كتاب عربي 21

"هشام جنينة".. ونظرية النقاء الثوري!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
والمقصلة الآن جاهزة لتنفيذ الحكم الصادر بإعدام المستشار "هشام جنينة" رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، فإن أصواتا من القوى الموالية للشرعية، تصدر لتصرف الجماهير بعيدا، خوفا عليها من أن تفتن في الضحية، فتظن أنه مناضل أو ثوري، وباعتبار أن ما يحدث هو بسبب الاستجابة لدعائهم بأن يسلط الله الظالمين على الظالمين، وأن يخرجهم من بينهم سالمين!

طالعت خطابا يقدم "هشام جنينة"، على أنه من الانقلابيين وربما لا يختلف كثيرا عن الذين نصبوا له المقصلة استعدادا للحظة المناسبة لتنفيذ حكم الإعدام الذي صدر، ولا يقبل نقضا ولا إبراما. وباعتبار أن النضال المصري بدأ بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو، ألا وأن المذكور استمر في موقعه الرسمي، ولم يغادره، ليلحق بإخوانه في حركة "قضاة من أجل مصر"، التي تمثل "الطُهر الثوري"، ويركب سفينتهم التي استوت على الجودي، فإنه يستحق أن يتعرض لموج كالجبال، ولا يجوز الدفاع عنه، أو الانحياز له، ولو كان من يريد الفتك به هو الثورة المضادة.

من أنصار نظرية "النقاء الثوري"، من كانت خشيتهم من أن يتحول "جنينة" إلى زعيم بسبب احتشاد "دولة عبد الفتاح السيسي" للتخلص منه، فينشغل الناس به عن الرئيس محمد مرسي، ولهذا فقد احتشدوا ليساهم الإعلام الانقلابي، في عملية تشويهه، وبعضهم بالغ في تبني نظرية المؤامرة، فاعتبر ما يحدث كله هو بهدف تخليق زعيم، يمكنه أن يصبح رئيسا في المستقبل، منافسا للرئيس المنتخب، وكأن السيسي يسعى لخلق زعيم ينافسه، أو يخلفه، لاسيما وأن قرار الإعدام أصدره السيسي وليس جهة أو جهازا في دولته.

وهو أمر له صلة وثيقة، بما تم زرعه في مصر على مدى 60 عاما، فموقع الزعامة لا يتسع إلا لشخص واحد، فهناك الزعيم الأوحد، والكاتب الأوحد، والحزب الأوحد، ولهذا تجد حساسية شديدة لدى البعض عندما تتحدث عن "حازم أبو إسماعيل"؛ خشية أن يسحب الأضواء إليه ويؤثر هذا على قضية شرعية الرئيس. وباعتماد نظرية "النقاء الثوري"، فإن القضاء كله فاسد، والإعلام كله فاسد، والشعب كله لا يستحق من يعمل من أجله، ولا أدري ما معنى النضال من أجل عودة الشرعية من جديد، والحال كذلك، فالرئيس الشرعي الأصل فيه أن يستمد شرعيته من تأييد الشعب له، وعندما يكون الشعب كله فاسدا، فبأي منطق يمكن أن يستمر في الحكم؟!، لاسيما وأن الرؤساء ليسوا أنبياء مهمتهم هداية البشر، فالرؤساء اختيار إلهي وليس شعبيا!

ولا يمكنني بأي حال، أن أقر بأن القضاء المصري كله فاسد، لمجرد أن هناك عددا من الدوائر قبلت أن تكون أداة لقائد الانقلاب يبطش بها، ولا يمكنني أن أؤمن أن القضاء المصري الذي خرج في مجمله على تقاليده الراسخة بعدم الصراع مع السلطة الحاكمة، وقام بانتفاضة ضد نظام مبارك، فاسد. ولا أعتقد أن تسعة آلاف قاض شكلوا الجمعية العمومية الأولى لانتفاضة القضاة، فاسدون؛ لأنني نظرت إلى "ناجي شحاتة"، وصديقه "الشامي"، أو لأنهم لم ينضموا لحركة "قضاة من أجل مصر"!

