قضايا وآراء

آمال كاذبة خاطئة

عمرو عادل
1300x600
1300x600
تعرَّض العقل الجمعي للتيار الإسلامي لأشكال متعددة من الغزو؛ واستطاعت تلك الموجات المتتابعة من إحداث تغيير جذري في أولوياته ومقدماته، وأصبحت الكثير من المسلمات التي يؤمن بها ويعتبرها غير قابلة للنقاش تحمل الكثير من الحيود عن الأصول التي استقر عليها الفكر الإسلامي.

وكما تعلَّمنا أن العقيدة هي الداعم الأصلي والأكبر للبناء؛ وينتج عن ترسيخها مجموعة من المفاهيم والأفكار والإجراءات والقيم التي يمكن بها بناء مجتمع منتمي للمفاهيم الإسلامية؛ وشكل السلطة والتعامل معها أحد أهم هذه الأفكار والإجراءات التي بدونها يخسر المجتمع الإسلامي أهم ما يمكنه من إعادة بناء نفسه.

وهذا الملف يبدو أنه أكبر المتعرضين لحملات الهجوم الشرس التي لم تتوقف عبر التاريخ؛ إلا أنها خلال القرون القليلة السابقة كانت من القسوة بحيث أنها لم تهدم فقط نموذج الحكم الإسلامي بل كسرت معها أفكار الكثير من التيار الإسلامي عنها.

الأفكار هي صانعة الفعل؛ فلا فعل ناجح بلا فكر مسبق، وعندما يخرج قادة من العمل الإسلامي ويصرون علي نمط معين لهذه الأفكار فالتشويه الحادث في الأفعال هو أمر حتمي.

وهذه الأفكار "المعلنة" هي نتاج طويل من التشوه الحادث نتيجة الضربات المتتالية؛ فقد فشلت المعركة في ضرب العقيدة ضربة مباشرة ولم تستطع تحويل الإسلام السني إلي النموذج الكنسي المفضل لدي الغرب لشكل الدين؛ ولكنها ضربت الأفكار و الإجراءات الناتجة مباشرة من الثوابت العقدية واقتربت من الوصول إلي أصول العقيدة.

وأحد تلك المقدمات المشوهة هي مفهوم المقاومة وإجراءاتها؛ فالمقاومة أحد أشكال الجهاد وهو من أهم المفاهيم في العقيدة الإسلامية؛ وانهيار الجدر الحامية لمفهوم الجهاد تجعله يتعرض للضربات بشكل مباشر؛ فعندما يتشوه مفهوم المقاومة ويتغير معني القوة و معني الصمود؛ فنحن نعاني من أزمة وجود كبري.

أُختُزِل الصمود إلي مدي قدرتك علي تلقي عدد أكبر من الرصاصات بابتسامة المنتصر الواثق وقدرتك علي دفن شهدائك بأكبر عدد من المشيعين وانطلاق أكبر قدر من زغاريد فرحة الشهادة في مسائر الجنازات ونشر صور الشهداء المبتسمين، ربما تكون كل هذه المشاهد تعبر عن الصمود ولكنها لا يمكن أن تكون صمودا.

وتحولت المقاومة إلي ابتهالات ودعاء علي الظالمين وأصبح من يدعو جهارا "نهارا أو ليلا" علي الظالمين هو تشي جيفارا المسلمين؛ نذكر أن دعاء الرسول لربه في غزوة بدر كان دعاء خالصا لله من رسوله ولكن عندما كان الجيش معدا للقتال وينتظر لقاء عدوه مهما كان فارق القوة؛ فالدعاء أصل ثابت في العقيدة ولكنه لا يمكنه أن يكون وحده عندما تريد المقاومة.

وسط هذه الاختلالات البنيوية التي حدثت في تعريف المفاهيم داخل الأطر الفكرية الإسلامية؛ يتكون جيلا جديدا يحمل هذا التشوه معه؛ لذا فمن واجب القيادات الإسلامية أن تعيد صياغة المصطلحات بعيدا عن النسق الأدبي وأن تستعيد المعاني الصحيحة للمفاهيم قبل أن ينحرف المسار لدرجة يصعب العودة معها إلي الصواب.

فسلميتنا ليست أقوي من الرصاص ولن تكون؛ فهذه جملة خاطئة حتي لو كنت ضعيفا لأنها تنشئ فكرة مضللة؛ لأنك لا يمكن أن تلعب مباراة كرة قدم في ملعب لكرة السلة.

إن الأفكار الخاطئة تنتج مسارات كارثية وتنتج آمالا زائفة عند الملايين الذين يفاجؤون بعد زمن قليل أن الرصاص ليس بهذا الضعف لكي تهزمه "سلمية المقاومة"؛ وهذا أيضا مفهوم غريب؛ فعلي مدي التاريخ البشري لم يشهد العالم مقاومة سلمية لاستبداد أو احتلال؛ ونموذج غاندي يحتاج لكثير من الدراسة والفحص التاريخي لأن الكثير من علامات الاستفهام حول هذه التجربة التي يروج لها بشكل مبالغ فيه وهي تتناقض مع السنن الكونية ومسارات التاريخ.

