قضايا وآراء

مفاوضات جنيف.. إشكاليات ومعضلات تعترض طريق الحل

محمود عثمان
1300x600
1300x600
تسير مفاوضات جنيف4، بجولتيها الأولى والثانية، في ظل غياب شبه كامل للفاعلين الدوليين، إدارة الرئيس ترامب لم تحدد رؤيتها بعد بخصوص الأزمة السورية، والأوربيون ليسوا قادرين على التأثير بمفردهم في وجه الهجمة الروسية، وتركيا مشغولة بالاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، وهي لا تريد مواجهة مع موسكو في هذه المرحلة الحرجة. أما الدول العربية الرئيسة الداعمة للشعب السوري، فهي تنتظر خطة ترامب حول سوريا في أيار المقبل لتقرر تموضعها من الأزمة سياسياً وعسكرياً، مع بقاء الدعم والمساندة الإنسانية. 

في المقابل يحاول بوتين فرض أجندته على السوريين وعلى دول الإقليم، وهو في الوقت ذاته عاجز عن إنجاز الحل السياسي بمفرده أو التقدم خطوة نحو الأمام دون القاطرة الأمريكية، حيث يدرك الروس جيدا أن بإمكان واشنطن خلط الأوراق وقلب الطاولة وقت ما تشاء. 

الروس ماضون في استراتيجية تشتيت المعارضة السورية وزعزعتها. هدفهم الرئيس هو نزع الشرعية عن مؤسستيها الرئيستين: الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والهيئة العليا للمفاوضات. 

في الفترة الماضية نجح الروس، وبضوء أخضر أمريكي في استحداث أجسام هلامية، عناصرها من الدائرة المقربة من النظام، لا وزن لها على الساحة السورية، أخرجوها على شكل منصات ووصفوها بالمعارضة! مثل منصتي موسكو وأستانة. للعلم فإن منصة أستانة لا علاقة لها بمؤتمر أستانة الذي عقد بمبادرة روسية تركية، بهدف ضمان ومراقبة وقف إطلاق النار. الروس ما زالوا لا يعترفون بالهيئة العليا ممثلاً تفاوضياً وحيداً للمعارضة السورية، بل يسمونها منصة الرياض، رغم قرارات الأمم المتحدة الواضحة التي تنص على الاعتراف الدولي بها. مقابل ذلك هم يطالبون المعارضة بدمج مكوناتها السياسية والعسكرية في كيان واحد، لكنهم في الوقت ذاته يرفضون دمج منصاتهم التي اصطنعوها في جسم واحد!. محاولة الروس تهدف إلى تقزيم المعارضة السورية التي تقاتل نظام بشار الأسد منذ ست سنوات، وجعلها جزءاً صغيرا من المعارضة التي تفاوض النظام، بحيث لا تتعدى حصتها الخُمس أو الرُّبع على أحسن تقدير، عندها سوف يتفاوض النظام مع حلفائه !.

الجديد في جنيف4 بجولتيه الأولى والثانية، هو اعتماد أربعة محاور للتفاوض- المحور الأول: الحكم والانتقال السياسي  المحور الثاني: الآليات الدستورية المحور الثالث: العملية الانتخابية المحور الرابع: جرائم الحرب وإرهاب الدولة والإرهاب العابر للحدود.

نظام بشار الأسد لديه سيناريو واحد للتفاوض يقوم على التعطيل والمراوغة وكسب الوقت، لذلك يتظاهر بالقبول لكنه يصر على طرح قضية الإرهاب فقط، في محاولة لإدخال المفاوضات في متاهات تعريف الإرهاب والمنظمات الإرهابية، وإغراق الجميع في تفاصيل لا تنتهي. في الجولة الأولى من جنيف4 عندما وافقت المعارضة على بحث موضوع الإرهاب، قال المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا لرئيس وفد النظام بشار الجعفري بصريح العبارة: "الإرهاب يشمل البراميل المتفجرة والغازات السَّامة". وهذا ما عبَّر عنه دي ميستورا في إحاطته أمام مجلس الأمن في 8 آذار الجاري. 

اعتراض كثير من السوريين على إدراج سلة الإرهاب قد يكون مفهوماً ومبرراً في حالة اعتمادها السلة الأولى تراتبيا كما يريد النظام، لكن هذا لم يكن .. من الناحية العملية، ليس بوسع المعارضة ولا بمقدور وفدها المفاوض رفض مناقشة الإرهاب، إذ قد يؤدي ذلك إلى إدراج فصائل الجيش الحر على قوائم الإرهاب، بينما هي محصنة الآن وفق العملية السياسية وقرارات مجلس الأمن، ولا يُلتفت هنا إلى الاتهامات الروسية. حاليا ما عدا تنظيم داعش وجبهة النصرة فإن جميع فصائل الثورة العسكرية في سوريا منظمات شرعية معترف بها كمحاور سياسي. 

الأمر الآخر الهام الواجب التنبيه إليه، هو موضوع التراتبية، فقد يتم بحث المواضيع بالتوازي لكن لا بد من التراتبية في التطبيق. الحكم ثم الدستور ثم الانتخابات، فلا يمكن البت في موضوع الانتخابات قبل الانتهاء من موضوع الدستور. الأهم من ذلك كله هو قبول المحاور واعتمادها جملة واحدة، فقد أوضح المبعوث الخاص دي ميستورا أن المحاور الأربعة إما تقبل جملة واحدة أو ترفض جملة واحدة، وهذا ما يرفضه النظام ويدعمه الإيرانيون، لأن ذلك يعني قبول الانتقال السياسي، وهذا يشكل خطاً أحمر عند النظام، ويعني انتهاء حكم آل الأسد إن عاجلا أو آجلا. ليس سراً أن وفد المعارضة يعاني من مصاعب ومشكلات، منها غياب الداعمين الدوليين، ومشكلات تنظيمية وإدارية، تحول في غالب الأحيان من الاستفادة من تراكم الخبرات والبناء على ما سبق. نتيجة التغيير المستمر في تركيبة الوفد المفاوض، مقابل استمرار وفد النظام كما هو تقريباً. 

مع ذلك فقد كان أداء وفد المعارضة مقبولاً وناجحاً، فقد تمكن من كشف تهرب النظام وعدم جديته في إنهاء الأزمة السورية، ونجح في تقديم رؤيته للحل، وتعامل مع الاستحقاقات الدولية بإيجابية ومسؤولية. وهنا لا يجب الالتفات إلى دعاوى مقاطعة المفاوضات والانسحاب منها، فهي مواقف متسرعة كلفت الثورة السورية خسائر كبيرة لا مجال لسردها هنا. في السياسية الدولية لا أحد دون بديل، من يستنكف يتم التعامل مع غيره. في المجلس الوطني السوري عبرة لمن أراد العبرة .. الغريب أن من قوَّض المجلس لا يزال مصراً على إفشال جنيف!.
0
التعليقات (0)