في ظل الأزمة التي يعانيها
الفلسطينيون في قطاع
غزة جراء استمرار فرض الحصار الاقتصادي والمالي بكافة أشكاله، واشتداده مع بداية العام الجاري 2016، بدأت
البنوك الإسلامية تشكل ما يمكن أن يعتبر بديلا للمنظومة المالية المنضوية تحت لواء السلطة الفلسطينية، مساهمة في التخفيف عن الفلسطينيين المحاصرين، من خلال معاملاتها المالية، وعمليات الشراء والبيع، ومنح القروض الحسنة، والتساهل في عمليات السداد بدون فوائد مرهقة.
وفي هذا السياق، يشير علاء الرفاتي، وزير الاقتصاد السابق في حكومة حماس، إلى أن "الخطوة التي انتهجتها السلطة الفلسطينية في فرض حصار مالي على الحكومة المنتخبة في غزة عام 2006؛ دفعت الحكومة للبحث عن بدائل".
وأوضح أن الخطوة الأولى تمثلت في "فك الشراكة بين الجانبين (السلطة وغزة) من خلال تأسيس بنكين إسلاميين يقومان بتسهيل أعمال الحكومة في غزة، وهما البنك الوطني الإسلامي وبنك الإنتاج، وقامت وزارة الاقتصاد بكافة الإجراءات المتعلقة بترخيص عملهما بعد رفض سلطة النقد التابعة للسلطة الفلسطينية، الاعتراف بهما دون مبرر"، كما قال.
وأضاف لـ"
عربي21: "البنوك الإسلامية الفلسطينية تستقبل الودائع، وتقدم التسهيلات الائتمانية كالمرابحة والمشاركة، وصرف الرواتب للعاملين في حكومة غزة، لكن السلطة الفلسطينية تتحمل جزءا كبيرا من تبعات رفض اعترافها بعدد من هذه البنوك، وهو ما يعد تنصلاً منها أمام مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة".
وبحسب بيانات صادرة في أواخر عام 2015 عن سلطة النقد في السلطة الفلسطينية، فقد تزايد نشاط البنوك الإسلامية بشكل واضح في الأراضي الفلسطينية، فوصل عدد هذه البنوك إلى أربعة وهي: البنك الإسلامي الفلسطيني، البنك العربي الإسلامي، البنك الوطني الإسلامي، بنك الإنتاج، من أصل خمسة عشر مصرفا هي عدد البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية. وبلغ عدد فروع البنوك الإسلامية في غزة 17 فرعا من أصل 63 فرعا عاملا لهذه
المصارف.
من جانبه، قال مدير عام البنك الوطني الإسلامي، حازم الحصري، إن "الإقبال الفلسطيني على البنك يشهد تطورا ملحوظا منذ تأسيسه عام 2009، ووصل عدد عملائه إلى 70 ألفا، يشكل موظفو حكومة غزة نسبة 45 في المئة منهم".
أما حجم الودائع في البنك، فقد بلغ 80 مليون دولار حتى أواخر 2015، بنسبة نمو 16 في المئة مقارنة بالعام السابق، وبينما افتتح البنك خمسة فروع في قطاع غزة، لا تزال السلطة الفلسطينية ترفض السماح بإنشاء فروع له في الضفة الغربية.
وعبر الحصري عن اعتقاده بأن "عدم اعتراف سلطة النقد بالبنك هو قرار سياسي بالدرجة الأولى، ولا يخضع لأية اعتبارات قانونية أو فنية متعلقة بشروط تسجيل البنك، ما يعني أن عدم الاعتراف به جزء لا يتجزأ من أدوات الحصار التي تمارسها الأطراف الخارجية على القطاع".
وأوضح الحصري، لـ"
عربي21"، أن "البنك يستخدم كافة الأدوات الائتمانية الإسلامية المتاحة"، معتبرا أن "البنك يحاول أن يكون قريبا من معاناة الموظف الفلسطيني في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها القطاع، ويستخدم أقل نسبة أرباح بين البنوك الفلسطينية بحيث لا تزيد عن 5 في المئة".
وفيما وصل حجم الودائع في البنوك الفلسطينية مع نهاية عام 2015 إلى 9.13 مليارات دولار، فقد جاءت حصة البنوك الإسلامية 2.11 مليار دولار، بارتفاع 4.3 في المئة، مما يؤشر على إقبال فلسطيني واضح نحو البنوك الإسلامية، التي شهدت ارتفاعا ملموسا في أرباحها وصل 16 مليون دولار، بينما كانت في 2014 نحو 10 ملايين دولار.
ويرى المدير العام للبنك الإسلامي الفلسطيني، بيان قاسم، أن الصيرفة الإسلامية تمثل في الوقت الحالي 10.7 في المئة من حجم السوق المصرفي الفلسطيني، معبرا عن تفاؤله بأن ترتفع هذه النسبة إلى 25 المئة خلال السنوات القليلة المقبلة، وهو ما يتطلب من البنوك الإسلامية التوسع والانتشار في مختلف المدن الفلسطينية، بحيث تشكل ربع الفروع العاملة، وربع عدد الصرافات الآلية، للوصول إلى نسبة 25 في المئة المستهدفة.
وشهدت الأراضي الفلسطينية في العقد الأخير انتشارا ملحوظاً لنشاط لبنوك الإسلامية، فبات لا يخلو شارع أو مفترق طرق من فرع لبنك إسلامي يحمل مسميات متعددة، مما جعل العديد من المستثمرين والمقترضين الفلسطينيين على حد سواء؛ يقبلون عليها، لأن أدواتها المالية والنقدية لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، حسب ما تقول تلك البنوك.
وخلال زيارة إلى قسم المرابحات في أحد البنوك الإسلامية العاملة في غزة، التقت "
عربي21" مع عماد راضي، وهو صاحب شركة استثمارية كان يتمم إجراءات حصوله على مرابحة على الطريقة الإسلامية.
وذكر لـ"
عربي21" أن "الشركة تتعامل مع البنوك الإسلامية منذ ثماني سنوات؛ لأن النظام الإسلامي للبنوك يتميز بالمصداقية والمسؤولية تجاه العملاء، وتقديم كافة التسهيلات والمعاملات المالية، بأقل فوائد من بنوك أخرى، مما يساعد الشركة في ممارسة أعمالها بأريحية كاملة، رغم ما تعلنه البنوك التجارية الأخرى من حوافز ومغريات"، وفق قوله.
ويقول الدكتور معين رجب، الخبير المالي وأستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، إن "سبب إقبال الفلسطينيين على البنوك الإسلامية ينبع من كوننا مسلمين، وضمن مجتمع إسلامي محافظ، وأن المعاملات الإسلامية بعيدة عن الشبهات التي تحدث في البنوك التجارية".
وأضاف لـ"
عربي21": "أما إمكانية أن تكون البنوك الإسلامية بديلا للبنوك التجارية فهو مرهون بفلسفة النظام المالي الفلسطيني"، لافتا إلى أن "البنوك الإسلامية الفلسطينية تواجه معيقات وتحديات، أبرزها نقص الخبرة لدى العاملين في النظام المصرفي الإسلامي".