والذين يطلبون من "هشام جنينة"، أن يكون زعيما سياسيا، فيتصدي للسيسي ويرفض الانقلاب، ويقدم استقالته من منصبه، هم مثلنا يتمتعون بالطيبة والسذاجة، عندما خرجنا نهتف "يا قضاة خلصونا من الطغاة"، وآخر موقع يصلح القاضي لشغله، هو موقع "الزعيم السياسي"، ولهذا فشلت انتفاضة القضاة مع توافر الاحتشاد الجماهيري خلفها في إسقاط نظام مبارك، ومثلت فقط مجرد جزء من الحراك الذي بدأ بتأسيس حركة "كفاية" في 2004.

ولأن القاضي لا يصلح بحكم المهنة، لأن يكون زعيما سياسيا، فإن كل معارك الضباط مع القضاة، فإن الأولين يكسبونها بالضربة القاضية، فالعسكري لا تحد من حركته قوانين، ولا يخوض معاركه بعد تفكير، إنه مؤهل لتنفيذ الأوامر، فعندما يصبح الجهة التي تصدرها فلا تتعجب من السرعة والمباغتة ولو غير محسوبة العواقب، في حين أن القاضي يحرص على الالتزام، وتقليب الأمر على الوجوه كافة، وقد يكون مستغرقا في البحث في اللحظة التي يلتهمه فيها العسكري، تماما كما حدث في معركة الإخوان مع قادة انقلاب يوليو، فقد كان يتولى منصب المرشد العام القاضي الجليل "حسن الهضيبي"، الذي رفض طلب أحد الضباط الأحرار من الإخوان وهو "عبد المنعم عبد الرؤوف"، بثلاثين فردا من الجماعة، والسماح له باعتقال عبد الناصر ومن معه في مجلس قيادة الثورة، وإراحة مصر من شرورهم، لكن "القاضي" رفض، ليزج عبد الناصر بالمرشد وجماعته في السجن في محنتي 1954، و1964!

وكما انتصر "الضابط" عبد الناصر، على "القاضي" حسن الهضيبي، فسوف ينتصر "الضابط " السيسي، على "القاضي" جنينة، والأخير يعلم أنه لا ينزل لقائد الانقلاب من "زور"، فبدلا من ان يستغل حصانة منصبه، وعدم القدرة على عزله في فضح السيسي وانقلابه من واقع تقارير جهاز المحاسبات، ظل متعلقا بالأمل، وبقدرته على استمالة قلبه، بينما قلب عبد الفتاح السيسي لم يصف له أبدا!

كانت الأمور واضحة منذ البداية، فالسيسي لم يلتق برئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يتبع رئاسة الجمهورية مباشرة، وهو أمر كاشف عن أنه ليس على هواه. فضلا عن أن الرئيس وتابعه عباس أغروا به صبيانهم وأذرعهم الإعلامية، فقاموا بإهانته واتهامه بأنه إخوان، ولم يجد إزاء الحملة عليه إلا أن تخرج زوجته لتعلن أنها وبناتها غير محجبات، وأنها وبناتها خرجن لميدان التحرير في 30 يونيو وطالبن بإسقاط مرسي!

فضلا عن أن "جنينة" ترك هذه الأذرع الإعلامية تظلم الرئيس المنتخب بالغيب، لتتحدث عن رصد الجهاز المركزي للمحاسبات لقيامه بأكل "بط وكباب" في القصر الرئاسي بثلاثة ملايين جنيه في الشهر، ولم ينف هذا في حينه، فقد ترك الدعاية المسمومة تتفاعل لعدة أسابيع، وقد نشرها موقع "اليوم السابع"، واحتفت بها دعاية الانقلاب وإعلامه على نطاق واسع!

وهذا لم يشفع له، فأصدر السيسي قرارا بقانون يمنحه سلطة "إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم" في حالات معينة، وبنص مطاط، يفتقد لمستوجبات الصياغة القانونية!

