كتب الصحافي الدنماركي فليمنغ روز مقالا في موقع "هافنغتون بوست"، يقول فيه إن محادثة له مع المسؤول الاستراتيجي في البيت الأبيض ومحرر "بريتبارت نيوز"، الموقع اليميني المتطرف، ستيف
بانون، أكدت له أن الأخير يعتقد أن الإسلام قوة لا يمكن صد تأثيرها إلا عبر القوة العسكرية.
ويقول روز في مقاله، الذي جاء تحت عنوان "قلت لبانون: نحن لسنا في حرب مع الإسلام، ولم يتفق معي": "في أيار/ مايو 2016، دعيت إلى إحدى البيوت الخاصة في نيويورك للحديث، ومثل بقية المدعوين كانت مضيفتي قلقة من الإسلام وتأثيره المتزايد على
أوروبا، وكانت تريد مقابلتي لأنني كنت في عام 2015 و2016 في مركز الجدل حول الصور الكارتونية الدانماركية، التي كانت واحدة من المواجهات بين الإسلام والقيم العلمانية المتعلقة بحرية التعبير وحرية النقد والسخرية من الدين".
ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه "في تلك الجلسة دخل رجل لم أكن أعرفه من قبل إلى غرفة الجلوس، وجلس في الطرف المقابل لي على الطاولة، وكان مكتنزا وليس سمينا، وكان وجهه محمرا قليلا، ولم يحلق لحيته، وكان حافيا، وعلى رأسه الكثير من الشيب".
ويورد المقال أن هذا الرجل قدم نفسه في أثناء الحديث على أنه ستيف، واكتشف الصحافي أن اسم عائلته هو بانون، وكان المدير التنفيذي لموقع "بريتبارت نيوز"، وهو مؤسسة إعلامية للأخبار البديلة عن أخبار التيار الرئيسي للإعلام، الذي أصبح من المواقع الأكثر قراءة في أمريكا، وتوسع في الفترة الأخيرة إلى أوروبا، ويقول روز: "بعد أشهر من مقابلتنا انضم بانون إلى حملة دونالد
ترامب لانتخابات الرئاسة، ونعرف الباقي".
ويعلق الكاتب قائلا: "ما أثار قلقي هو اعتقاد بانون بأن النزاعات والحروب تترك أثرا تطهيريا، وبدا أثر بانون واضحا على الإدارة في أسابيعها الأولى، حيث شارك في كتابة خطاب ترامب الذي ألقاه أثناء تنصيبه، الذي وعد فيه بوقف (المذبحة) التي تجري في المدن الأمريكية، واستعادة البلد من النخبة المعولمة، وإعادة بنائها بناء على مبدأ (أمريكا أولا)".
ويشير روز إلى أن "بانون هو أول مستشار سياسي للرئيس الأمريكي يعين بمقعد دائم في مجلس الأمن القومي، وهو ما لم يحدث أبدا في التاريخ الأمريكي من قبل، وكان بانون من الذين دفعوا باتجاه القرار التنفيذي لحظر رعايا 7 دول مسلمة من دخول الولايات المتحدة، بالإضافة إلى اللاجئين من سوريا، ووصف بانون في افتتاحية كتبتها صحيفة (نيويورك تايمز) بأنه (الرئيس الفعلي) للولايات المتحدة، ووضعت مجلة (تايم) صورته على غلاف عدد من أعدادها تحت عنوان (المتلاعب العظيم)".
ويلفت الكاتب إلى أنه التقى بانون في تلك الجلسة، وكان عائدا للتو من مهرجان "كان" السينمائي في فرنسا، حيث عرض فيلمه "أموال كلينتون"، ويقول: "بدأ نقاشنا هادئا قبل أن يحتدم في عدد من المرات، وافترض بانون أننا نقف نقرأ الصفحة ذاتها حتى وصلنا إلى كيفية مواجهة الإرهاب الإسلامي، والتحدي القادم من الدول الإسلامية إلى أوروبا، والتحدي القادم من المجتمعات الإسلامية الموازية في أوروبا، وفشل الدول الأوروبية في دمج هذه المجتمعات".
ويضيف روز: "عندما اكتشف أننا نختلف في المواقف أصبح نقاشنا حادا، وهو متحدث يملك طاقة، ولغة جسده هي جزء من الكيفية التي يشرح فيها أفكاره، وهو شخص لا يتورع عن إطلاق الشتائم".
