تساءل جون هدسون في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي"، عن السبب الذي يجعل
ماليزيا تعاني من مشكلة
تنظيم الدولة.
ويقول الكاتب إن سلطات هذا البلد، الذي يقدم على أنه واحة للإسلام المعتدل، تخشى من تزايد أعداد الشبان الذين يلبون نداء الجهاد، مشيرا إلى أنه في مقابلة مع الشيخ محمد فيصل بن تان مطلب، الذي كان يتحدث أمام أقدم مسجد في العاصمة الماليزية كوالالمبور، قال إن من يفكر بالانضمام إلى تنظيم الدولة "ليس مسلما حقيقيا".
ويستدرك التقرير بأنه رغم الجهود التي تقوم بها الحكومة، والتعاون مع شيوخ مثل مطلب، لإبعاد الشبان عن التطرف، إلا أن انجذابهم للتنظيم قوي، وهو ما يثير دهشة المحللين في منطقة جنوب شرق آسيا، الأمر الذي شوه صورة البلد كونه ممثلا للإسلام المعتدل.
وتشير المجلة إلى أن السلطات الماليزية اعتقلت 122 شخصا عام 2013، من الذين انضموا إلى تنظيم الدولة وعادوا، أو من أوقفتهم الشرطة في طريقهم إلى سوريا.
وتظهر الأرقام التي اطلعت عليها "فورين بوليسي" أن الأعداد تزايدت أضعافا في عامي 2014 و 2015. وحددت السلطات ما بين 100 إلى 200 شخص ممن يدعمون تنظيم الدولة داخل ماليزيا، لافتة إلى أن رئيس الوزراء نجيب رزاق قد أخبر البرلمان العام الماضي، قائلا: إن "مشاركة الماليزيين في النشاطات المتطرفة وباسم الإسلام قد شوهت صورة البلد، وأثرت على نقاء الإسلام".
وينقل هدسون عن محللين قولهم إن زيادة أعداد الأشخاص المشتبه بمشاركتهم في نشاطات متطرفة أمر مثير للحيرة في بلد يعد من شركاء الولايات المتحدة في الحرب على
الإرهاب.
ويذكر التقرير أنه حتى شهر نيسان/ أبريل، اكتشفت السلطات ما بين 60 إلى 150 ممن ينتمون إلى تنظيم الدولة، مبينا أن أعداد الماليزيين المنتمين للتنظيم تتقارب مع أعداد الإندونيسيين المنتمين إلى التنظيم، ويزيد سكان إندونيسيا عن ماليزيا بنسبة ثمانية أضعاف.
وتلفت المجلة إلى أنه لا يعرف السبب وراء تزايد المتعاطفين مع تنظيم الدولة، ويختلف المحللون حول الدوافع التي تقف وراء انتشار التطرف داخل ماليزيا، مستدركة بأن المراقبين لاحظوا أن تسييس الدين الذي تمارسه الحكومة، وسياسة اليد الحديدية التي تتعامل فيها مع المعارضة، ربما كانت من دوافع التعاطف مع تنظيم الدولة.
وينقل الكاتب عن جوي تشينيونغ ليو من معهد بروكينغز قوله: "أصبح الإسلام، ولسوء الحظ، مسيسا في ماليزيا". لافتا إلى أن هناك عددا قليلا من الماليزيين ممن انضموا إلى شبكة تنظيم الدولة المعروفة باسم "كتيبة نوصنترا"، التي يقودها بهروم سيا، وتعرف الكتيبة أيضا باسم "الكتيبة الماليزية" أو "الوحدة المقاتلة للأرخبيل الملايوي".
ويورد التقرير أن الخبيرة في نشاطات الكتيبة، ومديرة مركز تحليل سياسات النزاع ومقره جاكرتا، سيدني جونز، قالت إن الوحدة المقاتلة بدأت بـ100 عنصر قبل عام، وتضيف جونز أن عدد الكتيبة زاد بشكل كبير وفي مناطق مختلفة، ويعتقد أن أفراد الكتيبة يشاركون في مواجهة الأكراد في سوريا، وقد تلقى أفرادها تدريبا من مدربين شيشانيين.
وتعتقد جونز أن عدد المتعاطفين مع تنظيم الدولة يزيد على 200 شخص في ماليزيا. وتقول: "هناك أعداد أكبر من تلك التي حددتها الحكومة".