وكان لرئيس الجهاز أن يتحرك بعد أن علم الجنين في بطن أمه أنه المستهدف بهذا القانون، لكنه رفض الحكم من ظاهر الأوراق وانتظر إلى عين السيسي "نائبين له" بعد أن يحيطه علما بذلك، أحدهما مستشار لخصمه السياسي والقانوني "أحمد الزند" وزير العدل، وأحد الممثلين لدولة مبارك في القضاء!

وبعد أيام من تصريح منسوب لجنينة في "اليوم السابع" أيضا عن أن الفساد تجاوز الستة مليار جنيه، شكل السيسي لجنة لتقصي الحقائق حول ذلك برئاسة "النائب المعين"، خصم "جنينة"، وكان واضحا أن قرار إعدامه قد صدر ولم يبق إلا استيفاء الشكل وضبط الإجراءات، لاسيما وأنه ليس أول تصريح له عن الفساد.. وانتظر القاضي!

وصدر تقرير لجنة تقصى الحقائق يدين "هشام جنينة"، وكان تحويله إلي بيان للرأي العام وليس تقريرا يقدم لصاحب قرار تشكيل اللجنة، كاشفا عن أن رقبة "جنينة "تقترب من المقصلة، فضلا عن الإجراءات المتسارعة في مجلس النواب من جمع توقيعات لاستدعائه، أو لفصله، أو لتقديمه للنائب العام، لكنه مع هذا تقرب من السيسي باعا بإعلانه أنه لن يرد على تقرير اللجنة إلا بعد 25 يناير، حتى لا يساهم في شحن الرأي العام ضد النظام! وكأنهم سينظرونه حتى هذا اليوم!

نفس طريقة الرئيس محمد مرسي في إدارة أزمته مع العسكر، فقد بدا التأمر واضحا منذ حصار الاتحادية في ديسمبر 2013، وتواطؤ الحرس الجمهوري، ومع ذلك لم يأخذ بنصيحة السفير رفاعة الطهطاوي ويعين قائدا جديدا للحرس، وهو بالمناسبة كان من اختيار السيسي، وكان طبيعيا بعد ذلك أن يصدر له الأمر بالقبض على السيسي فيعتذر له، كالعذراء في خدرها وليس كقائد عسكري منضبط يفهم طبيعة مهمته!

ثم كانت الخطوة الأخطر عندما التقى السيسي - وزير الدفاع بالفنانين والمثقفين والإعلاميين في ذروة تهجمهم على الرئيس، وقبل دفاعا لا يقبل من السيسي تبريرا للقاء، وربما صدقه عندما بكى، وأعلن استعداده لتقديم استقالته حالا؛ لأنه يعز عليه أن الرئيس لم يفهم أنه يفعل هذا من أجله!

ثم كانت دعوة السيسي- وزير الدفاع لزعماء المعارضة للحوار، وقد قبلوا فورا، وكانت رسالة لا تخطئ عين دلالتها، لم يهتم الرئيس مرسي بأن الدعوة جرت دون استشارته، لكن رضي بقدرته على إلغاء اللقاء وقبل تبريرات الداعي!

وعندما علم الرئيس مرسي بالانقلاب العسكري كان في لحظة فقد فيها القدرة على التصرف، ولم يكن هذا يوم 3 يوليو كما هو رائج، بل كان في منتصف شهر يونيو 2013!

المستشار "هشام جنينة" يسير على خطاه، ربما لأنه قاض بطيء في الحركة وبطيء في الحكم، وهو أولى بالمستشار "حسن الهضيبي" من الدكتور محمد مرسي!

أنصار فكرة "النقاء الثوري" يريدون من "جنينة" أن يكون زعيما سياسيا، وما دام لم يكن، فهو والسيسي سواء، وما بينهما هو "معركة مصارين البطن" في أخف التفسيرات، وهؤلاء في نظرتهم المتعسفة، لا يرون كيف أن السياسيين أنفسهم افتقدوا القدرة على أن يكونوا زعماء، فكيف نطلبها من قاض؟!