ويعلق الكاتب قائلا إنه شعر بالدهشة من شخص يهاجم أفكاره المتعارضة معه، رغم أنه لم يلتق به أبدا من قبل، حيث كان واضحا في الحديث دون مقدمات أو رسميات، "وكان ما قاله منعشا لو لم يكن مثيرا للقلق"، خاصة أنه أحد أهم صناع القرار المؤثرين في أمريكا.
ويقول روز: "بانون غاضب، ومصدر غصبه هو (النخبة المعولمة)، ونافش أن ترامب هو بداية تمرد سينمو بقوة في السنوات المقبلة، وترامب ليس الشيء الحقيقي، لكنه ما قبل العاصفة، وانتظر وشاهد".
ويلفت الكاتب إلى أن "بانون تحدث عن تجوله في أنحاء أمريكا، ومقابلته الناس العاديين، الذين يشعرون بالحرمان والعجز والخيانة من المؤسسة، وكيف انحرفت الرأسمالية عن مسارها، ويجب في هذه الحالة حمايتها من ذاتها، وبالنسبة له، فإن نقطة التحول كانت هي الانهيار المالي عام 2008 و2009، وقرار الحكومة مساعدة وول ستريت في وقت طلب فيه من الناس العاديين دفع الفاتورة".
ويذكر الموقع أن المؤرخ الاجتماعي في المعهد المحافظ "هدسون" رونالد رادوش، كتب قبل فترة متحدثا عن بانون في حفلة توقيع كتاب، وقال إن الرجل الذي يعد اليوم مسؤول الاستراتيجيات في البيت الأبيض هو "لينيني"، وبحسب رادوش، فإن بانون شرح أساليبه اللينينية بهذه الطريقة: "كان لينين يريد تدمير الدولة، وهذا هدفي أيضا، وأريد تحطيم كل شيء، وتدمير المؤسسة كلها".
ويعلق روز قائلا: "ما أثار قلقي أكثر في نقاشنا هو اعتقاد بانون أن الحرب لديها أثر تطهيري، وأنه يجب تدمير كل شيء، والبدء من الصفر، وكان واضحا في تأكيده أنه فقد الثقة بأوروبا العلمانية، وإيمانه بأن المهاجرين المسلمين إليها كانوا وراء تراجع القيم المسيحية التقليدية، التي تعد أساس الحضارة الأوروبية، وبالنسبة له فإن خسارة الدين المسيحي كانت وراء ضعف أوروبا، التي لا تريد أو غير مستعدة لمواجهة القوة الصاعدة للإسلام، وإصرار بعض المسلمين الأوروبيين على معاملة مميزة لدينهم".
وينوه الكاتب إلى أن "بانون كان يعتقد أن إنقاذ أوروبا يعني النزاع المسلح، فقوة الإسلام لا يمكن وقفها بالطرق السلمية، وبعبارات موجزة، أخبرني بانون أن الغرب في حرب مع الإسلام".
ويستدرك روز قائلا: "حاولت التعبير عن موقفي المعارض، نعم نحن نواجه عنف الإسلاميين، وحربا باردة مع الإسلاميين الذين لا يتبنون العنف، والذين يريدون تقويض العلمانية، إلا أننا لسنا في حرب مع الإسلام، حيث خاض الغرب الحرب الباردة على عدة جبهات، التي كانت في الأساس حرب أفكار، حيث أدى الماركسيون من أصحاب التوجه الاجتماعي الديمقراطي دورا مهما في تعريف الديمقراطية ضد الشمولية اللينينية الماركسية للاتحاد السوفييتي السابق، ومن المهم منح المجال ذاته للمسلمين الذين يقفون إلى جانب الديمقراطية والمشاركة في الحرب ضد الإسلاميين، وهذا غير ممكن لو أصررنا على أننا في حرب مع الإسلام".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "لم يوافق بانون وهز رأسه، وبعد جولة أخرى من النقاش وتبادل الشتائم، نظر إلي بانون بطريقة شعرت فيها بالحرج، وقال لي: (فليمنغ، آمل أن نتمكن من القيام بذلك بطريقتك، لكنني لست متأكدا)".