مدونات

ما بين الثورة والسياسة

سيلين ساري - كاتبة من مصر
سيلين ساري - كاتبة من مصر
الغنيمةُ الغنيمة، كلمة رددها الصحب الكرام يوم أحد عندما شاهدوا كفار قريش يفرون بحياتهم، تاركين خلفهم ما كانوا يحملون من متاع الدنيا، فخالف الرماة أمر الرسول ونزلوا ليجمعوا دنيا الكفار ويكون لهم حظ من الدنيا.. هي النفس البشرية الأمّارة بالسوء التي جعلت قلوب الصحابة وبين أظهرهم رسول الله تميل للدنيا، فخالفوا أمر الرسول وتركوا أماكنهم فخسر المسلمون بسبب مخالفتهم المعركة رغم نصرهم في بادئ الأمر، فصار درسا استفاد منه المسلمون طوال الوقت أن مخالفة القائد والتفكير المنفرد وحب الذات يشقى به الجميع، العاصي والملتزم.

هي ذاتها النفس الأمارة بالسوء التي سيطرت على عقول ثوار الأمس الذين جمعتهم مطالب الحرية والكرامة، ومع أول بشائر النصر هرولوا مسرعين لجمع الغنائم قبل نهاية الحرب، تلك الغنائم التي ألقيت هذه المرة بعناية فائقة ومرتبة فكان الالتفاف السريع من الخلف للعسكر والدولة العميقة، ليتحول نصرنا لهزيمة ويتفتت الصف الثوري كل باحث عن غنيمته، دون أن يرى أن المكسب المنفرد هو هزيمة جماعية.

لقد تلاعب الذئب العجوز "العسكر" بشباب الثورة وحتى بشيوخها من كل الفصائل، فترك بميدان الثورة لكل منهم الغنيمة المناسبة لأحلامه، حتى يجعلهم يأتوه فرادى ليفتت جمعهم ويكون من السهل القضاء عليهم وعلى ثورتهم.

لقد زرع ببراعة بينهم بذور التطرف الثوري، فجعلهم، دون إدراك من البعض، يظنون أنه حماية للثورة.. يجب ألا يستقل أي فصيل بقراره وأن اتصال أي من الفصائل بالمجلس العسكري هو خيانة لباقي أطياف الثوار، وأن وراء هذا الاجتماع ما وراءه من مصالح شخصية تخص هذا الفصيل. وكان العسكر هو من يدعو الفصائل منفردة وهو من يسرب المعلومة عن الاجتماع حتى تدب الفرقة ويبدأ التخوين، وكان أول من وقع بالفخ أكبر الفصائل وأخطرها على العسكر، وهم (الإخوان) أصحاب أكبر رصيد شعبي على الأرض وأكثر من اشتغلوا بالسياسة بالنسبة لباقي الأحزاب.

ومما ساعد على نجاح خطة العسكر هو منهاج الجماعة في التغيير التدريجي الذي ظلوا محتفظين به حتى بعد وصولهم للحكم، ونسوا أو تغافلوا عن ألف باء ثورة هو التغيير الجذري لكل ما ثار الشعب عليه، وليس تغييرا تدريجيا، لأن هذه الطريقة أعطت الفرصة للدولة العميقة والعسكر أن يجمعوا شتاتهم ويضربوا الثورة بكل قوة وينقلبوا عليها.

كما نجح العسكر في زرع بذور التطرف الإقصائي بين أطياف الثوار، ويأتي ذلك تحت راية مصلحة الوطن فإذا تقدم الإسلاميون فهم قفزوا على الثورة، وسيسقطون الوطن في بئر الوهابية التي ستعود بالبلاد إلى عهود الجمال، واذا ظهر الليبراليون فإنهم خونه يسعون لتطبيق أجندة أمريكية، ووقتها تكون مطالب الفئات انتهازية، ومطالب النصارى طائفية، فندور في دوائر مغلقة نخون بعضنا البعض ونشك بنوايا بعضنا البعض، وكان العسكر يحقق مطلب لهذا هناك ويساند آخر هنا، حتى يعزز الفكرة أكثر.

ساند ما سمي بجبهة الإنقاذ ذات التوجهات الليبرالية ضد ما يسمى التيار الإسلامي المتمثل في الإخوان.. كما دعم سرا السلفيين لإسقاط الجبهة الإسلامية من الداخل بعد أن أغراهم بوعود خاصة بهم.. ثم تلاعب بشباب الثورة، كحركة 6 أبريل، على أمل أن يكون لهم دور أكبر على الساحة السياسية.. وصنع حركات من العدم كتمرد بشباب مأجور وشباب مخدوع.

