مقالات مختارة

الموصل وحلب.. أم القدس؟

صالح عوض
1300x600
1300x600
سقطت الأمة في الكمين التاريخي.. فلقد أصبح الموصل وحلب عنوان المعركة الطاحنة في الأمة، وعلى وقعها تهيج الأفكار وتحشد الجيوش والأسلحة وتنفق مليارات الدولارات، والكل منهمك في المعركة ولكل مبرراته وعناوينه.

الموصل عقدة النجار في العراق بملايينها الأربعة بأهلها العرب المسلمين، أصبح تحريرها أوجب الواجبات للحشد الشعبي والجيش العراقي، وعلى الجبهة المضادة تتحرّك القوى والحساسيات لتحشد أنصارها رفضا للخضوع لمنطق الحشد الشعبي ولفساد حكومة المنطقة الخضراء، ولكي يتصدوا لهما يتجهون في اتجاهات تعمّق التفسخ والتموقع الطائفي..

في الحرب على أسوار الموصل تدفع الأمة ثرواتها وخيراتها وأبناءها وتهرق أخلاقها.. على أسوار الموصل تبرز الجاهليات بكل ألوانها ويروج سوق الدعاية والاتهامات ويضيع الحق والحكمة.. وتصبح قلعة الموصل فرصة الأمريكان التاريخية لاستنزاف الجميع ماديا ومعنويا، وتكريس خطوط الفصل بين العرب المسلمين في العراق.. وسيجد المشتركون بالحرب أنهم أنفقوا دماء الشباب والثروات لتكريس الشرّ في مجتمع كان يمكن التعامل معه بكيفية أخرى..

الموصل ليس داعش ولن يكون داعش، الموصل هو عاصمة الفن الإسلامي والحضارة الإسلامية والجمال الإسلامي.. الموصل المدينة الجبلية المطلّة على العراق والشام لا تكون داعش وملايينها الأربعة أقوى بإرادتها على قهر داعش والجهل والتعصب، وليس الحشد الشعبي المبعثر بأفكار متناثرة ولا الجيش العراقي الهزيل الفاسد قادر أن "يحرر" الموصل لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية.. وفي المقابل سينزف دم الموصليين وآخرين معهم كما حصل في مناطق كثيرة من العراق، في صدّ الحشد الشعبي وجيش الحكومة.. وستكون معركة الموصل مصيدة للجميع.. كما هو العراق كله ويدفع الثمن العراق بشعبه ملايين القتلى وملايين المهجرين وملايين الأيتام والأرامل..

أما ملحمة حلب فهي كمينٌ آخر ولو بشكل أقل مأساوية على الصعيد الأخلاقي، لأنها سيطرة على خراب الدولة.. المهم أنه فخ للدولة وحلفائها وللأخرين الذين يجيّشون من أبناء الأمة ويتمّ هدر المال والدم وتتعقد الموقعة من يوم إلى يوم.. ويحاول الجيش السوري استعادة ما خسره من أرض: مترا مترا، وقرية قرية، وبلدة بلدة، وزقاقا زقاقا.. وتقوم روسيا بالقصف والقنبلة وتجري أخطر وأكبر عمليات تدريبها على الأرض السورية، وتجرّب المليشيات جميعها فعالية مقاتليها على الأرض السورية، ويدفع الشعب السوري الثمن سبعة ملايين مهجّر، ونصف مليون قتيل، وتدمير البنى التحتية وتفريغ البلد من مؤسساته التجارية والصناعية..

السؤال الذي نطرحه على الجميع بلا استثناء: هل تعتقدون أن الطريق إلى القدس يمر من الموصل وحلب؟ وهل بعد كل الذي جرى لازلتم تتصورون أن بإمكانكم حسم المعركة الوهم؟ إنكم أيها السادة جميعا أصبحتم في دائرة اللهو الدامي لاستنزاف ثرواتكم ودماء أبناء المسلمين.. وبحسبة سريعة تكتشفون أنكم أنفقتم في الحرب الكريهة أضعافا مضاعفة لما كان يمكن أن تنفقوه من أجل القدس.. ماذا لو وجّه النظام السوري فوهات مدافعه نحو الكيان الصهيوني وأنزل براميله على المستوطنات؟ ماذا لو اتّقى اللهَ المالكي والعبادي وسواهم من أحزاب السلطة في بغداد فراعوا حرمة الدم المسلم؟ وماذا لو لم يتركوا فرصة للمتطرّفين يجتاحون العراق؟ ها نحن نحصد ما فعل الجعفري والمالكي وعلاوي ضد الفلوجة المقاومة وضد صلاح الدين والأنبار.. روح بغيضة فرّقت الشعب الواحد وهيأت المناخ للاصطفاف الطائفي والمظلومية تحت عناوين طائفية..

القدس يا من تورطتم بحرب الموصل وحلب هي المنقذ لكم.. إن سفينة النجاة هي القدس الشريف.. إن إعمار البيوت في القدس يعمّر بيوتكم ويحميكم من الفتن، وإن إضاءة قناديلها يُضيء دروبَكم نحو المجد والعزة والكرامة.. لن تزيدكم المعارك الداخلية إلا فتح جبهات عداء إضافية وتأزيم الأوضاع الداخلية.. فتعالوا إلى القدس تنجيكم من تخبطكم.. تولانا الله برحمته.

عن صحيفة الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)