قضايا وآراء

بعد ثلاث سنوات من المجزرة.. أين يقف الغرب من الديمقراطية وحقوق الإنسان؟

محمد الشبراوي
1300x600
1300x600
إن الغرب ومعه الأمم المتحدة التي يهيمن عليها وسائر المنظمات الأخرى على مدار العقود الماضية، لم ينتصروا مطلقا لحقوق الإنسان أو الديمقراطية، إلا حيثما تتحقق مصالح الغرب والكيان الصهيوني المنتهك الأول لحقوق الإنسان في (فلسطين المحتلة)؛ فقرار( الفيتو) الذي طالما استخدمته أمريكا ضد أي مشروع قرار يدعو الكيان الصهيوني للامتثال لاتفاقية جنيف الخاصة بحقوق المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك منع صدور أي قرارات من الأمم المتحدة ضد مصالح الدول الخمس صاحبة الفيتو على حساب الشعوب المستضعفة والديمقراطية وحقوق الإنسان، كل ذلك يؤكد أن الديمقراطية وحقوق الإنسان ما هي إلا مجرد دعاوى وشعارات تتستر خلفها القوى الدولية.

أمثلة من الواقع المعاصر

 إن الواقع المعاصر يعج بالأمثلة، خاصة إذا تعلق الأمر بالعرب والمسلمين وبجماعات وأحزاب إسلامية أو أفراد ينتمون إلى مرجعية إسلامية، فإن حقوق الإنسان والحريات تُنحر نحرا على مذبح المصالح وصراع الحضارات، والأمثلة على ذلك لا حصر لها في (فلسطين، وسوريا والعراق، والبوسنة، والهرسك، وأفغانستان، وإفريقيا الوسطى، وبورما وغيرها).

في مصر على سبيل المثال حدث أن منظمات حقوق الإنسان في امريكا وأوروبا وقيادات سياسية رفيعة، طالبت بالإفراج عن علاء عبد الفتاح وأحمد ماهر وأحمد دومة، كذلك هبت انتفاضة حقوقية عند احتجاز المخابرات الحربية للصحفي والناشط حسام بهجت، حتى إن السكرتير العام للأمم المتحدة ( بان كي مون ) أعرب عن قلقه تجاه ذلك، وهذا وإن كان أمرا جيدا ومحمودا، لكن أين هي تلك المنظمات وهؤلاء المسؤولون رفيعو المستوى من آلاف القتلى وعشرات الألوف من المعتقلين، الذين ينتمون للتيار الإسلامي والأحزاب الإسلامية؟

 في عهد مبارك تحرك الغرب وأمريكا وسائر منظماتهم للدفاع عن الدكتور سعد الدين إبراهيم -عندما صدر بحقة حكم بالسجن من القضاء المصري- حتى إن الرئيس الأمريكي وقتها (جورج بوش الابن) هدد بمنع المعونات الأمريكية الإضافية عن مصر، حتى بعد أن تم نقض الحكم وصدر حكم مخفف عليه، وقد زاره في سجنه سفراء المجموعة الأوربية الخمسة عشر، بالإضافة إلى سفراء كندا وأمريكا وأستراليا وممثلي جمعيات حقوق الإنسان ومحامين، وهذا كله ليس له أثر مع رئيس منتخب هو (الدكتور محمد مرسي)، وكذلك رئيس البرلمان المنتخب (الدكتور سعد الكتاتني)، ووزراء حكومة منتخبة وأعضاء مجالس نيابية منتخبين من الشعب!؟

 غير أن ما سبق ليس بمستغرب فالغرب وأمريكا ومنظمات حقوق الإنسان لم يتحركوا بالقوة نفسها، التي تحركوا بها من أجل أفراد تجاه موت ما يقارب 500 ألف شخص في رواندا عام 1994 وأكثر من 200 ألف مسلم في حرب إبادة وحشية بغطاء دولي في البوسنة والهرسك، كذلك الحرب على العراق فقد تسبت أمريكا وحلفاؤها الغربيون في قتل الملايين من أهل العراق، وكذلك في أفغانستان، واليوم يحدث في سوريا مجازر يومية في حق مدنيين عزل ومئات الآلاف من الضحايا وملايين المشردين، وما حدث ويحدث كل يوم في فلسطين على أيدي قوات الكيان الصهيوني كل ذلك ليس ببعيد.

استغلال ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان

إن حقيقة الموقف الغربي من الديمقراطية وحقوق الإنسان وكونها مجرد دعاوى وأدوات ضغط أم إنها غير ذلك، يعبر عنه بوضوح تقرير للمنظمة الأمريكية لحقوق الإنسان نشرته (مجلة لوفوفيل أوبزرفاتور) بتاريخ 22-3-1993 في عددها الثالث عشر، حيث ذكرت فيه (أن مبدأ حقوق الإنسان مظلة جميلة تحتمي بها الأمم المتحدة من حرارة الاشتباكات الدموية في المناطق الساخنة في العالم، وليس كهدف لإنجاح عمليات السلام)، وكانت مظاهر هذا التهاون كبيرة ومتعددة تتجلى في فقدان المصداقية وفي فشل العمليات وعدم القدرة على إيجاد الحلول الناجعة لحل النزاع. 

