استفاد
الحرس الثوري الإيراني من العقوبات الدولية المفروضة على طهران، وإذا تم إبرام اتفاق نووي في فيينا هذا الأسبوع ترفع بموجبه هذه العقوبات، فإن من المرجح أن يحقق ذلك المزيد من المكاسب.
أنشأ روح الله الخميني الحرس الثوري خلال الثورة الإيرانية عام 1979، وهو أكثر من مجرد قوة عسكرية. فهو أيضا "إمبراطورية صناعية لها نفوذ سياسي اتسع نطاقه بشدة في السنوات العشر الأخيرة، فاستفاد من وجود الرئيس السابق محمود
أحمدي نجاد العضو السابق بالحرس الثوري في الحكم، وفي الآونة الأخيرة استغل الفرص التي وفرتها العقوبات الغربية"، وفق تقرير نشرته "رويترز".
وقال دبلوماسي غربي يتابع الشأن الإيراني عن كثب إن الدخل السنوي للحرس الثوري من مجمل أنشطته التجارية يقدر بما بين 10 و12 مليار دولار.
ويرفض المسؤولون الإيرانيون الكشف عن حصة الحرس الثوري في السوق، لكن 12 مليار دولار تمثل نحو سدس الناتج المحلي الإجمالي الإيراني المعلن بأسعار الصرف الحالية.
وقال مسؤول إيراني في طهران، طلب عدم نشر اسمه، إنهم "يسيطرون على شركات كبرى وقطاعات في إيران، مثل السياحة والنقل والطاقة والبناء والاتصالات والإنترنت".
وأضاف أن "رفع العقوبات سيعزز الاقتصاد، وسيساعدهم في جني المزيد من المال".
والحرس الثوري الذي يدين بالولاء المطلق للزعيم الأعلى للثورة علي خامنئي، هو الذي قمع احتجاجات الطلبة عام 1999، وأخمد الاحتجاجات الداعية للإصلاح التي أعقبت الانتخابات التي فاز فيها أحمدي نجاد بولاية رئاسية جديدة عام 2009، وثارت نزاعات حول نتائجها.
في ذلك العام، اشترت شركة تابعة للحرس الثوري شركة الاتصالات التي تديرها الدولة، بنحو ثمانية مليارات دولار.
بعد ذلك بفترة وجيزة، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على قطاع النفط والقطاع المالي في إيران، في محاولة لإجبار طهران على الحد من أنشطة برنامجها النووي الذي تقول إنه سلمي، بينما يقول الغرب إنه يمكن أن يستغل لإنتاج أسلحة نووية.
وعندما بدأت تلك العقوبات في التأثير على إيران، طُلب من الحرس الثوري تولي الأعمال التي كانت تقوم بها شركات النفط الأوروبية التي اضطرت للانسحاب.
وقال رئيس شركة إيرانية للاستشارات النفطية، طلب عدم نشر اسمه: "كافأتهم الحكومة بعقود ضخمة بالإسناد المباشر. شركات الواجهة التابعة لهم فازت بمعظم المناقصات".
وتطور شركة خاتم الأنبياء، وهي شركة المقاولات التابعة للحرس الثوري التي يعتقد كثيرون أنها أكبر شركة إعمار في إيران، أجزاء من حقل بارس الجنوبي، ولديها عقد قيمته 1.2 مليار دولار لبناء خط لمترو طهران، وعقد قيمته 1.3 مليار دولار لمد خط أنابيب إلى باكستان.
لكن الحرس الثوري يتمتع أيضا بميزات تنافسية كبيرة، ستحقق فوائد أكبر مع تخفيف العقوبات.
وقال الدبلوماسي الغربي: "انخفاض تكاليف التأمين والشحن والعمولات مع البنوك ستمكن الحرس أيضا من حرية استيراد قطع الغيار والمعدات والتكنولوجيا من الشركات العالمية".
وقال تاجر إيراني مقيم بإحدى دول الخليج العربية، يتعامل مع بعض الشركات التابعة للحرس الثوري، إن سيطرة الحرس على المحطات في المطارات والموانئ الإيرانية ساعدتهم في نقل السلع من وإلى إيران دون دفع جمارك.
وتجري معظم أنشطة الحرس الثوري التجارية من خلال شركات واجهة لا تملك القوة الكثير منها رسميا وإنما يملكها أفراد وشركات مرتبطون بها.
