قضايا وآراء

مؤتمر جنيف السوري.. الجميع بانتظار ترامب

محمود عثمان
1300x600
1300x600
مع اقتراب 20 شباط/ فبراير موعد انعقاد مؤتمر جنيف, يبدو الارتباك جلياً على أداء الدبلوماسية الروسية في ما يخص المسألة السورية. في غضون الفترة الحرجة ما بين انتخاب الرئيس دونالد ترامب ودخوله البيت الأبيض وتسلمه مقاليد السلطة, اتبع الروس سياسة الحرب السريعة والضربات الخاطفة, من أجل فرض مكتسباتهم على الأرض كأمر واقع. حسموا معركة حلب الشرقية, على طريقتهم (الجروزنية) باتباع سياسة الأرض المحروقة التي تبيد البشر والشجر والحجر, ثم سرعان ما استجروا الطرف التركي, وأدخلوه شريكاً في عملية سياسية طبخت على عجالة, فأخرجت مؤتمر "أستانة" تحت شعار تثبيت وقف إطلاق النار.. هدنة ووقف إطلاق للنار لم تتضح معالمه بعد, ولم يتحقق فعلياً حتى اليوم. لكنه بقدرة قادر أنجب استحقاقاً سياسيا!.

حاول الروس فرض "اجتماع أستانة" كمنصة سياسية ومرجعية بديلة عن مرجعية جنيف. لكن الطرف الأمريكي قام بفرملتهم في مجلس الأمن, حيث أعيدت الأمور إلى نصابها, فبقيت "أستانة" إحدى منصات الأزمة السورية المتعددة, دون أن تكون مرجعية أساسية, ودون أن تمس مرجعية جنيف التي تقتضي انتقالا للسلطة في سوريا.

فرملة الروس في مجلس الأمن لم تكلف الأمريكان كبير عناء, ولا اضطرتهم لاستخدام حق الفيتو, كما يفعل الروس عموما عند تعطيلهم للقرارات الأممية. لأن الروس كانوا عاجزين حتى عن حشد نصاب جلسة مجلس الأمن البالغ تسعة مقاعد من أصل خمسة عشر. ومن يعجز عن تأمين نصاب جلسة لمجلس الأمن كيف له أن يقود عملية سياسية دولية بحجم الأزمة السورية؟!.

يحاول الروس والإيرانيون وجميع اللاعبين, استكشاف الاستراتيجية الأمريكية في عهد الإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب بخصوص المسألة السورية. لكن لا معالم واضحة حتى الآن لهذه الاستراتيجية, اللهم إلا ما كان من تصريحات قليلة مقتضبة لترامب وبعض المسؤولين الآخرين, وزير الدفاع ومسؤول الأمن القومي, التي تناولت إيران بالنقد الشديد. وتغريدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي, تهدد إيران وتعدها بأن مرحلة التسامح الأوباماوية قد ولت.

الروس والايرانيون وبقية اللاعبين في أمس لمعرفة استراتيجية ثلاثي معادلة القرار الأمريكي, البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون, قبل التموضع واتخاذ أية خطوات فعلية جدية. حيث لا يزال الغموض سيد الموقف, حول رؤية هذه المؤسسات واستراتيجيتها حيال منطقة الشرق الأوسط عموما, والقضية السورية على وجه الخصوص. لذلك رأينا تراجعاً في عزيمة الروس على عقد مؤتمر جنيف, وهم كانوا حتى وقت قريب من أشد المتحمسين لانعقاده بأسرع وقت ممكن, حتى اتهموا المبعوث الأممي ديميستورا بالتعطيل!.

فرنسا التي تعتبر سورية إحدى مناطق نفوذها التقليدية هي الأخرى تنتظر ما تنوي إدارة ترامب فعله في سورية لتتخذ خطوات تموضعها بناء على ذلك. مسؤول فرنسي كان قد أجرى محادثات مع مسؤولين في الأمن القومي الأمريكي أعلن أن الأولوية لدى واشنطن في سورية حاليا , هي القضاء على تنظيم داعش, وإخراج إيران ومليشيا حزب الله منها. وأن الأمريكيين يريدون تعزيز دعم قوات سورية الديموقراطية وزيادة العنصر العربي فيها كي لا تبقى الهيمنة غيها مطلقة للأكراد، لافتا إلى أن باريس ترى ذلك عملا إيجابيا.

