كتاب عربي 21

ازدراء الأديان وخدش الحياء ومدنية مصر

مصطفى النجار
1300x600
1300x600
تبدو عبارة وتهمة (ازدراء الأديان) في مصر عبارة فضفاضة لا يمكن تحديد ماهيتها بوضوح لتوصيف تلك الجريمة، في قانون العقوبات المصري تنص المادة 98 على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تتجاوز الـ5 سنوات، أو بغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز الـ1000 جنيه، كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار منطوقة، بقصد الفتنة أو تحقير أو ازدراء الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي، فيما تنص المادة 161 على أن تقع بتلك العقوبات على كل تعد يقع بإحدى الطرق المبينة بالمادة 171 على أحد الأديان التي تؤدي شعائرها علنا. ويقع تحت أحكام هذه المادة كل من طبع أو نشر كتابا مقدسا في نظر أهل دين من الأديان، التي تؤدي شعائرها علنا إذا حرف عمدا نص هذا الكتاب تحريفا يغير من معناه، أو قدم تقليدا أو احتفالا دينيا في مكان عمومي أو مجتمع عمومي بقصد السخرية به، ونصت المادة 176 على أن يعاقب بالحبس كل من حرض على التمييز ضد طائفة من طوائف الناس، بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، إذا كان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام.

خلال الفترة الماضية صدرت أحكام بالسجن ضد عدد من الشخصيات، التي تم اتهامها بازدراء الأديان بسبب محتوى أدبي أو تصريحات إعلامية أو محتوى برامج تلفازية قاموا بتقديمها، ورغم ركاكة أغلب هذا المحتوى، إلا أنه بشكل عام من المفترض أن يندرج تحت بند حرية الرأي والتعبير، وجاء حكم السجن الأخير على الكاتب الشاب أحمد ناجي بتهمة خدش الحياء العام بسبب فصول نُشرت له من رواية كتبها، ليرسخ شكل المرحلة الحالية في مصر؛ من معاداة الأفكار وتجريمها للدرجة التي تلقي بأصحابها في السجون.

كثير ممن يؤيدون سجن هؤلاء يقولون إن المحتوى الذى كتبوه إباحي وتافه ومليء بالإسفاف، ولا يجب الدفاع عنه بل علينا تأييد عقابهم، وهذا يطرح سؤالا خاصا بمغزى التضامن، هل هو تضامن مع النصوص والمحتوى أيا كانت رداءته؟ أم هو تضامن مع مبدأ حرية الرأي والتعبير بشكل عام؟

الحقيقة أن الدفاع ليس عن هؤلاء ولا شخوصهم ولا أفكارهم، وإنما عن حرية الرأي والتعبير بشكل عام، التي يتنافى ما يحدث ضدها مع مدنية الدولة المزعومة في مصر، والأكثر إثارة للدهشة هو موقف الموالين للسلطة، الذين صدعوا أسماعنا بمخاوفهم من قمع الإسلاميين لحرية الفكر ومصادرتهم للحريات ومحاربتهم للفنون والآداب، بينما يعلنون الآن كامل تأييدهم لسجن هؤلاء والتنكيل بهم في تناقض غريب!

يبدو المشهد في مصر كنسخة باكستانية أو سودانية تعبر عن تلاحم الفكر السلطوي مع الفكر الديني المتشدد، الذي يمنح لنفسه فرض الوصاية على المجتمع تحت دعوى نشر الفضيلة وحماية الأخلاق العامة، يمكن تفهم موقف البسطاء الذين يخدرهم خطاب الدين والفضيلة حين تمارسه السلطة، لكن لا يمكن فهم مدعي المدنية والمزايدين بقيم الليبرالية وهم يصمتون على ما يحدث من تطورات خطيرة في هذا الاتجاه.

الموقف المبدئي الذي يجب أن يعلنه كل دعاة الديموقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان، هو رفض سجن أي شخص بسبب كتاباته أو أفكاره مهما كانت تافهة أو مبتذلة من وجهة نظرنا؛ لأن الكلمات تواجهها كلمات والأفكار تقابلها أفكار، وليس قيود سجان ومحاكم تفتيش تصادر الأفكار وتحجر عليها.

لا يجب أن نقع أبدا في فخ الربط بين المحتوى والدفاع عن مبدأ حرية الرأي والتعبير، ما قد يتم تجريمه اليوم في مجال الكتابة الأدبية أو الآراء الدينية، سيتم تجريم مثله غدا في مساحة التعبير السياسي؛ لأن النظم السلطوية لا تعترف أصلا بفكرة حرية الرأي والتعبير، وتراها حرية يجب أن تكون مقيدة برغباتها وأهوائها وتوجيهاتها.

معركة الحرية وإرساء حق الناس في اعتناق ما يريدون من أفكار والتعبير عنها، هي من صميم معركة الديمقراطية، لا أحد له الحق في أن يخرس الناس أو يتحكم فيما يريدون إبداءه من آراء وأفكار، الحرية للجميع والتضامن مع حرية الرأي والتعبير، وليس الشخوص أو الأفكار ..
التعليقات (0)