مقالات مختارة

من الذي يحاول نقل نموذج الشرق الأوسط إلى تركيا؟

علي بيرام أوغلو
1300x600
1300x600
تركيا ومنذ فترة تواجه حقيقة مرة، فبعد الربيع العربي والحرب الأهلية في سوريا أصبح هناك حالة من التشابك بين ديناميكيات المنطقة وديناميكيات تركيا. كل تطور في سوريا، كل سلطة سياسية أو اجتماعية جديدة تظهر هناك، تؤثر بشكل مباشر على سياسات، وتوازن، والنظام السياسي التركي.

"الجيران الجدد" كروسيا والولايات المتحدة، ومشاكل الحركات السلفية وانفصالها من الخط السني-الشيعي وعلاقات الإسلام والسياسة والإسلام والغرب لم تعد عبارة عن مشاكل محيطة بتركيا، بل أصبحت مشاكل داخل تركيا أيضا.

فنحن الآن نعيش انعكاسات النتائج السياسية والاجتماعية للتطورات المتكاملة بما يخص السياسة الداخلية لديناميكيات المنطقة، كظهور الحوض السياسي الكردي الذي يسعى لتحقيق أهداف القضية الكردية في "كردستان سوريا"، وخروج فصائل جهادية جديدة مع ظهور اسم "تنظيم الدولة".

فالآن نرى في هذه المرحلة اندماجا جديدا ومختلفا بين الأكراد الذين يعيشون على امتداد 911 كم في الشريط الحدودي على الجانبين التركي والسوري، الذين هم بالأصل أقرباء وأبناء عشائر واحدة. وحالة من الاندماج والتعاون السياسي الكامل بين الحركة الكردية في سوريا والحركة الكردية في تركيا.

وإذا نظرنا إلى "تنظيم الدولة الإسلامية" نجد أنه لا يشكل خطر إرهابي فحسب، بل هو أيضا خطر يهدد وحدة الأراضي التركية. فالتنظيم يحمل هدف نقل "مساحة الجهاد" إلى تركيا ويبذل في سبيل توفير الأرضية لذلك كل جهوده الممكنة. فلا يمكننا الاستهانة بالأبحاث التي تقول بأن 10 ألاف عائلة في السنوات الأخيرة قد انضمت إلى التنظيم، ولا يمكننا الاستهانة أيضا بوجود الخلايا النائمة أو الداعمة للتنظيم في تركيا.

ففي مقابلة لقناة الجزيرة مع بشر أتلاي، أحد الأعضاء المؤسسين لعملية السلام، قال: "لو لم تكن الأحوال في سوريا هكذا لحققت عملية السلام هدفها بسهولة، الجسم المتكون في شمال سوريا مهم جدا. تكوّن "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي هناك، والأحداث التي جرت في تركيا أثرت كثيرا على هذا الموضوع...".

الابتعاد ليس سهلا.
ولكن هناك ما هو أكثر من ذلك.

لو أن عملية السلام أكملت طريقها، لكان كثيرا من ما نعيشه اليوم من مشاكل والأم لم تحصل من الأصل. لو أن النظام في سوريا لم ينفجر كما اليوم، لم نكن لنسمع بمشكلة اسمها تنظيم "الدولة الإسلامية"، لم تكن لتحدث هذه الحرب بين التنظيم وحزب الاتحاد الديمقراطي، لم تكن هذه الهجمات لتحدث.

إذا كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟    
هل هناك مسؤول عن ما وصل إليه حال الشرق الأوسط؟
أولا يجب علينا رؤية هذا؛ السبب في هذه التطورات ليس سياسات تركيا. بل على العكس تماما، هذه التطورات هي التي أثرت على سياسات تركيا.

لنسأل سؤالين تخمينيين؛ لو لم يتخذ حزب العدالة والتنمية موقفا مضادا لبشار الأسد، هل هذا كان سيمنع وقوع الحرب الأهلية؟ لو كان حزب آخر بالحكم مكان العدالة والتنمية وتحيزت إلى طرف الأسد، هل هذا كان سيُخضع المعارضة هناك؟ إعطاء إجابات إيجابية على هذه الأسئلة، والمبالغة بقوة حزب العدالة والتنمية، والظن بأن أحلام هذا الحزب السياسي حقائق، سيكون بمثابة جمع بيانات خاطئة لتركيا.

تحول "كردستان سوريا" لوحدة سياسية كردية، وإيجاد "تنظيم الدولة" في سوريا البيئة المعيشية الملائمة وتقويتها، هم عبارة عن نتائج حتمية لتصرفات نظام الأسد. أو ربما نتائج حضر لها نظام الأسد.

وللإنصاف، فيجب علينا القبول بكون الادعاء بأن كل ما نعيشه الآن نتائج لسياسات حزب سياسي معين بالشرق الأوسط هو ادعاء مبالغ فيه. ممكن أن تكون الادعاءات بأن الحكومة غضت الطرف عن سياسات المذهبيين والإسلاميين صحيحة نوعا ما، ويمكن القول بأنها اركتبت- أي الحكومة- خطأ في الحسابات في سوريا، لكن ليس من الواقعي أو الممكن القول، وبالنظر إلى علاقة السبب والنتيجة، بأن حكومات حزب العدالة والتنمية هي المسؤولة المباشرة عن نقل مشاكل الشرق الأوسط إلى تركيا.

من الممكن أن حزب العدالة والتنمية أراد التوجه إلى الشرق الأوسط، لكن قبل أن يقدر على الذهاب هناك جاءنا الشرق الأوسط هنا. جاء عن طريق المشكلة الكردية. جاء عن طريق الحركات الجهادية.جاء عن طريق صراع السلطة في بينها.

طبعا كل شيء حاصل ليس بالبساطة لكتابته في جملتين اثنتين.
إدارة السلطة السياسية لهذا الفترة الحتمية، وكيفية مواكبتها لهذا التطورات المتسارعة مهمة جدا.

منذ تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وحتى تدخل روسيا اليوم، علينا، في الخط الممتد بين إعلان "كردستان سوريا" الحكم الذاتي وحتى توحد الأقاليم، أن نسأل الأسئلة الوقعية المتمثلة في "ماذا حدث، ما الذي كان يجب أن يحدث، ما الذي يجب فعله الآن"، "هل المواقف والاختيارات كانت خطأ، وإذا كانت كذلك فما الذي يجب علينا فعله لتصحيحها؟"
0
التعليقات (0)