مقابلات

أسيرة "النضال الناعم" تتحدث لـ"عربي21" عن تجربة كسر الحصار

سميرة ضوايفية : أجمل شيء أني كنت على أرض فلسطين-عربي21
سميرة ضوايفية : أجمل شيء أني كنت على أرض فلسطين-عربي21
تعرف على آخر رسالة من زوجها وموقف الأسرة من سفرها

 ماهو الشيء الذي خفف عنها مشقة الأسر وعناء الرحلة النضالية؟

 كيف تدربت على مواجهة جنود الاحتلال حال اقتحام السفينة وقرصنتها؟

 لماذا أخرت سلطات الكيان في الإفراج عن النائبة الجزائرية سميرة ضوايفية؟


حين تركب 13 امرأة فقط في سفينة صغيرة، ويخاطرن بحياتهن، في ظروف قاهرة، ويسلكن طريقا نحو المجهول، ويقطعن 1710 ميلا بحريا، ليس بالأمر الهين، فوراء كل إمراءة منهن، قصة إجتماعية أو إنسانية بعيدة عن الهدف الذي التقين عليه، خاصة وأن معظمهن أمهات، تركن بيوتهن وأولادهن ليركبن البحر في مغامرة محفوفة بالمخاطر.

توحدن على النضال من أجل الدفاع عن قيم الإنسانية، وقررن التضحية بحياتهن، من أجل أن يحيا 2 مليون إنسان محاصر في قطاع غزة لسنوات طويلة، ولفت أنظار العالم إليهم قبل أن يدخل حصارهم طي النسيان.

وكانت النائب في البرلمان الجزائري عن تكتل الجزائر الخضراء، سميرة ضوايفية، إحدي المشاركات في "النضال الناعم" أو الأسطول النسوي، لكسر الحصار عن غزة، وهو الأسطول الرابع للتحالف الدولي لكسر الحصار عن غزة، الذي يأخذ في كل مرة طابع معين، وفي المرة الرابعة قرر التحالف الدولي لكسر الحصار أن يكون نسائيا بامتياز، حيث كانت كل المشاركات نساء، بداية من طاقم السفينة وحتى الفريق الإعلامي، المكلف بتغطية الرحلة النضالية.

"عربي21" التقي النائبة سميرة ضوايفية، للحديث عن تجرتهن في محاولات كسر الحصار عن غزة، والمخاطر التي تعرضن لها في البحر، وداخل سجون الاحتلال بعد قرصنة السفينة وإلقاء القبض عليهن جميعا، فإلي تفاصيل الحوار:

بداية، هل وافقت أسرتك على خوض تجربة نضالية، يعلمون أنها ليست بسيطة، وربما تتعرضين فيها لعواقب وخيمة؟
نعم، بلا تردد، ولم أتلق أي اعتراض من طرف زوجي أو أبنائي ، ابني الكبير عمره 16 سنة ، وأخته عمرها 9 سنوات.

ألم يشعروا بالقلق عليك؟
صحيح كان هناك مخاوف إنسانية ، لكن من يحمل هم قضية عليه أن يعد نفسه منذ بداية الطريق أنه معرض لأي مخاطر في أي وقت ويتقبل أي خطر.

متي كان  آخر حديث بينك وبين زوجك؟
قبل ركوبي في السفينة، اتصلت به وقلت سنركب الآن، فقال لي باللهجة الجزائرية " إن شاالله ربي يوفقك"، فقلت له أنا في وجه ربي وفي رعايته أتمني الشهادة، وهذا كان أملي فعلا، ويعلم الله ذلك، فقال لي "خليها على ربي وإن شاء الله ما يكون غير الخير".

وماذا كانت آخر رسالة منه لك قبل قرصنة السفينة؟
أرسل لي عبر برنامج "واتس أب" صورة طفلاي وفقط.

وكيف قرأتي دلالات تلك الصورة؟
كان يريد أن يقول لي أن هناك شيء كبير يستحق أن تعودي، وينتظرك.

غامرت مجموعة من النساء بحياتهن، دفاعا عن حياة آخرين.. كيف ذلك؟
لم يكن ما فعلناه إمتهانا للحق في الحياة، لكنه كان رغبة في الحياة، أردنا أن نقول من خلالها أن هناك أناس في غزة يستحقون الحياة، ومساندة حقوق هؤلاء في الحياة تستحق أن نغامر بحياتنا من أجلهم.