فمن كان يمثل "النقاء الثوري" ليكون "هشام جنينة"؟، فكلنا يؤخذ من ثوريتنا ويرد، ولم يكن من بيننا ثوار، وإلا لم نكن لنسمح بكل ما جرى، وهل هناك ثوري يمكن أن يقبل أن يختار مبارك من يخلفونه في الحكم؟.. وهل يمكن لثوري يسقط مبارك ويذهب ليجلس مع من هم "لحم أكتافهم" من "فضلة خير" مبارك في المجلس العسكري!، وأن يخضع لهم بالقول!.

من كان منكم بلا خطيئة فليلق "هشام جنينة"بحجر!
التعليقات (6)
حسنى خليل خليل
السبت، 16-01-2016 05:14 م
امر هام لم يعمل له الكاتب حساب ، وهو ان الشعب لم يكن يعلم بان قيادات القوات المسلحه بهذه الخيانة .
واحد من الناس...... خاص لاستاذنا الكبير سليم عزوز
السبت، 16-01-2016 07:14 ص
كلام جميل جدا و رائع و بهذا تم كشف المستور عن كلاب الانكلاب ...... و لكننا نود منك استاذنا الجليل شعللة الثورة يوميا و كشف المستور عن جهات اخرى تشعلل ثوار مصر من كل الفئات: فمثلا: عودة الشرعية كاملة مرفوضة من بعض الفئات و لكن اذا علموا ان كل اتفاقات و تنازلات و قروض السيسي لا يمكن ان تتراجع مصر عنها الا بعودة الشرعية كاملة فاكيد ستتغير وجهة نظرهم. و كذلك اذا علمت فئات الشعب المعدمة انه من اهداف اي ثورة قادمة تأميم مؤسسات الجيش الاقتصادية و اعلانها شركة مصرية مساهمة كل مصري له اسهم فيها فبالتاكيد ستتغير وجهة نظرهم تجاه الثورة و اذا ما علم الشباب المصري المغيب انه بسقوط الانقلاب و عودة الشرعية سيكون من اولويات الدولة اعطاء الفرصة كاملة للشباب في تطهير كافة مؤسسات الدولة باحلاله محل الخونة و فتح المحليات للشباب فقط.... فبالتأكيد ستتغير نظرة المغيبين من الشباب تجاه العمل الثوري. هذه وجهة نظري المتواضعة في بعض العوامل المساعدة على الشعللة و البركة فيكم
على عمر الاسوانى
الجمعة، 15-01-2016 11:00 م
الحقيقة ليس لى تعليق على هذا المقال الا انه رائع بكل ما تحمل الكلمة من معانى الروعة
أحمد من المغرب
الجمعة، 15-01-2016 08:55 م
تبارك الله عليك يا أستاذ عزوز. لكني أعترض على استعمالك كلمة رئيس لوصف السفاح. فهو مجرد عرص
جويدة
الجمعة، 15-01-2016 03:11 م
استاذى العزيز. انا افهم تماما كل ما تقول واتفهمه ولكن كل الذى ذكرت كان من الخبرات التى اكتسبناها طوال سنوات خمس ولا يجب ان نعيد الكرة كل مرة.. نعم هناك شك كبير جدا فى كل ما يحدث بانه تمثيلية للالهاء فقط لا غير خاصة اذا ما اعتبرنا عامل الوقت واهميته وقد لا يكون حنينة نفسه مشاركا فيها بارادته واغلب الظن انه مفعول به مثلنا ثم من قال لالك ان جميع خيوط اللعبة بيد الخسيسي وانت ذكرت من قبل ان هناك من يمدهم بالاوامر من مكان خفى لا نراه بمعنى ان الامر كله ليس للسيسي وحده وهناك سيدا قد يريد تغيره باخر ولكن طبعا هذا الاخر لابد ان يكون على قد المقاس.. هذا مجرد اجتهاد ورأى شخصى وشكرا