مقالات مختارة

حقوق الإنسان والديموقراطية في السعودية

عبد الله العتيبي
1300x600
1300x600
كتب عبدالله ناصر العتيبي: قال إعلامي عربي داعم للرئيس السوري بشار الأسد في إحدى فضائيات الممانعة، ردا على تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في شأن سورية الديموقراطية ورحيل الأسد: "أين الجبير من الدعوة إلى الديموقراطية في السعودية؟". وأضاف أنه يتحدى أن يذكر الجبير كلمة "انتخابات" في السعودية! وأردف متعجبا وناقلا الحديث إلى مستوى أعلى من الهجوم: "كيف لدولة تمتلك سجلا أسود في حقوق الإنسان أن تقدم النصيحة في مسائل المدنية والديموقراطية والحياة الكريمة؟".

وبما أنني أعرف أن الوزير الجبير لن يرسل إلى الزميل الممانع رسالة تشرح الموقف السعودي من مستقبل سورية، ولن يخرج في لقاء تلفزيوني ليعرّف هذا الأخ العربي بحقيقة سجل حقوق الإنسان في السعودية. فإنني سأتحدث في هذه المقالة عن هاتين المسألتين اللتين أصبحتا في الفترة الأخيرة حديث من لا حديث له عن السعودية ودول الخليج، خصوصا المسألة الثانية المتعلقة بحقوق الإنسان.

عندما تدعو السعودية إلى سورية ديموقراطية، فإنما هي تنشد للسوريين الاستقرار والحياة الكريمة التي لن تتأتى لهم في الوقت الحالي إلاّ بنظام ديموقراطي ترضى عنه المكونات والأطياف السورية كافة. في الوقت الذي يستحيل تطبيق نموذج الحكم الخليجي في سورية لأسباب كثيرة وإلا لبادر الوزير الجبير بوضعه في سلة أمنياته لمستقبل سورية.

العلاج الأسرع والطريقة الأسهل المتاحة لأن يعيش السوري حرّا ومرفها في وطنه هما ببناء نظام ديموقراطي متين، وذي نسخة شرق أوسطية خاصة، يستطيع مواجهة المشاكل الثقافية والفكرية والأثنية في المنطقة، ويكون قادرا على حماية نفسه ومحركاته الداخلية من تجاوز العشيرة والجماعة والتكتلات الدينية ذات المصالح الدنيوية.

نظام الحكم الديموقراطي هو الخيار الأنسب لسورية الآن للخروج من محنتها التاريخية، وهو الخيار القابل للتحقيق في الوقت نفسه، فهناك كثير من دول العالم مرّت بمحن وأزمات وجودية مشابهة لما تمرّ به سورية هذه الأيام، واستطاعت تجاوزها بفضل رجال مخلصين، لبسوا عباءة الديكتاتورية في الثورات، ثم خلعوها مباشرة بعد استتباب الأمن واستبدلوها بعباءة الديموقراطية.

كان بمقدور الوزير السعودي أن يتمنى للسوريين نظاما شبيها بأنظمة الحكم في دول الخليج، يساهم في بناء سورية ويحافظ على وحدتها واستقرارها، فغاية أنظمة الحكم الخيّرة في النهاية هي الوصول إلى نقطة تفاهم مشتركة مع الشعوب نسميها اليوم اصطلاحا بـ "الحكم الرشيد"، لكنه يعرف أن النموذج الخليجي متعذّر التحقق في سورية لأنه ليس كالنظام الديموقراطي يمكن تركيبه في الحال وخلق المصدّات الخاصة به التي تعمل على حمايته من المهدّدات المحلية، وإنما يحتاج إلى معرفة متوارثة وتجارب تراكمية على امتداد مئات السنوات ليتكون ويأخذ شكله النهائي.

"الحكم الرشيد" في دول الخليج الذي جاء نتيجة توافق شعبي منذ مئات السنين بين الشعوب والأسر الحاكمة، استطاع أن يجنب هذا الجزء من العالم ويلات المغامرين والطامعين والقافزين على كراسي الحكم باسم التقدمية والحرّية المتوهّمة والمدنية الزائفة. وساهم في بناء اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي وتحصين أنظمتها السياسية، ما ساعد على رفاه المستفيد النهائي الذي هو المواطن، وجعله يتفرّغ لتحسين معيشته وبناء مستقبله بعيدا من الانشغال بالهواجس الأمنية والمنغّصات المتعلّقة بمسائل تهديد الحياة.

نَعِمَ الخليجيون بالحياة الكريمة والأمن المستتب طوال القرن الماضي بفضل حكمتهم ورؤيتهم السياسية المتقدمة، فيما سقط مِن حولهم الجيران الأغنياء في جب العوَز والفاقة والخوف وانعدام الأمن بسبب رجعية النخب العسكرية والسياسية التي كانت تدّعي التقدمية.

