سياسة عربية

دول الخليج تتعامل بحذر إزاء الخلاف بين إيران والسعودية

مراقبون: دول الخليج تعيش تحت ضغط شديد من السعودية ـ أرشيفية
مراقبون: دول الخليج تعيش تحت ضغط شديد من السعودية ـ أرشيفية
وقفت دول الخليج العربية إلى جانب السعودية عندما قطعت علاقاتها مع إيران الأسبوع الماضي؛ حيث استدعت سفراءها، وألغت الرحلات الجوية إلى طهران؛ تضامنا مع المملكة بعد أن أضرم محتجون النيران في سفارتها بإيران.

لكن كل دول الخليج العربية باستثناء البحرين لم تصل إلى حد قطع العلاقات مع إيران، وهو ما يشير إلى أن هذه الدول الصغيرة -وهي غنية بالطاقة لكنها تمتلك قدرات عسكرية محدودة- ترغب في الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، وتجنب الدخول في صراع شامل مع إيران من شأنه أن يجلب نتائج سيئة.

وتفجرت الأزمة عندما أعدمت السعودية رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر في الثاني من كانون الثاني/ يناير، ورد محتجون إيرانيون على ذلك باقتحام السفارة السعودية في طهران وإضرام النيران فيها.

ووصلت التوترات في منطقة الخليج إلى مستويات لم يسبق لها مثيل منذ الثمانينات، عندما تلقى العراق مساعدات مالية من دول الخليج العربية؛ لتمويل حربه ضد إيران من 1980 إلى 1988، في مسعى عربي لوقف نفوذ الثورة الإسلامية التي أطاحت بنظام الشاه.

وحذرت السعودية من أنها قد تتخذ خطوات إضافية ضد إيران، التي تتهمها الرياض بالتدخل في الشؤون الداخلية العربية. وأثار هذا احتمال استئناف الضغوط السعودية على حلفائها في مجلس التعاون الخليجي للموافقة على المزيد من الإجراءات القوية.

وقالت لينا الخطيب، المدير السابق لمركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت: "دول الخليج (العربية) تحت ضغط شديد من الرياض. معظمها يحاول إرضاء السعودية والحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات مع إيران؛ لمنع المزيد من التصعيد.. يخشون من التورط في الخلاف."

وتضامنا مع الرياض، سحبت الكويت وقطر الأسبوع الماضي سفيريهما من طهران، وخفضت الإمارات العربية المتحدة العلاقات معها. وقطعت البحرين ودولتان غير خليجيتين هما جيبوتي والسودان العلاقات تماما مع إيران.

لكن الروابط التجارية القائمة منذ فترة طويلة، والاشتراك في حقول للنفط والغاز ووجود أعداد كبيرة من الشيعة، منع الكثير من دول الخليج العربية من غلق الباب أمام إيران، وفضلوا بدلا من ذلك اتخاذ مواقف حيادية وخطوات دبلوماسية محدودة يمكن التراجع عنها تماما اذا هدأت تلك الضجة.

سيئ للتجارة

وتواجه دول الخليج التي يحكمها السنة ورطة منذ وقت طويل بسبب إيران التي اكتسب نفوذها الإقليمي دفعة غير مقصودة من الحرب، التي قادتها أمريكا عام 2003 ضد العراق، وأطاحت بصدام حسين العدو اللدود لإيران.

وتخشى الكثير من دول الخليج العربية الأصغر أن يؤدي تزايد التوتر بين السعودية وإيران إلى تحفيز إيران لاستعراض عضلاتها.

وقال دبلوماسي عربي في الدوحة: "السعوديون يجرون اتصالات للضغط على الدول بشدة؛ لقطع علاقاتها مع إيران، لكن معظم دول الخليج تحاول إيجاد أرضية مشتركة."

وأضاف: "المشكلة هي أن الأرضية المشتركة تتقلص بين الجميع في هذه المنطقة."

وخلص بعض المسؤولين إلى أن قطع العلاقات مع طهران سيعقد الجهود الرامية لإنهاء الحرب في سوريا، التي تقدم فيها إيران الدعم العسكري للرئيس بشار الأسد. ويهدد قطع العلاقات أيضا باستعداء إيران، وهي قوة إقليمية صاعدة من المنتظر أن تستفيد من تخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليها بعد اتفاقها النووي التاريخي مع القوى العالمية في تموز/ يوليو الماضي، التي بدأ يتودد إليها بالفعل المستثمرون الغربيون.

وقال شفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت: "التصاعدات المفاجئة مثل هذا تثير الكثير من القلق في المنطقة والكثير من الخوف. أسعار النفط تنخفض وتنخفض والميزانيات مقيدة."

وتابع قائلا: "بالنسبة للعلاقات التجارية على الأقل فإن هذا ليس الوقت المناسب لتكوين أعداء."

رؤى مختلفة

وبرغم أوجه الشبه فيما بينها، فإن دول الخليج العربية تتباين من حيث ما تتبناه من رؤى إقليمية، وأيضا من حيث الأنظمة الاقتصادية والسياسية.