سبقكم ثلاث أساطيل لكسر الحصار، فما الجديد الذي قدمتموه من خلال الأسطول الرابع؟ 
التحالف الدولي لكسر الحصار يسير في كل مرة أسطولا لكسر الحصار عن طريق البحر لأن المنافذ البرية والجوية مغلقة، ولم يعد أمامنا سوي البحر، اختار هذه المرة أن تكون المشاركة نسائية بامتياز، حتي نستند في ذلك لمختلف الاتفاقيات والحقوق الدولية التي تؤكد على الحق الشرعي والأصيل للمرأة في كافة حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، خاصة وأن ذلك الحق الكبير تحاكم لأجله دول، والمرأة الفلسطينية عموما والغزاوية خصوصا محرومة من هذا الحق، فأردنا أن نقول للعالم لماذا هذا التمييز في حق هذه المرأة داخل قطاع غزة.

لكن هذه الحقوق ضائعة تحت مرأي ومسمع العالم أجمع!
حجم التضحية في هذا الأسطول كبير، وأردنا من خلاله أن ندق على بعض المناطق المظلمة في ضمير الإنسانية، وينتبه العالم لذلك، خاصة في العالم الغربي الذي يؤمن بالحق في الحياة واعتباره حق مقدس ولا يجوز إنسان أن يمتهن هذا الحق بأي شكل من الأشكال، أردنا من هذا النضال النسائي أو "النضال الناعم" أن نقول للعالم أن نساء العالم، وأكثر من نصف سكان المعمورة، يشغلهن كثيرا وبشكل لافت، مليوني إنسان محاصر في قطاع غزة، لدرجة انه لم يعد بإمكان البشرية أن تسكت عن هذا، والمرأة معنية بهذا الحصار وبآليات فكه، وعلى نساء العالم أن يتحركن ويفعلن أي شيء لكسر الحصار عن قطاع غزة.

صف لنا حجم الأسطول؟
الأسطول كان مشكل من سفينتين، ثم تم إعطاب إحداهن وأكملت فقط زيتونة مسارها في اتجاه غزة وتم قرصنتها، وكان يفصلها عن غزة 33 ميل فقط.. زيتونة كانت سفينة صغيره، والهدف منها لم يكن فقط توصيل المساعدات الإغاثية الظرفية، الهدف كان أكبر من ذلك، وهو أن نلفت عناية العالم إلى تلك المظلمة الكبيرة في غزة، خاصة وأن القضية بدأت تدخل في طي النسيان رغم أن المأساة كبيرة جدا، فأردنا أن نشد أنظار العالم وأن نقود نضالا برلمانيا حقوقيا نسائيا باسم هذه الحقوق المهضومة، ونحن بالمناسبة نعد الآن للأسطول الخامس لكسر الحصار عن غزة.

وما الجديد الذي سيقدمه الأسطول الخامس؟ 
لازلنا في البدايات، وقريبا ستصفح اللجنة التنفيذية  بالتحالف الدولي لكسر الحصارعن خاصية الأسطول الخامس، وهناك اقتراحات أن يكون شبابي بامتياز، وهناك اقتراحات أن يكون برلماني بامتياز، أو برلماني نسائي صرف، وكل هذه الاقتراحات يتم دراستها الآن للخروج بما هو أفضل ومناسب وأكثر تأثيرا، وفقا لمجموعة من المعايير التي تحقق الهدف من تسيير الأسطول.

متي سيكون موعد تحرك الأسطول؟
تقريبا سيكون بين الصيف والخريف القادم.

حدثينا عن رحلة النضال، وكيف أعدتن أنفسكن لها؟
الرحلة انطلقت من برشلونة الإسبانية، ثم إلى أجاكسيو الفرنسية، ثم مدينة ميسينه في جزيرة صقلية جنوب إيطاليا ومن ميسينا الإيطالية إلى غزة، وأنا شاركت في المرحلة الأخيرة، التي انطلقت من ميسينة  باتجاه غزة، وفي اليوم التاسع دخلنا في المائة ميل البحري، وكنا نقتسم مهام معينة من الحراسة إلى العمل اللوجيستي داخل السفينة ، وكنت مكلفة في تلك اللحظات بالحراسة مع مشاركتين من الرابعة صباحا حتى الثامنة صباحا وبعد إنهاء فترة حراستي استيقظت كل المشاركات واتفقن على نمط معين من السلوك كنا تدربنا عليه طيلة الرحلة وقبل خروجنا من ميسين.

