مقالات مختارة

متغيرات عراقية ساخنة بضغوط أمريكية

داود البصري
1300x600
1300x600
انهيار الأوضاع السياسية في العراق، ووصول العملية السياسية لطريق مسدود، وانتشار العصابات الطائفية التي تحاول السيطرة على السفينة العراقية الموشكة على الغرق، بفعل تلاشي هيبة الدولة وانتشار عمليات الخطف والقتل والتطهير الطائفي، جميعها أمور وتطورات تفرض إحداث متغيرات وتغييرات عميقة في الوضع السياسي، تطورت مؤخرا عبر إعادة السياسة الأمريكية هيكلة ملفاتها الساخنة في العراق عبر متغيرات ميدانية عسكرية واضحة الدلالة، تمثلت في إنزال عسكري أمريكي مكثف في بعض المواقع العراقية، ودخول اللواء الأمريكي 101 المحمول جوا ليتمركز في مناطق عراقية ساخنة مثل ديالى! حيث التوتر الطائفي وصل لقمته، إضافة لدخول القوات الأمريكية معسكر سبايكر شمالي تكريت، وطرد قوات الحشد الطائفي منه، تمهيدا على ما يبدو لعمليات قصقصة أجنحة واسعة سيقوم بها الأمريكان في العراق، كجزء مركزي من مهمة إعادة الانتشار وحتى إعادة النظر في الملف العراقي بأسره! ولعل من أغرب الوقائع المتغيرة قد تمثل في الهجوم الإعلامي الكاسح الذي شنه أحد قادة حزب الدعوة السابقين وهو عزة الشاهبندر على المرجعية الشيعية، حيث اعتبرها المسؤولة عن تجاوزات الحشد الشعبي وطالب علنا بفتوى عاجلة تتيح حل الحشد وإنهاء المظاهر المسلحة! هذا التصريح اللافت للنظر تزامن مع الإجراءات الأمريكية العسكرية الميدانية! ما يعني بأن الساحة العراقية مقبلة على متغيرات ساخنة وجذرية ستعيد صياغة المشهدين السياسي والعسكري في العراق، وستوفر مساحات جديدة لتطورات داخلية مهمة ستصل لمرحلة حل حشود الحشد الشعبي، ومحاولة السيطرة على الجماعات المسلحة، التي تناسلت لأكثر من خمسين فصيلا مسلحا، ساهمت أنشطتها في جعل الساحة العراقية ملعبا لعمليات الخطف والقتل والسلب والنهب، لكون العديد من تلك الجماعات المسلحة تحتاج لتمويل ودعم مالي رغم إعلانها أنها تعمل بوحي عقائدي، إلا أن أسلوبها وطريقة تعاملها تنبئ بأنها خارج نطاق أي سيطرة أو ولاء سوى الأجندات الخاصة التي تحركها، ما يجعلها قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة. لذلك أضحت الحاجة أكثر من ملحة لرفع الغطاء الشرعي والعقائدي عن تلكم الحشود، لتكون مكشوفة ولا تستطيع التحرك تحت الغطاء المرجعي!. 

الأمريكان بدورهم يراقبون جيدا اشتعال التوتر الطائفي وما حدث بعد دخول قوات الحشد لمدن العراق الشمالية والغربية، وما أفرزه ذلك الفعل من نتائج وتداعيات خطيرة بلغت الذروة مع مجازر قضاء المقدادية الطائفية، التي أحرجت حكومة بغداد وجعلتها مستسلمة مهانة أمام تصرفات عصابات مليشياوية حاقدة. فرئيس الحكومة حيدر العبادي، وهو نفسه القائد العام للقوات المسلحة، لم يستطع دخول المقدادية ومعرفة الأوضاع ميدانيا، ما يؤكد أن المليشيات قد تجاوزت كل الحدود وأضحت تشكل حكومة بديلة، وهو ما يوحي ويبشر بانهيار الأوضاع ما لم يتم تدارك الموقف. وهو الأمر الذي دفع الجانب الأمريكي لتعزيز وجوده العسكري ودعم الحكومة العراقية بقوات أمريكية، هي جزء من اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين الطرفين الموقعة عام 2011، التي تعطي الجانب الأمريكي حق التدخل ضمن ظروف معينة باتت متوفرة اليوم، من أجل منع تدهور الأمور في العراق نحو الحرب الأهلية الطائفية الشاملة، في ظل ظروف صراع داخلي مرير مع الجماعات المسلحة، ومعارك دموية شرسة لم تحسم بعد في مناطق الأنبار. هذا دون الحديث عن مصير معركة الموصل المؤجلة، التي كثر الحديث عنها رغم كونها من المعارك الصعبة التي لا يمكن خوضها أبدا، دون استعدادات داخلية وخارجية وتعزيز للجبهة الداخلية، وسيطرة تامة على الجماعات المليشياوية المسلحة التي لا يمكن أبدا خوض أي معركة حقيقية في ظل وجودها، لضمان عدم انفلات الموقف الداخلي نحو نهايات شرسة في زمن التسويات الإقليمية الكبرى. من الواضح أن نهاية العصر المليشياوي في العراق باتت قريبة جدا في ظل الترتيبات الأمريكية على الأرض العراقية، فهل ستنفرج الأوضاع العراقية ويتلاشى التفكك الطائفي عبر حل المليشيات المسلحة؟ 

لا سبيل لعراق واحد موحد سوى العمل الحثيث لإنهاء سيطرة العصابات على الشارع العراقي، وتلك مهمة ليست سهلة أبدا في ظل تطاحن الإرادات والأجندات المتشابكة!

عن صحيفة الشرق القطرية
0
التعليقات (0)