التدخل العسكري الروسي الذي قابله انسحاب أمريكي في حقبة الرئيس أوباما, اضطر الفرنسيين للتراجع خطوة نحو الوراء في معركة النفوذ في سوريا, لكنهم اليوم يعاودون الكرة بعد تصعيد واشنطن ضد طهران.
 
لا مشكلة لدى واشنطن في التحاور مع موسكو أو حكومة الأسد، لكن أولويتها حاليا منصبة نحو تقليص تأثير إيران ومليشيا حزب الله وباقي المليشيات الشيعية في سورية. وهذا يصب في صالح الروس أيضا.

صحيح أن فك الارتباط بين طهران وموسكو يفقد الأخيرة بعض الأوراق الاستراتيجية, لكنه في المقابل يمنحها قدرة أكبر على الحركة والمناورة, حيث باتت أجندة الروس تتعارض مع أجندة الإيرانيين في سوريا.

في بعض مراحل الصراع كان التنسيق قويا بين فرنسا والمملكة العربية السعودية حول الأزمة السورية. إذ يتفق الطرفان على ضرورة إبعاد إيران عن الامساك بزمام الأمور. لدى الفرنسيين اعتقاد بأن الأمريكيين مهتمون بالحصول على أفكار جديدة تساعدهم في وضع خطة للتصدي للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. 

إن ما يقلق الأمريكيين واسرائيل والفرنسيين ومعهم بعض الأشقاء العرب بالإضافة للمعارضة السورية, هو أن إيران ومليشيا حزب الله اللبناني باتا القوة الأساسية على الأرض في سوريا. بعد أن تحول جيش النظام إلى أحد المليشيات الموجودة في الساحة لا أكثر.

نجح دونالد ترامب في التمهيد لوضع استثنائي, أصبحت معه جميع الأمور معلقة. الروس عاجزون ويعانون من صعوبة في فرض أية معادلة على الأرض . الإيرانيون من خلال حزب الله يريدون فرض توازنات جديدة.

مقابل ذلك الوضع الداخلي الإسرائيلي في حالة غليان, وهذا قد يدفع نتنياهو إلى خيار الحرب. الدول العبرية بحاجة إلى خوض حرب كل عشر سنوات للتخلص من مشاكلها الداخلي. الآن وبعد تصريحات الإدارة الأمريكية الجديدة أصبح حزب الله والوجود الإيراني هدفا مشروعا لإسرائيل.

مجمل هذه المعطيات المعقدة أفقدت جميع الأطراف شهية الذهاب إلى مؤتمر جنيف المزمع انعقاده في العشرين من شهر شباط/ فبراير الجاري. لقاء موسكو لم ينجح , وكذلك محاولة الروس تشكيل معارضة بديلة على المقاس الروسي باءت بالفشل. الأمم المتحدة تراجعت عن تصريحات ديميستورا, التي هدد فيها المعارضة بتشكيل وفدها بنفسه إن لم تقم هي بذلك. الأمم المتحدة تتمسك اليوم بحق مؤسسات المعارضة, الائتلاف الوطني السوري والهيئة العليا للمفاوضات بالإضافة للفصائل المشاركة في اجتماع أستانة, في تشكيل وفد المعارضة الذي سيتفاوض مع نظام الأسد.

في غياب مقدرة الروس على فرض معادلة للحل في سوريا, الجميع ينتظر ما سيأتي من واشنطن. الطرف الأمريكي ليس في عجالة من أمره, ولن يطرح استراتيجيته الآن. بل لا أحد يدري ما إذا كان ترامب جاداً في سياسة التدخل في منطقة الشرق الأوسط أم لا!.

ترامب فرمل الجميع, وأحدث فراغاً هاما, يتوجب على المعارضة السورية الاستفادة منه. فترات الفراغ تحتاج إلى صمود وصبر وجلد إضافي. الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات وممثلو الفصائل لديهم فرصة سانحة من أجل لملمة شتات المعارضة وتجميعها تحت جناحين أساسيين, سياسي وعسكري. المعارضة السورية ممثلة بالائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات وممثلو الفصائل أمام امتحان صعب. ينصب في مقدرتهم على إبراز فريق تفاوضي متكامل متجانس, يجسد شرعية تمثيل الثورة السورية .

المعارضة السورية سجلت نجاحا ناصعا في جنيف 2 قبل عامين. الآن الفرصة مواتية أمامها لتكرار النجاح نفسه رغم كل الصعوبات.
0
التعليقات (0)