وماهي تلك السلوكيات؟
سلوكيات نفسية، ووسائل مواجهة جنود الاحتلال، والاستعداد لأي احتمالات واردة، كيف سيكون موقفنا؟ وكيف سنتصرف؟، تذكرنا سويا هذه التدريبات وحينما دخلنا في المائة ميل الأخير، طاقم السفينة رفع من سرعة السفينة وكنا كلما نقص عدد الميل البحري ولم تحدث أي محاولات للقرصنة كانت فرحتنا وأملنا يكبر في إمكانية الدخول إلى غزة .

ومتي كانت لحظة القرصنة؟
بدأت الأميال تتناقص عشرة فعشرة حتي وصلنا إلى 44 ميل تقريبا، شعرنا بسعادة غامرة واعتقدنا لوهلة أنه بإمكاننا الدخول إلى غزة، عندها بدأت عملية التشويش على الاتصالات، وانقطع البث الإعلامي،  بعدها بدأنا نشاهد بوارج بحرية عن طريق المكبر، فتأكدنا أننا فعلا تحت قرصنة ، بعدها بدقائق بدأت بحرية الكيان المحتل تطلق صيحات، للاتصال عبر لوحة التحكم في السفينة، تقول لنا أنتم اخترقتم المياه الإقليمية على حد قوله لدولة إسرائيل فطلبنا إلى قائد السفينة الدخول معهم في حوار والتأكيد على أن زيتونة مازالت في المياه الدولية، وليست متوجهة إلى دولتكم، ونحن نتجه إلى المياه الإقليمية لغزة، وغزة تنتمي إلى دولة اسمها فلسطين، فقال لها إن سفينتك دخلت إلى منطقة حصار أمني إسرائيلي، فقالت له أنت تتحدث عن حصار أمني وأنا اتحدث عن مليوني إنسان تحاصرهم دولتكم بلا أدني مقومات للحياة ونحن جئنا للتضامن الإنساني معهم فقال لها بإمكانكم الدخول عبر ميناء أسدود العسكري ثم برا إلى غزة، فردت عليه قائلة أنا جئت لكسر حصار بحري ولم آتي لأدخل برا عن طريق دولتكم فقال لها إذا أنتم ستخضعون للحكم العسكري للبحرية الإسرائيلية فتشاورنا وصوتنا بالإجماع أننا نقبل أن نواصل الإبحار نحو غزة مهما كلفنا من ثمن.

وماذا حدث بعد ذلك؟
في دقائق كانت 7 بوارج بحرية تحيط بقارب زيتونة صغير  لا يتسع لأكثر من 8 أشخاص بعدها بلحظات قليلة شاهدنا زوراق حربية صغيرة يتم إنزالها من البوارج البحرية محملة بجنود يتراوح عددهم من 14 إلى 20 جندي وقاموا باقتحام السفينة وتفتيش أغراضنا وصادروا أوراقنا ووثائقنا الثبوتية، ثم تم تحويل السفينة باتجاه ميناء أسدود ودامت القرصنة ثمان ساعات كاملة مستمرة على سطح السفينة ، وفي منتصف الليل وصلنا إلى ميناء أسدود، وخضعنا في خيم قريبة من الميناء إلى تحقيق وكان أول ما طلب منا هو الإمضاء على أوراق الترحيل وهي تتضمن كذلك الأبعاد لعشر سنوات فرفضنا مطلقا، وطلبنا بإحضار المحامين الفلسطينيين الذين وكلناهم عنا قبل الخروج من إيطاليا للدفاع عنا، واستمروا في التحقيق بعد مصادرة كافة أمتعتنا حتي المصحف والمسبحة والدواء.