الوزير الجبير لن يدعو إلى دمقرطة السعودية، ولن يبشّر الممانعين العرب بقرب الانتخابات فيها، ليطبّق فقط تناظرا منطقيا لدعوته وأمنياته ببناء سورية ديموقراطية. وإنما المرجع في ذلك هو "الحكم الرشيد" الذي يمكن تمثيله في الحالين الخليجية والسورية بالعجلة: لا لوضع العصا في العجلة الخليجية، ولا لاختراعها في الحالة السورية.

أما المسألة الثانية المتعلّقة بحقوق الإنسان، فيكفي في هذا الجانب أن أشير إلى أن من يثير عادة هذه المسألة هي منظمات حقوقية غربية معروفة ومدعومة من بعض الدول الغربية ويتلقّفها الإعلام الغربي لينشرها عبر أذرعته الممتدة حول الكرة الأرضية لتصل إلى مواطني العالم البسطاء ومن بينهم هذا الممانع. كما أن من الضروري أيضا أن ألفت الانتباه إلى أن السياسة الخارجية للدول الغربية المتعلقة بحقوق الإنسان تختلف اختلافا كبيرا عن سلوك هذه الدول في مراعاة حقوق الإنسان داخل حدودها، فبريطانيا مثلا، العظيمة في سجلها الحقوقي الداخلي على استعداد لاستخدام الملفّ الحقوقي العالميّ بما يخدم مصالحها الخاصة في سلوك براغماتي خالص.

المنظّمات الحقوقية الغربية لا تتحرك عادة في مسألة حقوق الإنسان في الدول العربية، خصوصا دول الخليج، إلا في حالين: الدفاع عن حرية إبداء الرأي في الانتقاص من الديانة الإسلامية، والترافع الدولي ضدّ العقوبات المشدّدة في الشرع الإسلامي. وفي كلتا الحالين هناك نظائر غربية مقابلة، لكن لا حديث عنها ولا ترويج لها. فلم نسمع يوما ما المتحدث باسم البيت الأبيض الأميركي ينتقد 16 دولة - من بينها فرنسا - تجرّم إنكار "الهولوكوست" وتدعو إلى تضييق الحريّة على من يريد إبداء رأيه في هذا الحدث التاريخي. ولم نسمع كذلك متحدثا حكوميا بريطانيا يتبنّى قضية منظمة دولية تُدين أحكام الإعدام في 31 ولاية أميركية!

كخليجيين، أظن بأن الردّ على تهمة انتهاك حقوق الإنسان يتمثل في الرقم صفر! علينا دائما أن نسأل كم عدد المواطنين الخليجيين الفارين بحياتهم وحرياتهم إلى دول الشتات الأوروبي؟ كم عدد هؤلاء وكم نسبتهم إلى عدد الإيرانيين اللاجئين في أوروبا وأميركا هربا من نظام طهران الموالي له الممانع المذكور في أول المقالة؟ أين هم الخليجيون في المهجر الذين يتحدثون عن الاضطهاد والقمع في بلدانهم؟ إنه الرقم صفر الذي يستطيع مواجهة أكذوبة اضطهاد حقوق الإنسان في السعودية والإمارات وقطر.

وأخيرا... وبعيدا من حديث الممانعة أعلاه، فإن دول الخليج تحتاج بلا شك إلى عمل دؤوب ونيات صالحة لتحديث وإصلاح أنظمتها السياسية الممتدة منذ مئات السنين. ولابد دائما من بذل الجهود وبناء الجسور للاتصال بالحاضر، لإبقاء الحال السياسية صالحة في الزمان والمكان. ديموقراطيتنا تتمثل دائما في الاستماع إلى صوت الشعب وتحديث آليات الحكم بما يتناسب مع العصر، وعلينا حينما ندافع عن أنظمة الحكم في بلادنا الخليجية أن نضمن وجود حال مدنية توازن العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

أما الديموقراطية العربية التي أقصدها في هذه المقالة فهي ليست نسخة كربونية من الديموقراطية الغربية، إذ إن الشروط المجتمعية والتعليمية والاقتصادية والثقافية التي بنت الديموقراطية في الغرب ليست موجودة هنا، وبالتالي على ديكتاتوريي الثورات العربية أن يبنوا ديموقراطيتهم الخاصة التي تتناسب مع الظروف القائمة حتى الوصول إلى الديموقراطية الحقيقية التي طالما ذكرنا أنها نتيجة وليست سببا.


(عن صحيفة الحياة اللندنية- 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)
التعليقات (0)