحد ورواية واحدة ويشهد حالة من الاحتقان والانقسام التاريخي لم يعرفها حتى في أيام حرب الاستنزاف وقبلها نكسة 1967، أضف إلى ذلك السعار المستمر لإعلام الكراهية والتحريض وتوظيفه لتلك الأحداث الطائفية لتعميق الكراهية والانقسام ولتمرير كل أنواع الانتهاكات وذبح كل المخالفين من جميع التيارات على مذابح الطاعة العمياء وشعارات الوطنية الزائفة وأدوات ابتزاز النظام للمجتمع بكامله.

ولم تفوت السلطات الفرصة ومازالت دماء الضحايا في شوارع مصر لنشهد إحالة عاجلة وبعد ساعات من إعلان الطوارئ لاتفاقية تيران وصنافير للجنة التشريعية بمجلس النواب وكأنها اللحظة المنتظرة لغلق ملف الجزيرتين دون حسابات لحمولة تمرير مثل هذه الاتفاقية في ظل قبضة الطوارئ وإقرار المحاكمات العسكرية والغلق التام للمجال العام وتغييب المجتمع المدني ومطاردة منظماته، وبعيدا عن التهويل أو التهوين لا وجود لإستراتيجية أمنية حقيقية لوقف نزيف الدماء المصرية ولا ضمانة لعدم تكرار وقائع استهداف الكنائس ولا أدوات إعلام محايدة لوقف حالة الاستقطاب والاحتقان وخطاب الكراهية ولا أدوات لرقابة حقيقية على السلطات لوقف انتهاكات حقوق الإنسان.

والتحديات الاستراتيجية تقتضي تصديا استراتيجيا، وهذا ما بالذات ما يجعل الجماعة الوطنية المصرية بكافة أطيافها ضالعة ومسؤولة تاريخيا عن وضع التصورات التي من شأنها بناء وتعميق الوعي بقيم المواطنة والحقوق والحريات والكرامة الإنسانية والتصدي للانتهاكات التي يتعرض لها أي طيف من أطياف المجتمع وبلا أي تمييز، مقاربة وطنية فاعلة ومؤثرة هدفها الوحيد بناء الإنسان المصري الذي يؤمن بالحرية والعدالة والمساواة والحق في الحياة الكريمة.
0
التعليقات (0)