إن ملف حقوق الإنسان والديمقراطية لا يتعامل معه الغرب وأمريكا تجردا للقيم الإنسانية والأخلاق، ولكنه أداة للاستغلال حسب مصالحه، يضاف إلى ذلك أن الغرب وأمريكا ينظرون إلى مصر والبلاد العربية والإسلامية نظرة دونية، ويعتبرونهم مفرخا للإرهابيين، ومن ثم فحقوق الإنسان والديمقراطية بعيدا عن طرق أبوابهم ويعبر عن ذلك ريتشارد هاس- ذو الميول الصهيونية - مدير التخطيط السياسي بوزارة الخارجية الأمريكية، في كلمته التي ألقاها أمام مجلس العلاقات الخارجية قبل أسبوع تقريبا من إعلان كولن باول وزير الخارجية الأمريكي السابق عن مبادرة شراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، حيث قال، إن التجارب القاسية علمتنا أن مثل هذه المجتمعات (العربية والإسلامية) مصدر الإرهابيين والمتطرفين، الذين يستهدفون أمريكا لتأييدها للنظم الحاكمة في بلادهم.

لذلك فإن على شعوبنا المقهورة أن تدرك بأن الديمقراطية الليبراالية الغربية حق خاص بالغرب، وأن البلدان الرأسمالية لا تسمح بتمتع الشعوب المقهورة بمثل هذه الديمقراطية؛ خوفا من أنها قد تمنع الشركات الرأسمالية من استغلالها، بل قد يقرر شعب ما التحرر من المستعمرين.

وهنا يؤكد الباحث كازانجيكيل "أن النظام الرأسمالي يمنع قيام المواطنين في العالم الثالث من خلق رأسماليتهم المحلية المستقلة. مما منعهم من مكافحة بيروقراطية دولتهم التابعة، أو سيطرتهم على الحكومة والدفاع عن مصالحهم الاقتصادية كأية دولة غربية ذات سيادة … فالدولة المحلية تشكلت لحماية الإنتاج الرأسمالي للشركات عابرة الأوطان، التي تمول الدولة العميلة لهذا الغرض.

لكن يبدو أن الغرب راض في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بدعم طائفة من المستبدين العرب، طالما هم يدعمون المصالح الغربية ويرعونها. في مناطق العالم الأخرى، متوقع من الحكومات – من حيث المبدأ على الأقل – أن تخدم شعوبها، لكن الغرب ينظر إلى أباطرة ومستبدين العالم العربي وكأنهم ضمانة "الاستقرار"، حتى لا ينزاح الغطاء عن صندوق المطالب الشعبية. العالم يروج لحقوق الإنسان كقاعدة عامة، لكن العالم العربي هو الاستثناء في نظر العالم.

ماذا بعد في ظل المشهد الحالي؟

هذا دون شك السؤال الذي يبحث عن إجابة شافية استنادا إلى المحاور الثلاثة السابقة، ويحتاج قراءة واقعية للمشهد الداخلي وتطوراته خلال هذه السنوات الثلاث، وبيان منحنى القوة صعودا وهبوطا لتقدير أوليات المرحلة وتحديد الوسائل، مما يتطلب صياغة استراتيجية جديدة واضعة في الاعتبار الأبعاد الإقليمية والدولية، وإدراك طبيعة المرحلة ونوع المواجهة التي تتجاوز حدود الداخل؛ لأنها مواجهة من أجل التحرر واسترداد الإرادة والانفكاك من الهيمنة والتبعية.

إن مصر وغيرها من الدول العربية لن يُتركوا لينعموا بنظام حكم ديمقراطي رشيد، ومن ثم لن يتحقق فيهم عدل أو انتصار لحقوق الإنسان؛ لأن ذلك يجعل منهم قوة استراتيجية كبرى جيو-سياسية، وهذا هو الخطر الأكبر على المصالح الغربية والأمريكية ومصالح الكيان الصهيوني المحتل، لذلك فمستقبل الحرية وحقوق الإنسان في مصر والمنطقة مرهون بقدرة المصريين وشعوب المنطقة على تحقيقه وفرضه على العالم فرضا؛ لأن الغرب وأمريكا يرون في نظم الحكم العسكرية العلمانية في بلد كمصر ضمانة لمصالحهم، وأن أي محاولة للانفكاك من التبعية والهيمنة من أجل الاستقلال الحقيقي سوف يعمل الغرب على مواجهتها وإفشالها، ولعل أقرب مثال واضح على ذلك هذا الانقلاب الفاشل على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومة العدالة والتنمية في الخامس عشر من يوليو/ تموز 2016.