ويبدو من تجربة الأعوام القليلة السابقة في مصر أن زراعة تلك الآمال الكاذبة المبنية علي تقزيم مفاهيم المقاومة والصمود قد أتت أكلها ببقاء عصابة الحكم العسكري؛ وجعلها تقتل الآلاف بعد اعتقالهم انتقاما ممن فعل بهم الأفاعيل في سيناء؛ فهم دائما يبحثون عن الطرف الأضعف كي ينتقموا منه.

إن اجتزاء الأفكار الكبرى ليس له علاقة بامتلاك القوة؛ فيمكنك أن تحافظ علي أفكارك بمنتهي الثبات وأنت في قمة الضعف ؛ فتدمير الأفكار الكلية هو محفز لإنشاء أطر جديدة ربما تكون كارثية وبالتالي الحرمان المستقبلي من احتمال امتلاك القوة؛ فلن يحاول أحد امتلاك القوة في مسار سلميتنا أقوي من الرصاص؛ ولكن ربما يمتلكها عندما يعلم أن الرصاص له ما يمنعه.

إنها ليست دعوة للعنف فالقوة ليست فقط ما يتبادر فورا إلي الذهن ولكنها أدوات كثيرة يصعب حصرها.

ونخشي أن تستمر قيادات العمل الإسلامي في صناعة الآمال الكاذبة لينتج قيادات جديدة ابتعدت أكثر عن المفاهيم الصحيحة ونجد أنفسنا بعد سنوات ليست بالكثيرة في معركة أخري وصلت لصلب العقيدة وتصبح أقصي أمانينا أن نحافظ علي المصاحف في بيوتنا؛ ونتحول دون وعي إلي طبقة شبيهة بمنبوذي الهند أقصي أمانينا أن نحتفظ بحياتنا وسط دعوات جديدة من قيادات جديدة ربما يكون شعارها "ابتسم فأنت تموت صامدا".
التعليقات (5)
المجدللشهداء
الأربعاء، 16-09-2015 10:00 م
سيدى الفاضل ماتفضلت به كويس بس ارجومن سيادتك تكون واقعى وعلى اطلاع بمجرايات الامور فى مصر الثوره غيرت مصر والدليل قارن انقلاب ناصر وانقلاب السيسى وكيف اننا استطعنا ان نفرض انفسنا وكيف استطعنا التجواب مع تكنولوجيا العصر فيس تويتر نقل الاحداث ليف ثم الاعالم موفق الى ابعد الحدود مع قله المتاح وماتقلقش خصمك هو من استنفذ ادواته بدرى المشكله (السلاح)سهله لكن بعد السلاح مش خوف اوجبن لكن حراكك موثر وله نتائج وتاكد ان الله يدبر ويده تعمل فى الخفاء
سيد
الأربعاء، 16-09-2015 09:08 م
الواقع لا يسعف هذا فكم من نقاوة أخذت السلاح في العراق في فلسطين في أفغانستان في الجزائر وحدها في مصر لم تبدأ بالسلاح واختارت السلمية والجميع يرى بأن طرفا واحدا هو من اختارها. ولم يمض زمن نطاق فيه الاستنتاجات بأنهما الخطاب طبعا لا أحد يقول بترك طلب الحصول على القوة ونهاية المتاح منها امتثال لقوله تعالى وأعدوا. ولكنها الأولويات تختلف من بلدولاخر ومن قوم لآخرين بابها خطأ من الصعب الحكم على السلمية بالخطأ بمضي 3سنوات عليها. ولم لا نقول بخطأ السلاح في سوريا أليس الجميع ندم من استعجال السلاح
ايمان شديد
الثلاثاء، 15-09-2015 02:17 م
تخبرونا دائما بان هناك ادوات كثيره للقوة غير العنف مثل ماذا حددوا هذه الادوات بصراحه لمنع اللجوء للعنف
رامى المصرى
الثلاثاء، 15-09-2015 12:25 م
"إنها ليست دعوة للعنف فالقوة ليست فقط ما يتبادر فورا إلي الذهن ولكنها أدوات كثيرة يصعب حصرها". ولماذا لا تذكرها لنا او حتى بعضها... اكتفيت بتسفيه اراء المنادين بالسلمية وتقول انك لا تدعو الى العنف ... ثم لم تذكر لنا ما هو الطريق اكتفاء بأنه ادوات كثيرة يصعب حصرها
د الماقوسي
الثلاثاء، 15-09-2015 10:08 ص
ولماذا لم يذكر الكاتب التجربة الجزائرية وهى أقرب التجارب للمصرية ولماذا لم يذكر الكاتب البديل عن السلمية . ومن المطلوب منهم في الحراك الثورى أن يحاربوهم. ..هل المطلوب أن ارفع سلاح في وجه عسكرى

خبر عاجل