قضايا وآراء

ميادة وشيماء وحبيبة.. موت العدالة

قطب العربي
1300x600
1300x600
في ظل انقلاب عسكري يمتلك كل أدوات القمع، والبروباجندا، تموت العدالة، ويصبح الدم رخيصا وبلا ثمن، ويتحول القتلة فرسانا بعد أن "يلبس" جرائمهم قوم آخرون لا علاقة لهم بتلك الجرائم، لكنه "حكم القوي على الضعيف".

بعد مرور عام كامل على مقتل الصحفية ميادة أشرف على يد رجال الشرطة في الثامن والعشرين من مارس 2014، أمر النائب العام بإحالة 48 متظاهرا مدنيا إلى المحكمة الجنائية بتهمة قتل المحررة بجريدة الدستور (لصحابها رضا إدوارد أحد أبرز داعمي المشير عبد الفتاح السيسي)، لتمحو التهمة تماما عن ضباط الداخلية الذين قتلوها "عيني عينك"، وليتحول هؤلاء القتلة غلى فرسان "يتبخترون" ويزهون بجريمتهم، بل يرقون بسببها.

حين وقعت الواقعة، وسقطت ميادة مضرجة في دمائها، خلال تغطيتها لمظاهرات مناهضة لسلطة الانقلاب العسكري في منطقة عين شمس، إدعت وزارة الداخلية على الفور أن المتظاهرين هم من قتلوها، ورددت الأذرع الإعلامية للانقلاب هذه الإدعاءات، وكررتها مرات عديدة بهدف تثبيتها في أذهان المصريين في مواجهة روايات شهود العيان من زملاء ميادة الذين أكدوا أن مقتلها تم على يد رجال الشرطة وبرصاصهم الحي، وهنا أنقل شهادة زميلتها في الجريدة ذاتها، أحلام حسنين، والتي أكدت أن الرصاصات التي قتلت ميادة جاءت من رجال الشرطة الذين جاءوا من الخلف ليطاردوا المتظاهرين، وبسبب هذه الرواية تعرضت الشاهدة لضغوط مكثفة لتغيير شهادتها، وتم تهديدها بالطرد من الصحيفة التي تعمل بها، وقد استقرت شهادتها لدى الجماعة الصحفية، وهو ما ظهر في المظاهرة التي نظمها الصحفيون على سلالم نقابتهم تنديدا بالشرطة التي قتلت ميادة.

https://www.youtube.com/watch?v=AM_SbJKqTBs

مع تصاعد الضغوط الصحفية وبعد مرور شهر على مقتلها  أعلنت وزارة الداخلية عن مقتل قاتل ميادة، ويدعى محمد عبدالحميد، أثناء محاولة الشرطة القبض عليه، في محاولة لدفن القضية معه، لكن ذلك لم يقنع اصدقاء وزملاء ميادة، فقررت السلطة تقديم عدد من المتظاهرين الذين اتهمتهم بالانتماء للإخوان كانت ألقت القبض عليهم أثناء تفريق المظاهرة إلى المحكمة بتهمة قتل ميادة، ما يعني أن السلطة (ممثلة في وزارة الداخلية والنائب العام) قررت غسل يدها تماما من دم ميادة وتعليق مقتلها في رقبة الإخوان كما فعلت في حالات كثيرة من قبل، لعل أبرزها أيضا حالة طالب الهندسة بجامعة القاهرة محمد رضا الذي قتلته الشرطة ايضا يوم 28 نوفمبر 2013، وقد أكد هذه الرواية الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة وعضو تاسيسية الدستور في مداخلة تليفزيونية له يوم 30 نوفمبر 2013، ومع ذلك لم يتم تقديم قاتله -الذي علق الطلاب صورته داخل الجامعة- للمحكمة بينما قدمت النيابة زملاء له للمحكمة بتهمة قتله.

من قبل الصحفية ميادة قتل الصحفي الحسيني أبو ضيف ايضا في مظاهرة أمام قصر الاتحادية يوم 4 ديسمبر 2012، وحتى تفلت وزارة الداخلية من المسئولية سارعت بإلقاء التهمة على الإخوان رغم أنهم قدموا 8 شهداء في اليوم ذاته سقطوا إلى جوار الحسيني، وقتلوا من الجهة ذاتها التي قتلته، والآن يحاكم الرئيس محمد مرسي شخصيا ضمن مجموعة أخرى من مساعديه وأنصاره بتهمة قتل ابو ضيف.

حاولت الداخلية تكرار أسلوبها في حالة مقتل الناشطة اليسارية شيماء الصباغ القيادية بحزب التحالف الشعبي يوم 24 يناير الماضي في ميدان طلعت حرب، حيث وجهت التهمة بقتلها لرئيس الحزب وأمينه العام وعدد من قيادات الحزب الذين شاركوا في تلك المظاهرة المحدودة العدد، ولكن مع تصاعد الضغوط الدولية على النظام اضطرت النيابة لتوجيه التهمة لأحد ضباط الداخلية.

ولا يفوتنا أيضا التذكير بمذبحة استاد الدفاع الجوي التي راح ضحيتها 22 من مشجعي نادي الزمالك يوم 8 فبراير الماضي خلال الاشتباكات مع الشرطة التي أعدت ممرا ضيقا لدخول المشجعين الذين لم يكونوا يحملون تذاكر دخول، وقد وجهت النيابة ايضا التهمة للاخوان بقتل هؤلاء المشجعين.

نعود إلى مقتل ميادة، وتوجيه تهمة القتل لـ 48 ممن وصفته النيابة بأنهم من الإخوان المسلمين، وهو ما تكرر مع زميلها الحسيني أبو ضيف من قبل، لنؤكد أن هذه السلطة التي قتلت إرادة شعب بأكمله لن تقف على قتل صحفي أو صحفية وهي التي قتلت أكثر من عشر صحفيين (بينهم صحفية ايضا هي حبيبة عبد العزيز) دون أن يقدم قاتل أحدهم الحقيقي للمحكمة، في ضوء تراخي نقابة الصحفيين التي اهتمت فقط بحالتين لأسباب سياسية بينما تجاهلت الآخرين رغم أن منهم من يحمل عضويتها.

عمليات القتل العمدي من الشرطة للمتظاهرين لم تقتصر على الصحفيين بل طالت آلاف المصريين، سواء في مذبحتي رابعة والنهضة أو قبلهما أو بعدهما، ورغم إفلات المجرمين الحقيقيين بجرائمهم حتى الآن، إلا أنهم لن يفلتوا للأبد فيوم الحساب آت لامحالة، وما هو عنهم ببعيد.
التعليقات (0)