كذلك، فإنه على النظام الحاكم في مصر أن يدرك أن الاستمرار على النهج نفسه لن يحقق سوى المزيد من الإخفاق والتردي على الأصعدة كافة، وأن الحالة التي عليها النظام الآن والاستمرار في طريق الانتهاك لحقوق الإنسان وتسميم العلاقة بين السلطة والشعب، هي الحالة المثالية التي تسعى القوى الدولية لتخليقها في بلد محوري كمصر؛ حتى تظل في حالة فشل وخاضعة للضغوط والإملاءات، وواقع مصر السياسي والاقتصادي خير مثال على حالة التردي والانهيار التي تعيشها مصر الآن، كما أنه من الصعوبة بمكان أن يضمن الاستمرار بهذا الشكل استمرارية للنظام؛ لأن ذلك يخالف نواميس الكون وطبائع الأشياء.

فائدة وتوصية

إن المرحلة التي تعيشها مصر والأمة، في ظل موقف النظام العالمي الذي تقوده أمريكا وحلفاؤها، يحتاج من جميع الفاعلين التركيز على الاعتماد المطلق على النفس بعد الله وبعث الروح في الأمة من جديد، وطرق الأبواب الأخرى كافة، بما فيها باب الملف الحقوقي عبر المنظمات والهيئات الدولية التي إن أكدت التجارب وحقائق التاريخ أنها أدوات بيد من يقود النظام الدولي، إلا أن ذلك لا يمنع مطلقا من ولوج الطريق لخلق وعي دولي على مستوى الشعوب، قد يكون له أثر في الجانب المعنوي وربما يتخطاه لشيء ملموس على الأرض.

كذلك لابد من العمل على وضع تصور لبناء جسور تواصل مع الكيانات المحلية والدولية والإقليمية المناهضة للتبعية والهيمنة، وخلق علاقات مع القوى الشعبية والنخب الفاعلة إقليميا ودوليا والرافضة للتبعية والهيمنة الغربية الأمريكية، ولا سيما في الدول التي خاضت تجارب مشابهة للحالة المصرية ولا تعادى الفكرة الإسلامية، وذلك عبر صياغة وتقديم مشروع حضاري مغاير ومواز للمشروع الأمريكي الأوروبي.

هناك حاجة ملحة لإعداد مشروع وطني متكامل ورؤية للتعامل مع مؤسسات الدولة كافة؛ السيادية وغير السيادية والأطياف السياسية والمكونات الفاعلة كافة في مصر؛ للخروج من هذا المأزق التاريخي بما يستوجب العمل على فتح خطوط تواصل مع الشرفاء كافة.

لابد أن يعي الجميع بأن المنطقة تمر بمرحلة تحول تاريخي، وأن الصراع صراع من أجل التحرر والاستقلال ومن أجل تحقيق دولة العدل والحرية.

إن سنن الله في الكون ماضية فالله سبحانه وتعالى توعد الظالمين فقال تعالى: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون)، وأن مآل الظالمين لن يخرج عن مآل الأمم السابقة (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

كذلك لابد من العمل على تحقيق أسباب النصر كما في قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، فالمرحلة تحتاج إلى إدارة المشترك وإدارة التعدد وإدارة الاختلاف.

خاتمة

إن الغرب وأمريكا لم يكن موقفهم أكثر وضوحا من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر وفي العالم الإسلامي كما هو واضح الآن؛ فالغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية مع الصهيونية العالمية لن ينتصروا لحقوق الإنسان والديمقراطية في منطقتنا، وإن هيئات النظام العالمي ومنظماته ومحاكمه الجنائية بحكم الواقع والشواهد عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين تصبح حقوق الإنسان والديمقراطية مجرد دعاوى وأدوات ضغط وشعارات.

إن من الصعوبة بمكان أن يكون الغرب وأمريكا قادة الاستعمار الحديث عونا أو حكما عادلا ووسيطا نزيها بين طالبي العدالة والحرية وأنظمة الظلم والاستبداد؛ ذلك أن الغرب وأمريكا صناع الهيمنة والتبعية، وما تلك النظم التي تقف بين حرية الشعوب وتنتهك ثوابتها إلا صناعة أياديهم، لذلك يرى البعض أن من العبث انتظار النصرة من الغرب وأمريكا لحقوق الإنسان والديمقراطية مالم يتقاطع ذلك مع مصالحهم الاستراتيجية.

إن حقيقة مهمة يغفل عنها كثيرون عن قصد أو بغير قصد، وهي أن الغرب وأمريكا يعتبرون الإسلام منافسهم الرئيسي في أنحاء المعمورة، ومن ثم فإن أي انتهاك للحريات وحقوق الإنسان في بلاد المسلمين فإن الغيرة على حقوق الإنسان والأخلاق والقانون تتوارى وتكون الجرأة عليها أشد، ويصبح غض الطرف والتمرير سيد الموقف، وهذا في حد ذاته يعد ارتدادا على ما أنجزته البشرية في مجالات التشريع والاتفاقات الدولية والأعراف المرعية، بما يفتح الباب لفوضى عالمية ويحول العالم إلى غابة لا تحتكم إلا لمعايير القوة الباطشة.
0
التعليقات (0)