مع اعتزام الحكومة
المصرية الإقدام على خفض جديد لسعر
الجنيه قريبا، يبدو أنه ليس أمام المواطنين المصريين الكثير ليفعلوه لتجنب غلاء الأسعار من جهة، وتآكل مدخراتهم بالجنيه من جهة أخرى، هذا في حال كان بحوزتهم أي مدخرات.
وأكد خبراء اقتصاديون لـ"عربي21"؛ أن الدولة لن تستطيع مساعدة المواطنين إلا من خلال إجراءات لا يتوقع أن تُقدم عليها في ظل الظروف الحالية، كزيادة الأجور ووقف الاقتراض، والبحث عن بدائل أخرى عند الأثرياء وليس عند عامة الشعب.
لا خيار إلا التحمل
في ها الصدد، رأى أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات ورئيس شعبة الاقتصاد بنقابة التجاريين، شريف قاسم، أنه ليس أمام المواطنين غير تلقي الصدمة كما هي.
وقال لـ"عربي21": "ليس لها من دون الله كاشفة؛ مصيبة وبلوى نزلت على الناس"، مطالبا متخذ القرار بـ"الرأفة بالناس، والبحث عن وسائل أخرى للإصلاح الاقتصادي".
وأضاف أن "الاقتراض من الخارج، والخضوع للإملاءات؛ هو حل فاشل بكل ما في الكلمة من معنى"، مؤكدا أن "من لديهم خيار في التحوط من تلك الأزمة هم من يملكون المال، وليس البسطاء من عامة الشعب، أما محدودي الدخل ومهدودي الحيل، هم مفعول بهم، ولا حول لهم ولا قوة"، على حد وصفه.
وانتقد قاسم في الوقت نفسه سياسة الاقتراض المستمرة التي تتبعها الحكومة، وقال: "لا بد من إعادة تنشيط الصناعة في البلاد، والاعتماد على المكون المحلي، وتقليص حجم الاستيراد الذي يستنزف العملة الصعبة"، لافتا إلى "ضرورة مراجعة تلك القرارات، وتبني سياسة اقتصادية جديدة قائمة على الإنتاج".
واعتبر أن "فرض ضريبة عمياء، كالضريبة المضافة، يتساوى فيها الفقراء والأغنياء، هو خطأ فادح"، مشدد على ضرورة وجود "موارد أخرى، كفرض ضرائب تصاعدية على الأغنياء، وتخصيص عوائد الأراضي والمناجم لخزينة الدولة وليس لجهات سيادية".
أزمة الرقابة على السلع
أما الخبيرة الاقتصادية بسنت فهمي، فقد قللت من شأن ارتفاع
الدولار مقابل الجنيه، ومن تأثيره على عامة الناس، مبررة ذلك باستمرار البنك المركزي في توفير عطاءات دولارية (120 مليون دولار أسبوعيا)، و"بالتالي ليس هناك مبرر لرفع أسعار المنتجات، والمشكلة تكمن في ضعف الأدوات الرقابية للدولة"، وفق قولها لـ"عربي21".
ورأت بسنت فهمي أن جزءا من حل الأزمة "يكمن في منع استيراد السلع الاستفزازية (الكماليات) والتامة الصنع، والتي لا يمولها البنك المركزي". وفيما يتعلق بهبوط قيمة مدخرات المصريين، طالبت بضرورة "رفع أسعار الفائدة على الودائع لتعويضهم عن تلك الخسائر، وزيادة قدراتهم الشرائية".
إلا أن ملايين المصريين لا يمكلون أصلا حسابات بنكية أو مدخرات مالية في البنوك، ويعتمدون فقط على معاش أو مرتب، أو أجور غير ثابتة في كثير من الأحيان، فيما تآكلت مدخرات الآخرين إلى أقل من النصف في أقل من عام، وفق بعض الدراسات.
وطالبت بسنت فهمي "البنك المركزي ببناء احتياطي قوي من أجل إنهاء المضاربات على الجنيه المصري، وتحقيق توزان حقيقي في السوق"، معتبرة في الوقت نفسه أن غلاء الأسعار يكمن "في ضعف الرقابة على السوق، وليس في خفض قيمة الجنيه".
لا خيار إلا الجوع
أما عضو اللجنة التشريعية والقانونية في مجل النواب، النائب خالد محمد حماد، فذهب بالقول إلى أن "المواطن ليس أمامه إلا الجوع، ولا يملك ما يواجه به ارتفاع الأسعار، وانخفاض الجنيه مقابل الدولار".
وقال لـ"عربي21": "المواطنون متخمون بالأعباء والضرائب، والسؤال للحكومة: ألا يوجد لديك حلول غير القروض أو فرض ضرائب؟"، متهما الوزارات الحكومية "بعدم الكفاءة، والتفكير بشكل تقليدي".
واستبعد أن تقوم الدولة برفع المرتبات لتعويض خسائر المصريين من انخفاض عملتهم، وقال إن على الدولة "اتباع سياسات تقشفيه في جميع وزراتها قبل أن تطالب بها المواطنين، وتطبيق الحد الأقصى للأجور، وأن تأخذ بتجارب الدول الأخرى التي أفلست ونهضت"، وفق قوله.
التعويم أخطر من الحرب على إسرائيل
من جهته، قال الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، محمود العربي، لـ"عربي21"، إن "المواطن الغلبان لا يملك من أمره شيئا"، وأشار إلى أن الخيار الوحيد أمامه "هو تقليص نفقاته، ولكنه سينعكس بالسلب على صحته وصحة الأجيال القادمة؛ جراء شراء سلع رديئة وسيئة"، معتبرا أن "إعلان الحرب على إسرائيل أفضل من قرار تعويم الجنيه".
وحذر من حالة "الركود
التضخمي والتي تتمثل في حدوث قفزات في الأسعار، وركود في الشراء"، مؤكدا أنه رصد "شكاوى متكررة من التجار والمستهلكين تؤكد تضرر الجميع".
وتابع: "المرحلة الأخطر؛ وصول البلاد إلى مرحلة الركود الحلزوني، وهو عبارة عن حدوث زيادات مطردة في الأسعار قبل تعويم الجنيه يتبعها قفزات أعنف في الأسعار بعد التخفيض أو التعويم".
وأوضح أن "على الدولة زيادة برامج التكافل الاجتماعي والمعاشات وتوفير السلع الضرورية الاستراتيجية لضمان الحد الأدنى للعيش"، وقال إن "مصر مليئة بالموارد، ويمكنها الاستغناء عن القروض، من خلال تعقب المتهربين من الضرائب، وفرض ضرائب على الأغنياء، وتحجيم الفساد، واستغلال الموارد الطبيعية، وترشيد نفاقات الحكومة".