والعلاقات سيئة بالفعل بين إيران والبحرين، وهي مملكة ذات أغلبية شيعية، وتحكمها أسرة سنية. وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، اتهمت البحرين طهران مرارا بالتدخل في شؤونها الداخلية من خلال دعم جماعات شيعية معارضة منذ بدء احتجاجات الربيع العربي في 2011.

لكن الحسابات مختلفة في أماكن أخرى بالمنطقة. فسلطنة عمان تقف بعيدا عن جيرانها الخليجيين وتحتفظ بعلاقات ودية -بل قائمة على التعاون- مع إيران، ولعبت دور الوسيط في بدء المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، فيما أثار غضب شركائها في مجلس التعاون الخليجي.

تأتي بعد ذلك الإمارات العربية المتحدة أهم الشركاء التجاريين لإيران في المنطقة. فبرغم نزاع يرجع إلى عقود من الزمن بين البلدين على جزر صغيرة في الخليج قرب مضيق هرمز، تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الإمارات صدرت إلى الجمهورية الإسلامية بضائع بأكثر من 12 مليار دولار في العام 2013. وأرسل أغلب تلك الصادرات من دبي، حيث تعيش جالية إيرانية كبيرة العدد.

وحجم التجارة ضئيل بين باقي دول الخليج وإيران، لكن تلك التبادلات التجارية قائمة منذ قرون. وأغلب تلك التجارة يمر عبر دبي أيضا.

وقال وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، في مقابلة يوم الأحد عقب اجتماع طارئ للجامعة العربية في القاهرة: "نحن العرب لا نريد صراعا أو مواجهة أو حتى حربا مع إيران. نحن نسعى بدلا من ذلك إلى تعزيز تنمية بلداننا وشعوبنا ومنطقتنا."

"لا مناطق رمادية"

وإدارة الخلاف بين إيران والسعودية مسألة معقدة بشكل خاص بالنسبة لقطر. فالإمارة الصغيرة الثرية تشترك في أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم تحت مياه الخليج مع إيران التي سعت -عقب الاتفاق النووي- لإغراء شركات النفط الأوروبية والأمريكية للاستثمار في البنية التحتية للطاقة بالجمهورية الإسلامية.

واقتربت قطر من السعودية بعد خلاف كان قد نشب بينهما في 2014 عندما سحبت الرياض لفترة قصيرة سفيرها من الدوحة، في نزاع بشأن دعم قطر المزعوم لجماعة الإخوان المسلمين.

وبرغم ذلك، فقد تطلب الأمر من الدوحة أكثر من ثلاثة أيام بعد الهجوم على السفارة السعودية في الساعات الأولى من يوم الثالث من كانون الثاني/ يناير، لإعلان سحب سفيرها من طهران. ومنعت السعودية خلال تلك الفترة مواطنيها من الدخول على موقع إخباري كبير مملوك لقطريين، فيما يشير إلى احتمال تجدد التوتر مرة أخرى بين البلدين.

ويرى محللون سببا محتملا آخر لنهج قطر الحذر: فقد أعلنت إيران دعمها للجهود الرامية لتحرير 26 مواطنا قطريا خطفوا في كانون الأول/ ديسمبر بينما كانوا في رحلة صيد في جنوب العراق.

وشبه المعلق السعودي جمال خاشقجي في مقال نشر بصحيفة قطرية يوم الأحد صراع الرياض مع إيران بمعركة أوروبا ضد الفاشية في الثلاثينات. وقال: "السعوديون بحاجة إلى أن يعرفوا من يؤيدهم ومن لا يؤيدهم.. لأن المعارك المصيرية الكبرى لا تقبل المواقف الرمادية."

وأضاف أن دول الشرق الأوسط تواجه خيارا بين: "إما الخضوع لولاية فقيه، أو الدفاع عن الحرية".

لكن دول مجلس التعاون الخليجي تجنبت حتى الآن إلى حد بعيد الاضطرابات التي اجتاحت المنطقة، ويقول محللون إن التلميحات إلى أن الموقف السعودي المتشدد تجاه إيران قد يسبب انقسامات داخل التكتل الاقتصادي أو يدفع دولا للانفصال عنه هي مبالغة في تقدير الحالة.

وقال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في الإمارات: "يمكن أن نظل إلى الأبد نتحدث عن الانقسامات داخل مجلس التعاون الخليجي. نعم بالطبع توجد اختلافات في الرأي.. لكن المبالغة في تقدير ذلك الاختلاف تعني تجاهلا تاما للوحدة التي تسود أيضا، لا سيما فيما يتعلق بإيران".

وأضاف أن هذا وقت يتصدى فيه مجلس التعاون الخليجي لإيران، ويقول: "سئمنا النهج التوسعي الإيراني، وسنكون أكثر عزما على مواجهته".
التعليقات (1)
Zin
الثلاثاء، 12-01-2016 03:55 ص
نهايتكم إقتربت ... "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى" #آسف_لأنني_دافعت_عن_حزب_اللـه_في_يوم_ما

خبر عاجل