كم استمرت مدة الحبس؟
من منتصف الليل وحتى الخامسة صباحا ونحن في التفتيش والتحقيق وتم نقلنا في مجنزرات مصفحة إلى زنزانة عفنة متسخة تفتقر لأبسط الضروريات الإنسانية حتى دورة المياة ولم نأكل شيئا طوال تلك المدة بعد أن صادروا طعامنا وكنا في حالة جسدية قاسية لكن الحمد لله كانت معنوياتنا في السماء، وعندما طال احتجازنا في تلك الغرفة العفنة بالمعتقل بدأنا بالاحتجاج بالطرق على الأبواب وطلبنا من الجنود توضيح ما الذي ينتظرنا؟ وبعد ساعة تقريبا شرقت الشمس، ثم أحضروا لنا نفس الأوراق التي عرضت علينا في ميناء أسدود للإمضاء عليها فرفضنا أيضا وأكدنا ضرورة إحضار المحامين، فهددونا بالبقاء في السجن إن لم نمضي على الورق.

ألم تتحرك أي جهات دبلوماسية للإفراج عنكن؟
مع منتصف النهار بدأ قناصلة "سفارات" المشاركات التي لدولها علاقات مع دولة الكيان المحتل بالحضور إليهن، وبقيت أنا والمشاركة الماليزية والمشاركة من جنوب إفريقيا لأن ليس لدولنا علاقات دبلوماسية مع الكيان المحتل وهذا كان مشرفا لنا ثم جاء المحامي وأخبرني أنني سأخضع لمحاكمة باللغة العبرية، فقلت للقاضي كيف سأحاكم بلغة لا أفهمها فقال لي محاميكي سيترجم لك فيما بعد ثم دامت المحاكمة 5 ساعات وصدر الحكم في خمس ورقات بتمديد الاعتقال ثم أمر الشرطي باصطحابي إلى الزنزانة، فعادوت الاحتجاج مع المشاركتين المتبقيتين، فعاد الشرطي مجددا بورقة مكتوبة بالعبرية فهمت منها أنها تذاكر لرحلات طيران بمواعيد مختلفة، ولم أنم تلك الليلة، وفي الثالثة صباحا اصطحبتني شرطية وشرطي إلي المطار عبر انفاق تحت الأرض وكانت الشرطية تحمل بطاقة ممغنطة تفتح بها الأبواب السرية المؤدية إلى المطار ، وخصصوا لي كرسي في أخر الطائرة بعيدا عن الركاب، كى لا يختلطوا بي.

هل كنت تعرفين الوجهة التي تتجهين لها؟
لم أعرف إلى أي بلد سأذهب خاصة أنه لا توجد رحلات طيران إلى الجزائر مباشرة، وعندما طلبت منها الذهاب إلى أي دولة أوروبية على اعتبار أني معي تأشيرة "شينجل" فقالت لي أنت لست في رحلة سياحية لتختاري وجهتك وتم ترحيلي إلى فرانكفورت ترانزيت إلى الجزائر، ولم يصرفوا لي على الطائرة أي شيء طوال رحلة طيران مدتها أربع ساعات ونصف باستثناء كوب ماء في نهاية الرحلة.

هل علم أحد بموعد وصولك إلى المطار؟
الجاليات العربية المتابعة في فرانكفورت علمت من المحامين أن وجهتي ستكون إلى هناك، فنظموا قافلة شعبية لاستقبالي، وعندما وصلوا إلى المطار لم يكن اسمي مسجلا في كشوف المسافرين، لأنهم رحلوني كمجرم حرب، فبدأ القلق يساور الجميع، وظنوا أنه قد اصابني مكروه، قبل أن يصلهم خبر وصولي للجزائر.

هل كنت تتوقعين العودة إلى المنزل؟
كنا نتوقع كافة الاحتمالات بشكل متساوي، بدأ من السماح لنا بالدخول إلى غزة وحتي قتلنا أو إغراقنا، وتدربنا تدريب نفسي سلوكي على كل هذه الاحتمالات.

ما الشيء الذي خفف عنك مشقة تلك الرحلة النضالية؟
أجمل شيء أني كنت على أرض فلسطين، ولم أكن بعيدة عن القدس والأقصي، رغم كل القلق الإنساني الذي كان يساورنا جميعا، وشعونا القاسي عن مدي المعاناة التي تعيشها المرأة الفسطينية الأسيرة في سجون الاحتلال.

التعليقات (0)