الكل دخل الدائرة دون علم لأن الغنيمة كانت ذات بريق خطف أبصار الثوار فلم يشاهدوا موضع أقدامهم، حتى وجد الكل نفسة بموضع لا يحسد عليه، فجأة تحول الثوار إلى سياسيين لا شيء يجمعهم سوى دعوات لمظاهرة هنا أو مليونية هناك، ولكن دون خطة وأهداف وشروط دون فلسفة يبنى عليها وطن تم اختطافه وشرعية وئدت ووضع أنصارها في المعتقلات، فأصبحت المظاهرات فارغة من مضمونها غير مؤثرة.

الكل لعب بطريقة فردية في مباراة جماعية فخرج الفريق خاسر بالشوط الأول للمباراة، وبدل من أن يوحد الفريق صفوفه في الفترة ما بين الشوطين صاروا يتقاذفون بالاتهامات.

- هذا أحد مستشاري الرئيس الذي استقال وترك فراغا استغله العسكر يتهمه بأنه مسؤول عن دماء الاتحادية.

- وآخر استقال أيضا والآن يتحدث عن أن فترة الرئيس المنتخب انتهت رغم أن الرئيس معتقل.

- وهذا وزير العدل بأول حكومة بعد الثورة كان خنجرا بخاصرة الرئيس المنتخب، حيث أيد معارضيه من الداخل لإلغاء البيان الدستوري لأنه يرى أن به تطاولا على سلطة القضاء في عزل النائب العام ونسي أن هذا المطلب أحد مطالب الثورة (إنها العصبية المقيتة).

- وهذا أحد ممثلي التيار الإسلامي يطالب الدكتور محمد مرسي، برفع الحرج عن أنصاره والتنازل طواعية عن الرئاسة رسميا، مع تقديم شخصية يتم الاتفاق عليها لتخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، كأنه لا يدري بأن طلبه هذا يعطي شرعية للانقلاب.

الغريب أن الجميع يؤكد أن ما حدث انقلاب عسكري، والكل يعترف بشرعية د. مرسي، ولكن الأغرب أنهم أيضا الآن يؤيدون خطوة التراجع عن عودة الشرعية، كأنهم لا يدركون أنهم بذلك يضعون روح الثورة خلف ظهورهم. فشرعية مرسي تساوي شرعية البرلمان، وتساوي شرعية الدستور. كلها استحقاقات قال فيها الشعب كلمته وليس لأحد أن يتنازل عنها غير الشعب. فهذا الشعب يثور على انقلاب العسكر الذي أضاع صوته وسيثور على أي شخص يعطي لنفسة الصلاحية بأن يلغي صوته أو يتحدث باسمه أن الثورة التي وضعتنا على بداية الطريق للوصول لحقوقنا هي نفسها التي تلزمنا بعدم قبول أي تفريط، لذا فإن الحل الوحيد المتاح أمامنا جميعا هو أن نظل متمسكين بمبادئ ثورتنا والاتفاق على صيغ سياسية مشتركة.. لتدب الحياة في جسد الثورة المنهك، ليتعافى ويسترد الحقوق.
التعليقات (1)
واحد من الناس ... كيف كان سيتم التغيير الثوري و الثوار قد خانوا من اختاروه لقيادة البلد؟؟؟
الخميس، 01-12-2016 01:16 م
.... عندما اصدر الدكتور مرسي اعلانه الدستوري ثار الجميع عليه و اتهموه بانه يسعى لأن يكون دكتاتور مع ان بقية قراراته هي مطالب سابقة للثوار ... حتى انهم رفضوا اقالة النائب العام؟؟؟ .... انه الجهل بعينه بعندما تختار رئيس فيجب ان تكون له كافة الصلاحيات بمؤازرة شعبية لمواجهة العسكر و الدولة العميقة....فماذا كانوا ينتظرون منه؟؟؟ ان يخرج على الملأ و يقول لهم ان الجيش و الشرطة و القضاء و الاعلام تسيطر عليها الدولة العميقة و قد ينقلبوا عليه حتى يلين الثوار و يوافقوه على قراراته؟؟؟؟...الم تظهر نوايا القضاء لتزييف اول انتخابات رئاسية و لم يجهضها الا فهم الاخوان لألاعيب ملاعين القضاه؟؟؟؟.... و على رأي المثل الشعبي المركب اللي فيها ريسين تغرق .... فما بالك بالملايين ممن يعتقدوا انهم احق بمنصب الرئاسة؟؟؟ تماما كالمتفرج على ماتش كرة و يشتم اشهر لاعبي الكرة لأنه اهدر فرصة تهديف و يتخيل و يصرح بأنه لو كان مكانه لفعل كذا و كذا و ما كانت هذه الفرصة لتضيع منه

خبر عاجل