مقالات مختارة

لماذا يغازل الغرب مليشيات الموت العراقية؟

داود البصري
1300x600
1300x600
ثمة حقيقة لا يرقى لها الشك، تتمثل في كون الإرهاب المحتدم في العراق، وعمليات القتل والخطف والتطهير العرقي والطائفي، تقف خلفه منظمات وجماعات معروفة ومحددة للجميع، وهويتها مكشوفة بكل قياداتها وأطرها ورموزها، بل والأدهى والأمر والأشد وقعا على النفس، هو أن تلك العصابات لها وجودها الميداني باعتبارها من الجماعات الحاكمة في العراق والمدعومة من الغرب ومن حلف (الناتو ) تحديدا، ويضاف للصورة بهارات أكثر حدة حينما نعلم بأن الكثير من منتسبي وعناصر تلكم المنظمات الإرهابية، تحولوا وبعلم المخابرات الغربية لطالبي لجوء في دول الغرب! باعتبارهم مضطهدين وباحثين عن الأمن والأمان، رغم الجرائم التي يحملونها في رقابهم! وتلك لعمري من أشد متنبنيات المهزلة الدموية العراقية تجسدا.

اليوم هناك جرائم خطف تروع الشارع العراقي، أبرزها جريمتا خطف المواطنين القطريين من صيادي الصقور في العراق قبل شهور، وجريمة خطف المتعاقدين الأمريكيين ومترجمهم التي تمت في بغداد منذ أيام. والأكثر غرابة أن الإدارة الأمريكية حددت هوية الجماعات التي خطفت الأمريكيين وهي طبعا نفسها التي خطفت القطريين، ضمن كوكتيل العصابات الإيرانية في العراق. وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بنفسه أسماء تلك المليشيات، وحددها بالعصائب وبدر وكتائب حزب الله!، وهي نفسها القائدة لما يسمى بالحشد الشعبي، كما أنها نفسها من تمارس عمليات القتل والتطهير الطائفي والتفجير لمساجد أهل السنة ولعموم الرافضين للمنهج والأسلوب الإيراني، كما أنها وهذا هو الأهم، رسل الولي الإيراني الفقيه الطلائعي لتحقيق دولة الولي الفقيه الموحدة بين العراق وإيران، إضافة لكون هذه التنظيمات هي الذراع العسكري والعقائدي الضارب لحكومة المليشيات، التي يقودها اسميا رئيس الحكومة حيدر العبادي، بينما من يقودها فعليا ومعها العراق بأسره هو جهاز الحرس الثوري الإيراني، والغرب يعي هذه الحقائق جيدا، ويعلم بحجم ودرجة الاختراق والهيمنة الإيرانية، بل ويوطئ لهم السبل من أجل المزيد من التمكين وحرية الحركة في العراق، دون أدنى ملاحقة قانونية أو عسكرية أو أي شيء من هذا القبيل. فعصابة بدر مثلا التي تقود وزارة الداخلية عبر وزيرها محمد سالم الغبان القيادي في "بدر"، والمقاتل القديم في صفوف الحرس الثوري الإيراني، هي منظمة إرهابية إيرانية بامتياز، مارست جرائم قتل الطيارين وبعض القيادات البعثية العراقية وآلاف من المدنيين العراقيين بعد الاحتلال، وهو ملف معروف للجميع حتى تحول أمينها العام الوزير السابق والعميد في الحرس الثوري هادي العامري لقائد القادة العسكريين في العراق، رغم عدم أهليته لذلك! فهو من يأمر الجنرالات وهو من يحرك العمليات ويرسم الخرائط! وهو العصي على المساءلة القانونية! بل إن سلطاته العسكرية أقوى من سلطات رئيس الحكومة والقائد العام حيدر العبادي، الذي ظهرت صفاته القيادية بصورة رثة خلال عمليات القتل الطائفي الأخيرة في المقدادية، بعد أن منع من دخول المنطقة فيما عناصر عصابات هادي العامري تصول وتجول فيها، ليتمكن أحدهم وهو حاكم الزاملي من الدخول فيما فشل القائد العام في ضمان ذلك.

مهزلة السلطة في العراق وتفككها وضعفها البنيوي جعل من العصابات المسلحة المعروفة، التي تحمل أكثر من 55 اسما وعنوانا هي التي تتحكم اليوم في الشارع العراقي ونبضاته وطبيعته.
كما أنها تتصرف باستهتار في ظل تراخي الغرب ودول الجوار عن ملاحقة رموزها الإرهابية، فنائب القائد العام للحشد الشعبي الإرهابي أبو مهدي المهندس أو جمال جعفر إبراهيمي، إرهابي حرسي قديم وعريق مطلوب للعدالتين الأمريكية والكويتية، ومحكوم بالإعدام غيابيا في الكويت، ومع ذلك لم يتحرك أحد لاسترداده، وهو اليوم بمنزلة وزير الدفاع التنفيذي في العراق، ويمتلك قوة عسكرية ضاربة تحت إمرة الحرس الثوري الإيراني، يستطيع توجيهها ضد أي طرف في أي لحظة، ومع هذا فالولايات المتحدة تتفرج ببلاهة، والآخرون لاخبر جاء ولا وحي نزل ، فيما عمليات الخطف تتصاعد ويظل مصير المخطوفين القطريين معلقا في الهواء ، فيما تبادر الولايات المتحدة لاختصار الطريق وتتحول للتفاوض المباشر مع النظام الإيراني في قضايا المخطوفين في العراق، لكون المخابرات الإيرانية هي التي تقود العراق فعليا وليس تلك الحكومة الكارتونية برئيسها الممنوع من دخول المدن العراقية. أو وزير خارجيتها المشغول بالتنظير الفارغ وبالسفسطة الكلامية وبحملات الحج والزيارة. الجميع يعلم عن طبيعة الثعابين الإرهابية المهيمنة على العراق، والمجتمع الدولي للأسف متواطئ بل مشارك في تفعيل الجريمة عبر السكوت وغض النظر! وعصابات الموت العراقية الطائفية هي التي تمد لسانها للعالم وتمارس الجريمة بخفة ورشاقة، فيما العالم ومنه الدول الكواسر تمارس استراتيجية (عمك أصمخ) في مواجهتهم، ثم يتحدثون بعد ذلك عن من يدعم الإرهاب الإيراني في العراق؟

عن صحيفة السياسة الكويتية
0
التعليقات (0)