التحايل على العقوبات
وقال التاجر: "منذ بضع سنوات يشتري الحرس الثوري شركات صغيرة ومتوسطة في إيران، ويستخدمها على أنها شركات واجهة".
وتحتاج الشركات الأجنبية إلى شريك إيراني حتى تمارس نشاطها في إيران، ما يعني أنه في حالة المشاريع الكبيرة ستكون في الأغلب شركات يسيطر عليها الحرس الثوري.
ويقول المحلل، حميد فرح واشيان، إن الكثير من شركات الواجهة هذه غير معروفة على الإطلاق، "وستستخدم من أجل الوقت الذي سترفع فيه العقوبات للعمل مع الشركات الأجنبية".
ويسمح هذا على سبيل المثال لشركات النفط الغربية التي تريد إيران جذبها لتعاود ممارسة أنشطتها في البلاد بالعمل بعيدا عن شركة خاتم الأنبياء، التي تصنفها واشنطن على أنها "تنشر أسلحة الدمار الشامل"، ولها ما لا يقل عن 812 شركة تابعة لها.
وقال الدبلوماسي الغربي: "يجب أن تتوخى الشركات الحذر حين توقع عقودا، لأنها لن تعرف أبدا من وراء هذه الشركات بالفعل".
وفي اختلاف عن قطاعات أخرى من المؤسسة الإيرانية، فإن قادة الحرس الثوري عبروا علنا عن تأييدهم لمبدأ إبرام اتفاق نووي، وهو ما سيكون مستحيلا دون دعم خامنئي.
من جانيه، يقول المحلل سعيد ليلاظ: "تساند المؤسسة الاتفاق. دعم خامنئي المفاوضات، وبالتالي فإن الحرس الثوري الموالي للزعيم لا يستطيع رفضها".
لكن الحرس الثوري لديه ما يكفي من الأسباب الشخصية ليرحب بالاتفاق، التي تتجاوز النمو الاقتصادي والعقود المحتملة مع الشركات الأجنبية التي تستعد حاليا للاستثمار في إيران.
وعلى الرغم من براعته في التحايل على العقوبات التجارية، على سبيل المثال من خلال التجارة عبر دولة ثالثة، فإنه تبين أن هناك بعض القيود التي لا يمكن تجاوزها.
وقال مسؤول إيراني سابق، طلب عدم نشر اسمه، إن "الشركات التابعة للحرس الثوري تفتقر للتكنولوجيا والمعرفة والقدرة على تنفيذ المشروعات".
وأضاف: "تدريجيا جعلت العقوبات من المستحيل حتى على الحرس الثوري جني الأموال. لهذا هم يؤيدون رفع العقوبات. حينئذ سيجنون أموالا من خلال المتعاقدين معهم من الباطن حين يزدهر الاقتصاد".
تخوف من انفتاح الاقتصاد
رغم المكاسب المحتملة للحرس الثوري، لكن هذا لا يعني أنه ليس هناك توتر داخل هذه المؤسسة من احتمال انفتاح الاقتصاد.
وضخم الرئيس الإيراني البراجماتي، حسن روحاني، من شأن الانتعاش الاقتصادي الذي يعد به رفع العقوبات، وهو يسعى لتحفيز نمو قطاع خاص حقيقي تطغى عليه حاليا الشركات المملوكة للدولة.
وكان بعض الساسة الداعين للإصلاح قد اتهموا الشركات المرتبطة بالحرس الثوري بسوء الإدارة.
وقال كريم سجاد بور من مؤسسة "كارنيجي" للسلام الدولي في واشنطن: "الحرس الثوري الإيراني ليس وحدة واحدة. البعض يشعرون بالتهديد من اتفاق يمكن أن يفتح الاقتصاد الإيراني، ويضطرهم للمنافسة مع الشركات العالمية".
في الوقت الحالي، لا توجد مؤشرات تذكر على أن الدعم السياسي الذي يتمتع به الحرس الثوري سيتراجع، فزعماء إيران يشيدون علنا بدوره في إدارة قطاع النفط الإيراني.
رحل أحمدي نجاد، لكن أعضاء سابقين غيره في الحرس الثوري يشغلون مناصب مهمة، ومنهم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، ورئيس البرلمان، علي لاريجاني.
وقال مسؤول تنفيذي بقطاع النفط الإيراني إن "تعزيز الاقتصاد سيزيد من نفوذ الحرس الثوري على السياسة والاقتصاد؛ لأنه سيقوي هذه المؤسسة".