وتقول المجلة إن محاولات حكومة ماليزيا لمكافحة التنظيم مكثفة، مشيرة إلى أنه في تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي أصدرت وزارة التنمية الإسلامية، التي تشرف على المساجد والعلماء في ماليزيا، فتوى ضد تنظيم الدولة، وحاولت إقناع المسلمين في ماليزيا بأن المتشددين الذين يقتلون، وهم يحاربون مع تنظيم الدولة ليسوا شهداء. بالإضافة إلى إعلان الحكومة الماليزية عن برنامج يركز على الشباب لمواجهة التطرف.
وتضيف "فورين بوليسي" أن وزارة الخارجية الماليزية أثنت في تقريرها السنوي على جهود رئيس الوزراء؛ لإنشائه حركة المعتدلين العالمية في كوالالمبور، التي تعمل ضد الأيديولوجيات المتطرفة، وقالت إن هذه المنظمة تحظى بمصداقية أكثر من تلك التي تعمل في الغرب، مستدركة بأن هذه التطورات ترافقت مع مشكلات يواجهها النظام السياسي الماليزي.
ويكشف هدسون عن أن الكثيرين يلومون الحزب الحاكم أومنو، الذي يحكم البلاد منذ استقلالها عام 1957، بتسميم الخطاب السياسي في البلاد، من خلال التأكيد على إسلامية ماليزيا، التي تواجه تهديدا من قوى غير مسلمة وعلمانية، ويقول ليو إن خطابا كهذا أدى إلى تهميش الأقليات غير المسلمة الصينية بالتحديد.
ويذكر التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الأقلية الصينية أصبحت مركزا للتنافس بين الأحزاب الإسلامية التي تتنافس على تأكيد هوية ماليزيا المسلمة، خاصة أن أبناء الأقلية أصبحوا ناشطين في السياسة بشكل كبير، لافتا إلى أن الحكومة الحالية تواجه اتهامات بالفساد، وقد نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا زعمت فيه أن 700 مليون دولار تم تحويلها عام 2013، إلى حساب خاص برئيس الوزراء نجيب، وهو ما أدى إلى موجة احتجاجات شارك في معظمها الصينيون والهنود.
وترى المجلة أنه رغم ذلك، فإن الجو السياسي المحموم لا يعد السبب الرئيسي وراء التطرف، كما يقول الخبراء، ويشيرون هنا إلى الطريقة التي تتعامل فيها الأجهزة الأمنية مع المحتجين، ومن يتهم بإقامة صلات مع تنظيم الدولة يعتقل دون محاكمة، وذلك بناء على قانون منع الإرهاب.
ويلفت الكاتب إلى أن هناك انتقادا داخل الحكومة بأن القانون يتم تطبيقه بناء على مطالب من الولايات المتحدة، خاصة أن هناك تعاونا بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى عقد ورشات عمل للأئمة.
ويفيد التقرير بأن إمام المسجد القديم في كوالالمبور مطلب قد حضر برنامجا مع وزارة الخارجية الأمريكية، الذي يقوم بتنظيم زيارات لقادة المجتمعات الأجانب، يزورون فيها المراكز الثقافية والدينية في الولايات المتحدة.
وتبين المجلة أن وزارة الخارجية الأمريكية تنفي أن تكون قد طلبت من ماليزيا تطبيق قانون الإرهاب. وبحسب المتحدثة باسم الخارجية آنا ريتشي – ألين، فقد عبرت الولايات المتحدة عن قلقها من القانون، ونقلت للحكومة الماليزية مظاهر القلق، خاصة فيما يتعلق بالحبس دون محاكمة ولأمد طويل. وقالت "نراقب عن كثب تطبيق القانون، وننقل مظاهر قلقنا بشكل دوري، فيما يتعلق بحكم القانون في ماليزيا".
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن المعارضة الماليزية نور العزة تقول إن "الديكتاتورية التي تمارس تدفع أكثر الكثير من الحركات للعمل تحت الأرض، وهو ما يعقد عملية مراقبتها ومعالجتها"، وتضيف: "في نهاية الأمر فأنت بحاجة إلى مساحة يشعر من خلالها الناس بالقدرة على المشاركة في بلد ديمقراطي لا دفعهم أكثر إلى الخارج، وتهميشهم بشكل يدفعهم للانضمام إلى تنظيم الدولة".